أصدرت منظمة أوكسفام المغرب، الاثنين، تقريراً مفصلاً حول النظام الضريبي في المملكة وتأثير نقاط ضعفه على التنمية الاجتماعية للمواطنين، وقالت إن التهرب الضريبي لعدد من الشركات متعددة الجنسيات يكلف البلاد 2.45 مليار دولار سنوياً. وتضمن التقرير، المعنون ب "من أجل مغرب منصف، ضريبة عادلة"، تقييماً لوضعية ومظاهر اللامساواة في المغرب، إضافة إلى توصيات لجعل النظام الضريبي أداة للحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية. ويأتي هذا التقرير بالموازاة مع المناظرة الوطنية الثالثة حول النظام الجبائي المغربي التي ستنعقد هذا الأسبوع بمدينة الصخيرات، والتي سيتمخض عنها قانون إطار جديد خاص بالجبايات سيعتمد خلال السنوات المقبلة. وتقول منظمة أوكسفام، التي تهتم بمواضيع الظلم والفقر والحروب والنزاعات والكوارث، إن المغرب ليس بمعزل عن سياق اتساع الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء، واعتبرت أن المملكة من أكثر الدول اتساعاً من ناحية الفوارق الاجتماعية ومن بين الدول المغيبة للعدالة الاجتماعية. وتؤكد المنظمة أن اختلالات الخدمات الاجتماعية، والبطالة، وعدم الاستقرار المهني، والتمييز ضد النساء، والنظام الجبائي غير العادل، تعطل التنمية الاجتماعية بالمغرب وتعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء. الثروات والتهرب الضريبي مُعطيات التقرير تفيد بأن أزيد من 1.6 مليون مغربي يعانون من الفقر والتهميش وانعدام الضرورات الأساسية. مقابل ذلك، بلغ مجموع ثروة أغنى ثلاثة مليارديرات بالمغرب خلال السنة الماضية حوالي 4.5 مليارات دولار، ما يعادل 44 مليار درهم، وهو ما يمثل ما يستهلكه 375 ألف مغربي فقير في سنة. وكشفت أوكسفام المغرب أن 82 في المائة من العائدات الضريبية على الشركات تستخلص فقط من 2 في المائة من الشركات المغربية، وبسبب التهرب الضريبي للشركات متعددة الجنسيات يتكبد المغرب سنوياً خسارة مالية تقدر ب2.45 مليار دولار، ما يعادل حوالي 24 مليار درهم، أي ما يمثل 2.34 في المائة من الناتج الداخلي الخام، أو ما يمكّن من بناء 40 مركزاً استشفائياً. ويقول التقرير إن خيار انفتاح المغرب لتطوير اقتصاده كان مكلفاً، حيث اعتمدت مناطق حرة لمنح الامتيازات الضريبية، على رأسها الشركة متعددة الجنسيات "رونو وبي إس إي" وشركات المناولة التابعة لها، لكن الدولة لم تستفد كثيراً في المقابل من خلق مناصب الشغل بشكل كبير، التي لم تتعد مثلاً 10 آلاف بالنسبة لرونو الفرنسية. البطالة والتعليم والصحة وذكرت أوكسفام أن معدل البطالة في صفوف الشباب ما بين 15 و24 سنة على المستوى الحضري يصل إلى 42.8 في المائة، فيما يبلغ متوسط مدة التمدرس في المغرب 4.4 سنوات، أي أقل من المعدل في الدول العربية بسنتين، وبثلاث سنوات أقل من المعدل العالمي. مُعضلة التعليم كبيرة رغم أن البلاد تُخصص 21.5 في المائة من ميزانيتها، وهي نسبة تفوق المعدل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا حيث تبلغ 13.9 في المائة، وبدول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (12.8 في المائة)، كما أن نفقات التعليم تمثل 5.1 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهي تعادل النسبة التي تخصصها دول "OCDE" (5.2 في المائة)، وأكثر من المعدل في منطقة "مينا" (4.5 في المائة). وأشار التقرير إلى أن حوالي نصف السكان النشيطين لا يتمتعون بالتغطية الصحية، بينما معاشات النساء تقل بنسبة 70 في المائة عن معاشات الرجال. كما أن 64 في المائة فقط من السكان في المناطق القروية يستفيدون من شبكة الربط بالمياه الصالحة للشرب، والمرأة المغربية تقضي حوالي 5 ساعات في اليوم في العمل المنزلي مقارنةً بالرجال الذين لا يتجاوزون 43 دقيقة فقط. تجلٍّ آخر للاختلالات الاجتماعية، حسب أوكسفام، يكمن في عدد الأطباء الذين يتوفر عليهم المغرب، حيث لا يتجاوز 6.2 طبيب لكل 000 10 شخص، مقابل 12 طبيبا في الجزائر وتونس، و37.1 في إسبانيا. كما أن 51 في المائة من المصاريف الطبية تتم تغطيتها من طرف الأسر، مقابل 21 في المائة في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. فوارق الأجور تقرير أوكسفام تطرق أيضاً إلى الفجوة بين الأحد الأدنى للأجور وما يتقاضاه الأغنياء المغاربة، حيث كشف أن أجيراً بالحد الأدنى من الأجور (2570 درهماً) يحتاج إلى 154 سنة حتى يصل إلى ما يتقاضاه ملياردير مغربي في 12 شهراً. ولمعالجة هذا الوضع، دعت المنظمة إلى إعادة النظر في الخيارات السياسية والاقتصادية وجعلها في صلب النقاش حول النموذج التنموي المغربي الذي أطلقه الملك في أكتوبر 2018. وأورد التقرير تصريحاً لعبد الجليل لعروسي، مسؤول الترافع والحملات في المنظمة، أشار فيه إلى أن "الفوارق الاقتصادية والاجتماعية في المملكة هي نتيجة لسياسات عمومية غير ملائمة وتستجيب لتوصيات المؤسسات المالية الدولية"، وقال إن المغرب اعتمد منذ الاستقلال نماذج اقتصادية تزيد من الفوارق الطبقية وتضع جزءاً كبيراً من المواطنين في حالة هشاشة. وأضاف لعروسي قائلاً: "لأن الفوارق الاجتماعية تعرقل محاربة الفقر وتحد من التنمية وتساهم في التوترات الاجتماعية، فإن الوضع يفرض على المسؤولين الحكوميين والمتدخلين الاقتصاديين والاجتماعيين أن يعطوا للأمر أولوية كبرى، كما أن للمواطنين والمواطنات الدور الرئيسي في تغيير الوضع عن طريق متابعة ومساءلة صناع القرار." برنامج عمل عاجل ولمواجهة أزمة الفوارق واللامساواة، دعت منظمة أوكسفام المغرب المؤسسات الحكومية إلى اتخاذ تدابير ملموسة من خلال بلورة وتطوير برنامج عمل وطني عبر تبني هدف تقليص الفوارق الاجتماعية في أفق 2030 في إطار أهداف التنمية المستدامة. كما تقترح المنظمة إنتاج بيانات إحصائية محدثة ومتاحة للعموم حول تفاوت الدخل وتركيز الثروة، واتخاذ إجراءات عاجلة وملموسة لتصحيح الفوارق الجهوية وعدم المساواة بين الجنسين، وتحسين الحكامة على جميع المستويات، وإطلاق خطة لتقنين النشاط الاقتصادي الوطني. وجاء ضمن توصيات المنظمة أيضاً تبني نظام ضريبي عادل يساهم في تقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تحسين تصاعدية النظام الضريبي في مجمله، وزيادة أشطر جديدة على مستوى الأجور الأكثر ارتفاعاً لصالح الأشطر الأكثر انخفاضاً بالنسبة للضريبة على الدخل. وفي نظر المنظمة، يتوجب على المغرب أيضاً اعتماد ضرائب تصاعدية على الأملاك المملوكة والمنقولة، وتحليل قائم على النوع لمجموع الضرائب من أجل المساهمة في الحد من أوجه عدم المساواة بين الجنسين، إضافة إلى توسيع الوعاء الضريبي لجعل مساهمة مجموع الفاعلين الاقتصاديين داخل البلد أكثر عدلا، وجعل مكافحة التهرب الضريبي من الأولويات.