قليلون هم الشبان الذين يحبّون تسلق النخيل في حقول الجنوب الشرقي لتلقيح هذه الأشجار، والكثير من الشيوخ الذين لا يزالون يكابرون من أجل حقولهم تحول صحتهم دون قدرتهم على تسلق أشجار شاهقة لوضع شماريخ "الثكّار" أو "الذّكار"، مع ترديد أهازيج تعد بالبركة والأمطار ووفرة المحصول، وهم يلقحون أشجار النخيل في قرى زاكورة. قديما لم يكن هناك شخص متخصص في تلقيح النخيل أو جني ثمارها، فكل فلاح كان يقوم بذلك بنفسه في قرى زاكورة، تماما كما يقوم بسقي أشجاره وحرث حقله وذبح شاته. مُلقّح النخيل مهنة طارئة ظهرت في السنوات الأخيرة بعدما سافر معظم الشبان البالغين نحو المدن الكبيرة بحثا عن عمل أكثر مردودية، وترك العمل الفلاحي المعيشي للشيوخ، حسب أغلب الذين استقينا آراءهم بخصوص تلقيح النخيل في قرى زاكورة. تلقيح بمقابل "لا نجد من يلقح النخيل هنا، خاصة النخل الطويل جدا والذي يشكل خطورة في التسلق، وإذا ما وجدت ملقحا فإن المشكل الأكبر هو الجني. فالذين يقومون بهذه العملية يطلبون مقابلا عينيا أو من المحصول، وإذا ما قمت بالحساب سوف تجد أن مالك النخلة لم يستفد شيئا"، يقول علي (49 سنة) في حديث لهسبريس، ثم يزيد مؤكدا "الشخص الذي يقوم بالتلقيح يطلب على الأقل خمسة وعشرون درهما، والذي قام بالجني يطلب نفس المبلغ أو ثلث المحصول، وأغلب هذه الأشجار شاخت، وما تنتجه ليس للتسويق في الغالب، إلى درجة أن هناك من يستغني عن هذه التمور ويكتفي بما تسقطه الرياح منها، ويترك الباقي للطيور". مهمة خطرة إبراهيم أوساي، أحد الذين يمارسون هذه المهنة الموسمية نواحي النقوب وتازارين، قال، في تصريح لهسبريس، إنه يتقاضى على تلقيح كل نخلة ما بين 15 و20 درهما، حسب طول النخلة وخطورة تسلقها، إلا أن جني التمور يكون ب25 درهما أو ثلاثين، حسب العدد والخطورة دائما، وأحيانا يكون المقابل عينيا بأخذ نسبة من المحصول ومن الجريد أيضا. وعن ما يتم ترديده أثناء عملية التلقيح قال أوساي " قديما كانت هناك أدعية خاصة وأغان يقوم الملقح بترديدها وهو فوق النخلة، لكن الآن كل واحد لديه طريقته، يبسمل فقط ويقوم بتلقيح النخيل، وهناك من لا يزال يردد بعض تلك الأهازيج القديمة". وجوابا عن مسؤولية مالك نخلة إذا ما سقط منها ملقح مثلا، قال أوساي: "تلك المسألة قضاء وقدر، وكثير من الذين سقطوا من نخلة بقوا في منازلهم حتى الشفاء إذا لم يلقوا حتفهم، فالفلاح عموما قد يسقط من نخلة أو قد يسقط في بئر، وهذه أمور مرتبطة بالمكتوب، سواء كانت النخلة تعود إلى ملكيته أو تعود إلى ملكية غيره". قد يكون هذا الأمر عاديا بالنسبة إلى فلاحين صغار، يجنون تمور خاصة للاستهلاك المنزلي دون الرغبة في تسويقها غالبا؛ لكن الوضع مختلف قليلا بالنسبة إلى الضيعات الكبيرة، حيث يتم استثمار مبالغ كبيرة في غرس النخيل وفي تلقيح الأشجار وجني التمور المعدة للتسويق والتصدير أحيانا. بخصوص طريقة تلقيح أشجار النخيل، فقد استجوبت هسبريس علي عمراوي، وهو فلاح وأحد منتجي التمور بجهة درعة تافيلالت، فأكد أن عملية تلقيح النخيل في الجنوب الشرقي تبدأ من شهر مارس إلى أواخر شهر أبريل، حيث يقوم الفلاح أولا بتنظيف النخلة الأم وإزالة كافة الشوائب من أشواك وسعف ميت لتهيئتها لعملية التلقيح، إذ في بداية فصل الربيع واعتدال درجة الحرارة تباشر الطلعات بالظهور وتبدأ الأغلفة بالتشقق لتظهر النورات الزهرية وتكون جاهزة للتلقيح. وعن مراحل التلقيح، يقول عمراوي، وهو تقني متخصص في المجال أيضا، "إن ذلك يتم أولا اختيار الذكار الجيد والخالي من الأمراض والذي يحتوي على نسبة كبيرة من حبوب اللقاح عالية تسمى (دكار) اللقاح، وتتناسب مع نوع النخلة المراد تلقيحها كالمجهول، والفكوس، والنجدة وغيرها". وحسب المتحدث نفسه: "يتم أحياناً انتقال حبوب اللقاح الذكرية إلى مياسم الأزهار الأنثوية، عن طريق الرياح أو الحشرات مثل النحل أو الطيور. إلا أن ذلك غير كاف، ليضمن التلقيح، وعليه يتعين على الفلاح أن يقوم بعملية التلقيح اليدوي يأخذ شمراخ ذكري ويضعه لكل طلعة أنثوية متفتحة؛ ويضع قسما منها في وسط الطلعة الأنثوية ويلم الشماريخ على بعضها ويربطها بجريد النخيل". تلقيح تقليدي وآخر عصري ويضيف في السياق ذاته بأن "الطريقة التقليدية السائدة والغالبة في التلقيح ويقوم الفلاح بوضع الذكار أو ما يطلق عليه الشماريخ التي تحمل حبوب اللقاح لوضعها في وسط عذوق النخلة الأم، وكل نوع من النخل يحتاج إلى عدد من الشماريخ وتتراوح ما بين 5 و20 شمروخا. أما فيما يتعلق بالطريقة اليدوية للتلقيح فهي صعبة نسبيا في إجرائها خصوصا في الضيعات الكبيرة، لما يتطلبه الأمر من صعود إلى النخلة مع توافر المهارة والخبرة لدى الملقح ويتطلب يدا عاملة مؤهلة وكثيرة". أما الطريقة الثانية فيوضح علي عمراوي، وهو المتخرج من المعهد التقنيين المتخصصين في الفلاحة بالرشيدية، بالقول "عن طريق الرش بواسط الآلات الحديثة، ويتم تجفيف اللقاح ورشه على النخلة المراد تلقيحها، وأنسب درجة لرش حبوب اللقاح هي 35 درجة مئويّة أن التلقيح الآلي أو الميكانيكي أكثر جدوى من اليدوي، ويمتاز أيضا بتوفير الوقت والجهد؛ وهو ما استوجب استعمال التلقيح الآلي بحبوب لقاح مخففة كطريقة بديلة تكون سريعة وفعالة".