دخلت إسبانيا مرحلة العد التنازلي للانتخابات التشريعية ليوم 28 أبريل 2019؛ وهو ما يفرض على الأحزاب المتنافسة إشهار أوراقها في الحملة الانتخابية والدفاع عن برامجها الانتخابية من أجل إقناع الناخبين بالتصويت لها، خصوصا أولئك الذين ما زالوا مترددين في اختيار اللون السياسي الذي سيمنحونهم ثقتهم لتدبر شؤونهم في الأربع سنوات المقبلة. وإذا كانت إسبانيا التي بنت ديمقراطيتها على ثنائية حزبية بين اليسار ممثلا في الحزب الاشتراكي العمالي واليمين الممثل في الحزب الشعبي، قد تأثرت برياح الحركات الاحتجاجية التي كسرت هذه الثنائية منذ سنة 2015 وحملت حزبين جديدين بدماء شابة على إلى التنافس الانتخابي واحد منتم إلى اليسار الجذري هو حزب "بوديموس"، وآخر إلى وسط اليمين هو حزب "مواطنون"؛ إلا أن الملاحظة الأساسية المسجلة خلال هذه الانتخابات التي تسبق بشهر الانتخابات الأوروبية، تكمن في بروز حزب يميني متشدد ولأول مرة في إسبانيا الديمقراطية، هو حزب "بوكسvox" الذي يشارك للمرة الأولى في الانتخابات التشريعية، وللمرة الثانية في استحقاق انتخابي بعد مشاركته في انتخابات برلمان الأندلس في دجنبر الماضي وتمكنه من الحصول على نتائج مشجعة مكنته من المشاركة في تحالف حكومي يميني بزعامة الحزب الشعبي، ومن إسقاط واحدة من القلاع الانتخابية المحصنة للحزب الاشتراكي العمالي. ولأن كل المؤشرات والاستطلاعات تتوقع استمرار مفاجأة اليمين المتطرف في إسبانيا، واستمرار "بوكس" في جني مزيد من التعاطف الشعبي، فلن يكون من الترف التوقف عند أهم مضامين البرنامج الانتخابي لهذا الحزب خصوصا فيما يتعلق بمسألتي الهجرة والدين، خصوصا أننا لم نتمكن من مشاهدة زعيم الحزب سانتياغو أباسكال في المناظرتين الانتخابيتين التلفزيونيتين إلى جانب قيادات الأحزاب الأربعة الكبرى، سواء تلك التي بتثها القناة الوطنية الإسبانية يوم الاثنين 22 أبريل أو القناة السادسة الخاصة يوم الثلاثاء 23 أبريل، بعد قرار اللجنة المركزية للانتخابات بعدم مشاركته لعدم وجود تمثيلية برلمانية للحزب. المهاجر "شخصية غير مرغوب فيها" لا يتكلم الحزب الذي يتزعمه سانتياغو أباسكال في المائة نقطة من برنامجه الانتخابي، لغة أخرى مع المهاجرين غير لغة الطرد؛ طرد كل مهاجر، وبدون استثناء، في وضعية غير قانونية فوق التراب الإسباني، وحتى المقيمين بشكل قانوني قد تطالهم عملية الترحيل في حال ارتكابهم لجرائم خطيرة. وللحاملين لحلم الهجرة إلى إسبانيا إسوة ببعض أصدقائهم أو أقاربهم ممن حالفهم الحظ ووصلت قواربهم سالمة إلى الضفة الأخرى وتمت تسوية وضعيتهم، من الأفضل تجاوز الفكرة؛ لأن هذا الأمر لن يكون ممكنا في المستقبل، لأن اليمين المتطرف يتوعد المهاجرين الناجين من موت البحر الأبيض المتوسط بعدم تسوية وضعيتهم أبدا، وبعدم الاستفادة من أي مساعدة اجتماعية كيفما كان نوعها، والتشطيب على أنظمة المساعدة الحالية. ولأن الحل بالنسبة إلى اليمين المتطرف هو الحرب الشاملة فإن البرنامج الانتخابي لحزب فوكس لم يستثني أيضا من يسميهم ب"مافيا تجارة الشوارع"، وهم الباعة المتجولون المنتشرون في الأماكن السياحية وفي محطات الميترو وجلهم من المهاجرين الأفارقة أو الرومان، فهو يعد بوضع حد ليس فقط لهذه التجارة بل حتى الإنتاج المرتبط بها. وماذا عن المهاجرين الذين اندمجوا بشكل كلي في المجتمع الإسباني ويقيمون بشكل قانوني لمدة عشرة سنوات على الأقل، ويرغبون في طلب الجنسية الإسبانية مثلما تنص على ذلك القوانين؟ حزب "فوكس" اليميني فكر فيهم أيضا، ولم يستثنيهم من رعايته، ويعدهم بتشديد الحصول على الجنسية الإسبانية من خلال الرفع من المستوى اللغوي والثقافي المطلوب للحصول عليها؛ بل حتى المجنسين من المهاجرين هم مهددون بسحب الجنسية في حال ارتكاب أعمال معادية للسيادة أو لأمن أو الاستقلال الوطني. من جهة أخرى، يقترح اليمين المتطرف الإسباني في برنامجه الانتخابي ربط المساعدات الموجهة إلى برامج التنمية في الدول النامية المصدرة للمهاجرين، بإعادة مهاجريها المقيمين بشكل غير قانوني في إسبانيا أو المرتكبين لأعمال إجرامية. ويرى بأن الهجرة يجب أن تخضع لحاجيات الاقتصاد الإسباني وإلى قدرة المهاجرين على الاندماج، لذلك يعتزم وضع "كوطة" للهجرة تعطي الأولوية لمهاجري الدول التي تتشارك مع إسبانيا في اللغة وتجمعها بها روابط الصداقة والثقافة؛ وبمعنى أدق فإن حكومة الحزب اليميني المتطرف وفي حال قبولها بهجرة مختارة فإنها ستقتصر على المهاجرين القادمين من دول أمريكا الجنوبية ولن يكون أي مهاجر قادم من إفريقيا محل ترحيب في إسبانيا اليمينية. الفهم السطحي للمسألة الدينية بالنسبة إلى اليمين المتطرف بصفة عامة، فإن إلصاق المهاجرين ودياناتهم، خصوصا المسلمين منهم، بأعمال الخوف والتطرف هو رأسمال انتخابي مهم، يتم في إطاره استغلال مجموعة من الأعمال الإرهابية لتأجيج الرأي العام المهزوز وتخويفه من الخطر القادم من الخارج. وبدوره، فإن اليمين المتطرف الإسباني لم يخرج عن هذه القاعدة ويعد بإغلاق ما يسميها بالمساجد الأصولية وطرد الأئمة الذين ينشرون التطرف ولا يحترمون حقوق المرأة ويدعون إلى الجهاد. لعل النقطة الجديدة التي جاء بها برنامج حزب أباسكال في هذا الاتجاه هي مبدأ التعامل بالمثل في فتح أماكن العبادة، وهي نقطة غير مفهومة إطلاقا، خصوصا إذا ربطناها برغبة الحزب في تجريم تمويل أماكن العبادة في إسبانيا من طرف دول الأصل، فهل يقصد بمبدأ التعامل بالمثل فتح كنيسة إسبانية في كل بلد يريد فتح مسجد لجاليته في إسبانيا؟ قبل أن يتطرق لوعوده الانتخابية في مجال الدفاع والأمن والحدود، فإن حزب "بوكس" سيفرض على المسؤولين عن الديانة الإسلامية في إسبانيا تعاونا كليا من أجل كشف المتطرفين، وهي نقطة أخرى تظهر الفهم السطحي للحزب للإشكالية الدينية في إسبانيا، التي تشهد صراعات متواصلة على مسألة التمثيلية الدينية للجاليات المسلمة؛ وهو ما أسهم في بلقنة المجال الديني من جهة وغياب مؤسسة رسمية ممثلة أو/ ومخاطبة لمسلمين في هذا البلد الأوروبي. وبهدف حماية المواطنين الإسبان من الأخطار الخارجية "المحدقة" يخلص حزب "بوكس" إلى ضرورة تقوية الأمن في الحدود، كيف ذلك؟ أول شيء هو بناء جدار عازل على حدود مدينتي سبتة ومليلية، وتمكين القوات الأمنية من الموارد المالية والبشرية لحماية الحدود بكل فعالية، ومطالبة المغرب بالاعتراف الكلي واحترام السيادة الإسبانية على سبتة ومليلية. عموما، فإذا كانت استطلاعات الرأي حول نوايا التصويت لا تعطي في أفضل الأحوال أكثر من 37 مقعد لحزب "بوكس" من أصل 350 مقعدا يتكون منهم البرلمان الإسباني، إلا أن الانتخابات التشريعية ل28 أبريل 2018 لن تكون سوى حصة تدريبية لليمين المتطرف الإسباني استعدادا لانتخابات أكثر أهمية بالنسبة إلى حزب "بوكس"، هي الانتخابات البلدية وكذا الانتخابات الأوروبية المرتقبة في 26 ماي 2019؛ لأنها قد توصله إلى تدبير عدد من البلديات الإسبانية وأيضا إلى التأثير في قرارات اللجنة الأوروبية، ودائما بالاعتماد على المحبرة نفسها التي كتب بها برنامجه الانتخابي الحالي.