على بعد حوالي نصف كيلومتر من مقر عمالة تنغير يقع حي سكني عشوائي يضم العشرات من المنازل، ويشبه حيا صفيحيا، خاصة أنه يفتقر إلى أبسط التجهيزات (الكهرماء)، ما يزيد من حدة إحساس قاطنيه بالفوارق الاجتماعية، إذ يعتبرون أنفسهم محرومين من حقوق المواطنة. "المنسيون" هو أنسب عنوان يليق بسكان هذا الحي الذي يقع بقلب مدينة تنغير، كونهم يتخبطون في دوامة النسيان وفقر لا نهاية له، ولا يعتبرون أنفسهم أحياء، بل أمواتا في زمن يتنكر فيه الحاضر للماضي، ويقطنون بيوتا لا تؤمن من خوف. الأسر القاطنة بهذا الحي أو "الدوار" تعيش بين أوجاع الحرمان والعوز، ويبدو أن دوامة الحياة تسحبها إلى مكان مجهول، بعيدا عن حسابات مراكز على مستوى المحلي والإقليمي، لتقف عاجزة كل العجز أمام صخرة الفقر التي لا تنكسر. أحمد أحبار، من ساكنة الحي ذاته، قال في تصريح لهسبريس: "بمجرد أن تطأ قدماك المدينة تستطيع قراءة أول فصول المعاناة وحالة اليأس والإحباط التي تعيشها الساكنة، بسبب الظروف الاجتماعية القاسية والمزرية التي مست جميع جوانب الحياة اليومية"، مشيرا إلى أن "الساكنة تعيش حياة البؤس والشقاء، ما يجعلها عرضة لجميع أشكال الاستغلال، خصوصا الأطفال"، وفق تعبيره. وأضاف المتحدث المنتمي إلى قبيلة ايت عمامو أن الساكنة تعاني من غياب الكهرماء، مشيرا إلى أن "عددا من الأطفال محرومون من الدراسة ومن حقهم في الماء الكافي للاستحمام، وهو ما يدفعهم إلى عدم الشعور بانتمائهم إلى هذا الوطن، إذ لا تفكر فيهم أي جهة إلا في الانتخابات والإحصاء العام، رغم أن الساكنة تعبر عن ولائها للملك"، وفق تعبيره. من جانبها، وصفت حليمة، وهي من ساكنة الحي نفسه، البحث اليومي عن قطرة ماء ب"رحلة العذاب"، مبرزة لهسبريس أنها تضطر إلى طلب الماء من سكان المنازل القريبة من الدوار ومن الفنادق القريبة، وزادت: "مرة يزودوننا بالماء ومرة يرفضون"، مؤكدة أن نساء الدوار يكلفن أبناءهن باستجداء سكان المنازل المجاورة أن يملؤوا لهم قارورات بلاستيكية بالماء. وأضافت حليمة: "يقولون إننا شيدنا منازلنا بطريقة غير قانونية، لذلك لا يريدون أن يزودوننا بالكهرماء"، متسائلة باستغراب: "لماذا تركونا منذ الوهلة الأولى نبني منازلنا بهذه الأرض إن لم يكن لدينا حق في ذلك؟"، ومشيرة إلى أن "الساكنة تعتمد في معيشتها على الرعي ولا دخل ماديا آخر لها"، وفق تعبيرها. وفي وقت تهرب عدد من رؤساء المصالح بعمالة تنغير من الإدلاء برأيهم في هذا الموضوع، قال مصدر مسؤول داخل المجلس الجماعي لمدينة تنغير الذي يقع الحي السكني المذكور في نفوذه: "إن الساكنة المعنية شيدت منذ ما يزيد عن عشر سنوات تلك المنازل في أراض تابعة لقبائل تنغير"، مشيرا إلى أن "السلطات المختصة على علم بهذا الموضوع منذ اليوم الأول الذي تم فيه تشييد هذه المنازل"، بتعبيره. وقال المصدر ذاته، الذي فضل عدم البوح بهويته للعموم، في تصريح لهسبريس، إن "تلك المنازل توجد في وضعية غير قانونية وشيدت بدون تراخيص، ويصعب على الجماعة أن تزود سكانها بالكهرماء"، مشيرا إلى أن "مسؤولية تشييد تلك المنازل العشوائية تتحملها السلطات المحلية والإقليمية، وهي نفسها التي يجب أن تبحث عن حلول لهذه الفئة التي من حقها العيش في كرامة"، وفق تعبيره. وشدد المصدر ذاته على أن الحي السكني المذكور "يشوه صورة المدينة، خصوصا أنه يوجد بالقرب من فنادق مصنفة بالمدينة"، داعيا "جميع المتدخلين إلى ضرورة التدخل من أجل توفير ظروف عيش لهذه الساكنة التي شيدت منازلها بهذه البقعة الأرضية"، وزاد: "لا يعقل أن تسمح السلطات لهؤلاء ببناء منازلهم وفي الأخير تحرمهم من حقهم في الماء والكهرباء".