العهد الجديد: الملك ينتهك الدستور... ورجاله يرحلون إلى الواجهة إنني لم أعكر صفو حياتهم أبدا، إنني فقط أخبرهم بالحقيقة .. فيرونها جحيماً !!”(هاري ترومان) ما يجري في المحيط الملكي ليس مجرد تعيينات عادية، كما يريد البعض أن يصورها، بل هي تتجاوز ذلك إلى إعادة رسم خريطة المحيط الملكي بما يستجيب للتحولات التي عرفها المشهد الحزبي، وما أفرزته الانتخابات من تقدم لحزب العدالة والتنمية، وهو يتجاوز كل ذلك إلى ما يشبه حكومة ظل، يسعى من خلالها مجموعة من التيارات في المحيط الملكي إلى إعادة ترتيب التوازنات، وإعداد العدة والعتاد للصيغة الجديدة في التعامل مع الحكومة، وفي تدبير اختصاصات القصر. والتعيينات العديدة التي تمت خلال أقل من ثلاثة أشهر، تعد استجابة لمجموعة من "الضغوط" التي يمارسها أطراف من المحيط على رأسهم الهمة والماجيدي وبوهمو والمعتصم والأمراء والأميرات الذين يتزلف لهم دبلوماسيون وسياسيون، في إطار حراك تؤطره فلسفة تغذية التشكيلة المحيطة بالملك في ظل التخويف المتنامي من تكليف الإسلاميين بتشكل الحكومة وتدبير الشأن العام السياسي، علما أن قائمة التعيينات لم تتم بعد. فمن حق، بل من واجب، حزب العدالة والتنمية، إذن، أن يتصرف بما تقتضيه المرحلة من سياسة متزنة، لحساسيتها واتسامها بالدقة، ويتعامل بما يؤسس لفترة انتقالية سلسة، تستحضر عوامل عديدة، وتحذَر في نفس الوقت من حقل مليء بالألغام، ففي الفترات الانتقالية يحدث النهب ويخرق القانون ويتزايد الصعود والهبوط في المناصب والمواقع، وفي الفترة الانتقالية تزداد ضبابية المواقف وتتشعب الطرق وتتعقد الحلول. سيعاني حزب العدالة والتنمية الأمرين، وسيجد مساره في تدبير المرحلة معبدا بالعوسج لا بالورود كما يعتقد العديدون، بدأت مع إرادة من محيط القصر التحكم في خيوط اللعبة وتدبير ملف التحالفات بشكلها التقليدي، والتدخل في نوعية الحقائب التي ستضغط بها أحزاب أقنعها المتدخلون بوجودها في موقع قوة أثناء التفاوض، بالإضافة إلى إرادة فرنسية التحكم عن بعد في ذات الأمر، يتعلق بالأساس بفرض بقاء حقائب لها علاقة بمصلحة قصر الإليزيه في أيادي "أمينة" كحزب الاستقلال والحركة الشعبية، بما يحفظ مصالح فرنسا الإقتصادية ... وسيعاني الحزب في ظل محيط ملكي مبعثر المصالح، تدفع تضارباته بالملك إلى الوقوع في تناقضات جوهرية، كان أهمها خرقه للدستور، وتعيينه للسفراء بعيدا عن الحكومة الجديدة، وإرساء بنية متكاملة على المستوى الدبلوماسي، مع العلم أنها ملفات انتظرت طويلا وكان من الممكن أن تترك جانبا حتى لا تشوش على مشاورات تشكيل الحكومة. وسيعاني حزب العدالة والتنمية في ظل خيوط تحرك مسارات الاحتجاجات وبدأت عيونها تتجه صوب النقابات قصد إرباك تدبيره للعديد من القطاعات الحكومية وإظهار فشل الحلول التي يقترحها في برنامجه الانتخابي وتصوراته السياسية، وتنوي هذه الأيادي الخفية التحكم في تفاوض الحزب مع الكثير من الأطراف في تدبير الحوار الاجتماعي وإدارة ملفات ساخنة تعتبرها هذه الجهات خطوطا حمراء. ستطرح علامات استفهام كثيرة في ظل المتغيرات التي يجري الإعداد لها، لكن الذي يتضح أكثر يكمن في ما نبهت إليه العديد من التحاليل الصحافية قبيل الانتخابات، ويبين مدى ارتباك محيط القصر في تدبير المرحلة، ومفاجأته من النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية، وهو الإرتباك الذي دفع إلى مسارعة رجال القصر إلى تقوية أصواتهم في الديوان الملكي. من حق حزب العدالة والتنمية، بل من واجبه، أن يتعامل بما تقتضيه إدارة هذه "الصراعات" (إن صح التعبير)، لكن من واجبنا ان ننبه إلى أن ملامح التراجع عن ما تضمنه الدستور (على علاته وقلته) بدأت تظهر مع خرق الملك لمقتضياته، والتي تنص على اقتراح السفراء من طرف رئيس الحكومة بعد عرضها على مجلس وزاري، ويجري التحضير لتعيينات جديدة، مع العمل على عرقلة إخراج الحكومة إلى الوجود. فحتى لا نقول مرة أخرى ما قاله الرئيس المكسيكي الأسبق بورفيرو دياز:" مسكينة هي المكسيك !! .. لبعدها عن الله، ولقربها من الولاياتالمتحدة" أو بلغة أخرى، نقول "مسكينة هي الحكومة لقربها من القصر... وبعدها عن الشعب"، يحتاج إلى حكومة قوية برجالاتها وبرامجها السياسية، يسندها الشارع المغربي في محاربة الفساد الذي استوطن أعلى مناصب في الهرم السياسي. [email protected]