بعد شهر من إعلان القضاء على "الخلافة"، تلقي ترِكة تنظيم الدولة الإسلامية بثقلها على قوات سوريا الديمقراطية التي تقع على عاتقها إدارة سجون مكتظة بالجهاديين ومخيمات تضيق بأتباعهم، بينما يواصل التنظيم شنّ هجمات دموية تستهدف الأكراد وقوات النظام السوري. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية في 23 مارس القضاء على "خلافة" التنظيم بعد طرده، بدعم من التحالف الدولي بقيادة أميركية، من جيبه الأخير في أقصى الشرق السوري، ليقتصر وجوده بذلك على خلايا نائمة ومقاتلين منتشرين في مناطق صحراوية. ورغم إعلان القضاء على "الخلافة" جغرافياً بعدما كانت مساحتها في العام 2014 تعادل مساحة بريطانيا، إلا أن التنظيم ما زال يشكل تهديداً حقيقياً لكل من الأكراد وشريكهم التحالف الدولي وقوات النظام السوري. ويرى الباحث في مركز الأمن الأميركي الجديد، نيكولاس هيراس، أن التنظيم "انهزم كخلافة، لكن الحقيقة لا تخفي حجم النفوذ الذي ما يزال يحظى به عبر شبكة عملاء قادرة على تنفيذ الأوامر". ويوضح أن غالبية هؤلاء سكان محليون "يحظون بحماية عشائرهم ومجتمعاتهم المحلية"، لافتاً إلى أن "استراتيجية التنظيم للتمرد مجدداً تعتمد إلى حد كبير على الحفاظ على علاقات قوية مع بعض العشائر المحلية في شرق سوريا وغرب العراق". وتسببت هجمات شنها التنظيم يومي الخميس والجمعة في البادية السورية مترامية المساحة، الممتدة من شرق حمص (وسط) حتى الحدود العراقية، في مقتل 35 عنصراً على الأقل من قوات النظام السوري ومسلحين موالين لها، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتعد هذه الهجمات الأعنف للتنظيم منذ إعلان سقوط "الخلافة" التي أثارت الرعب حول العالم، وكانت لها مؤسساتها وشرطتها ومناهجها الدراسية وعملتها الخاصة وضرائب جنتها من المواطنين. ويواصل التنظيم كذلك تنفيذ عمليات اغتيال وتفجيرات أوقعت في التاسع من الشهر الحالي 13 قتيلاً في مدينة الرقة التي كانت تعد معقله الأبرز في سوريا قبل طرده منها في العام 2017. كما يتبنى بشكل يومي هجمات في محافظات عراقية عدّة. وأعلنت قوات سوريا الديمقراطية، بعد إنهاء معاركها في شرق سوريا قبل شهر، بدء مرحلة جديدة في قتال التنظيم، تتمثل في ملاحقة خلاياه النائمة. تنظيم "نشيط" ويقول الباحث المتخصص في شؤون الجهاديين، تور هامينغ، من معهد الجامعة الأوروبية ومقره إيطاليا، لوكالة فرانس برس: "يشكل تنظيم الدولة الإسلامية تهديداً مستمراً. تراجعت الهجمات لكنه ما يزال قادراً على شنها بانتظام كل أسبوع". وفي محاولة لدعم الأكراد، أعلنت واشنطن في وقت سابق إبقاء 400 جندي أميركي في سوريا، بعد قرارها المفاجئ بسحب كل قواتها. لكن هامينع يعتبر أن التنظيم "نشيط للغاية وسيبقى كذلك. والعدد المنخفض للقوات الأميركية لن يحلّ بالكامل" هذه المعضلة. ولا يرتبط خطر التنظيم بقدرته على شن هجمات دامية فحسب، بل يشكل الآلاف من مقاتليه الذين اعتقلتهم قوات سوريا الديمقراطية على مدى سنوات، من سوريين وعراقيين وأجانب من عشرات الدول، تحدياً كبيراً. ويقبع هؤلاء حالياً في سجون الإدارة الذاتية الكردية في شمال سوريا وشمال شرقها. ولا يكف الأكراد عن مطالبة الدول الغربية، وخصوصاً دول التحالف، بتحمل مسؤولياتها واستعادة مواطنيها لمحاكمتهم على أراضيها. ومع تردد غالبية الدول، طالبوا بإنشاء محكمة دولية خاصة لمحاكمتهم في سوريا. ويوضح رئيس مكتب العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، عبد الكريم عمر، لوكالة فرانس برس، قائلا: "طالبنا بتشكيل محكمة دولية لمقاضاة هؤلاء الإرهابيين، كون الجريمة من عمليات القتل والسبي والتهجير والتدمير وقعت في هذه المنطقة". ويواجه التنظيم المتطرف تهم ارتكاب جملة من الفظاعات، كالإعدام الجماعي والاغتصاب والخطف والعقوبات الوحشية في مناطق سيطرته، عدا عن تنفيذ هجمات دامية حول العالم. ويؤكد عمر أن "أولويتنا هي مقاضاة المجرمين"، من دون أن يحدد عددهم الإجمالي الدقيق. قنابل موقوتة وبحسب هامينغ، "لا تملك سوريا ولا العراق الموارد أو الاستقرار السياسي لإدارة مثل هذا العدد الكبير من السجناء". ويعرب مراقبون عن خشيتهم من أن تشكل السجون والمخيمات، حيث عائلات الجهاديين، سبباً لانتعاش التنظيم مجدداً. وحذّر مركز صوفان للشؤون الأمنية في تقرير نشره في 12 أبريل من خطر أن "تتحول مراكز الاعتقال إلى أرض خصبة" للمزيد من التشدد، محذراً في الوقت ذاته من احتمال أن يحاول الجهاديون الفرار من السجون. وتطالب الإدارة الذاتية الكردية المجتمع الدولي بدعمها لبناء سجون جديدة مهيأة وتأمين الحماية اللازمة لها، فضلاً عن تقديم المزيد من الدعم للمخيمات حيث يقبع عشرات آلاف النازحين وأفراد عائلات مقاتلي التنظيم. ويقول عمر: "كل ما يقدمه المجتمع الدولي، إن كان منظمات الأممالمتحدة ودول التحالف أو المنظمات غير الحكومية، لا يشكل خمسة في المائة من الاحتياجات". ويقطن في مخيم الهول وحده أكثر من 73 ألف شخص في ظل ظروف معيشية قاسية مع نقص في الغذاء واللوازم الصحية والأدوية. ودقّت منظمات دولية مراراً ناقوس الخطر إزاء الوضع الإنساني مع تسجيل حالات سوء تغذية حاد لدى الأطفال، مطالبة المعنيين بتقديم الدعم اللازم. وتؤوي مخيمات شمال شرق سوريا 12 ألف أجنبي، هم 4000 امرأة و8000 طفل من عائلات الجهاديين الأجانب، يقيمون في أقسام مخصصة لهم تخضع لمراقبة أمنية مشددة. ولا يشمل هذا العدد العراقيين. ويأمل عمر أن تقدم حكوماتهم على استعادة رعاياها، وخصوصاً الأطفال. ويوضح: "إذا لم يتعاون المجتمع الدولي معنا في هذا الملف ولم تعمل الدول على إعادة تأهيل هؤلاء الأطفال وإعادتهم إلى دولهم ودمجهم في مجتمعاتهم، فإنهم سيشكلون مستقبلاً مشاريع إرهابيين وقنابل موقوتة". *أ.ف.ب