يعرف وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي تحولا مستمرا نتج عن انخراطها في سوق الشغل طلبا لتحقيق استقلالها الاقتصادي وتحسين معيشها الاجتماعي، إذ أصبح عملها ضرورة ملحة كي تعيل نفسها وتعيل عائلتها. هكذا اقتضى التحول الاقتصادي والاجتماعي وجود المرأة إلى جانب الرجل في كل مجالات الدراسة، ومن ثم في كل مجالات العمل، فلم يعد رب الأسرة (الأب) هو المعيل الوحيد، بل أصبح لها معيلان، الأب والأم، يشاركان معا داخل وخارج البيت الأسري في بناء كيانها. ومع الدينامية والحركية التي عرفتها حياة المرأة حين ولجت سوق الشغل قل الاهتمام بالوظيفة البيولوجية التي تشغلها في الأسرة، الوحدة المركزية والترمومتر الذي عبره ومن خلاله نقيس نمو وتطور المجتمع؛ فالمرأة بيولوجيا مانحة للحياة، بما أنها تشغل وظيفة الأمومة. ولا يخفى ما لوظيفة الأمومة -بما تعنيه من حمل ووضع ورضاعة- من متاعب صحية قد وإذا تأملنا ظروف عمل المرأة التي تضطرها للحضور اليومي والإجباري، يلاحظ أن المشرع المغربي لم يتعامل بمرونة إنسانية مع الظرف الصحي للمرأة الحامل والمرأة المرضعة مقارنة بالعناية التي توليها حقوق الإنسان للطفل والمرأة على حد سواء، ومقارنة ببعض الدول العربية كتونس والسعودية مثلا، ودول الاتحاد الأوروبي. من زاوية النظر هاته، لا يمكن للمجتمع أن يحقق مطلب المساواة بين الجنسين من دون أن يعتبر مهام المرأة العاملة داخل البيت الأسري ثم داخل فضاء العمل؛ بمعنى الاهتمام بوظائف المرأة الأسرية إلى جانب وظائفها المهنية بصفتها أما ومربية؛ بما يعني كذلك منح اهتمام خاص لوظيفة الأمومة، إذ تبقى رخصة الولادة في المغرب دون طموح المرأة الموظفة المغربية، رغم ما يعرفه البلد من تحول في الجانب الديمقراطي والحقوقي، وما يعرفه بالموازاة وضع المرأة الاجتماعي والاقتصادي، وما يعرفه وضع الأم العاملة من اهتمام على الصعيد الدولي بمقتضى التشريعات الدولية والاتفاقيات الصادرة عن منظمات العمل الدولية؛ فجل التشريعات تنص على حماية الأم العاملة قبل وبعد الولادة..فقبل الولادة تقل المردودية في العمل نتيجة متاعب الحمل، لذا تحتاج إلى التخفيف من المهام التي تكلف بها في وظيفتها، وخاصة أثناء الفترة الأخيرة للحمل. وبعد الولادة تصاب المرأة باضطراب صحي وبضعف يرافقها لشهور، كما أنها ورغم ضعفها تسهر على رعاية وليدها وإرضاعه. في هذا السياق تم بموجب الفصل 46 المعدل من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية رفع مدة رخصة الولادة من اثني عشر أسبوعا إلى أربعة عشر أسبوعا، وذلك في إطار رعاية الأمومة والعناية بالمرأة الموظفة وفق ما نقله منشور رقم 11-5 وع بتاريخ 5 يونيو 2011 حول الرخصة السنوية ورخصة الولادة، بما يعني أن المرأة الحامل تستفيد من أربعة أسابيع قبل الولادة، وعشرة أسابيع بعد الولادة. وقد اتضح من خلال نظام العمل المرتبط بالوظيفة الإدارية الذي يلزم الحضور اليومي للمرأة العاملة أن هذه المدة غير كافية لكي تستعيد الأم كل قواها الجسدية والنفسية للانخراط في عملها بفاعلية، خاصة أن الحضور اليومي لا يتوافق مع التزامات الأمومة في السنتين الأوليين للرضيع الذي يحتاج إلى أمه وليس غيرها. لهذه الغاية وتفعيلا للاتفاقية الدولية رقم 183 المتعلقة بمراجعة اتفاقية حماية الأمومة المعتمدة من قبل المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية التي صادق عليها المغرب وتم نشرها في الجريدة الرسمية سنة 2012، تنبغي إعادة النظر في المادة 46 من قانون الوظيفة العمومية المتعلق بتمديد إجازة الولادة عند الأم والأب، بحيث تمنح إجازة لمدة شهر (أربعة أسابيع) للمرأة الحامل قبل الولادة، على أن تمدد بعد الولادة إلى أربعة أشهر كاملة، بما يعني ستة عشر أسبوعا مدفوعة الأجر. كما يمكن للموظفات بعد نهاية رخصة الأمومة أن تمنح لهن بطلب منهن رخصة أمومة لا تتجاوز ستة أشهر، مع استحقاق نصف المرتب، ثم أن تمنح لهن بطلب منهن عطلة أمومة لا تتجاوز ستة أشهر أخرى مع استحقاق ربع المرتب. هكذا يمكن للأم أن تمارس وظيفتها بصفتها أما في ظروف إنسانية معقولة، تضمن سلامتها وسلامة رضيعها. وفي سياق تحقيق مطلب المساواة والتشارك، تحتاج الأم في الفترة الأولى للوضع إلى مساعدة الزوج/الأب لرعايتها ورعاية طفله الوليد. لأجل هذا الغرض يحتاج الأب إلى تمديد رخصة الأبوة من ثلاثة أيام إلى عشرة أيام مدفوعة الأجر، وذلك للنهوض بمبدأ المشاركة في المسؤوليات الأسرية بما يضمن رعاية متوازنة للرضيع والطفل. إن إعادة النظر في هذا القانون خطوة أساسية لحماية الحامل والمرضعة -في الوظيفة الإدارية بنظامها الذي يستوجب الحضور اليومي-من مخاطر تؤثر على صحتها وسلامتها وعلى حقها في الحصول على إجازة.