في قلب مدينة تنغير، الواقعة جنوب شرق المغرب، يقع مركز استقبال وتكوين النساء في وضعية صعبة، الذي تدبر شؤونه جمعية فضاء المرأة، ويعتبر متنفسا للنساء المعنفات ولمن هن في وضعية صعبة. وتجد النساء المعنفات، وغيرهن من النساء في وضعية هشاشة، في المركز المشيد بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سندا معنويا وآذانا صاغية، ومجموعة من الخدمات الأخرى. أثناء إعداد هذا الربورتاج، قامت جريدة هسبريس الإلكترونية بزيارة إلى المركز ذاته، حيث وقفت على الأنشطة والخدمات المقدمة لفائدة هؤلاء النساء اللواتي يلجن إليه بحثا عن الأمان وعن حلول لمشاكلهن العائلية أو الشخصية، وحاورت عددا من العاملات والعاملين بالمركز الذين فتحوا قلبهم لها، انطلاقا من تأسيس المركز إلى الخدمات المقدمة به وانتهاء بعدم التزام بعض الجهات بتعهداتهم بدعمه. تأسيس المركز سنة 2010، قامت جمعية فضاء المرأة بتنغير، بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، بتأسيس هذا المركز الذي خصص لاستقبال وتكوين النساء ضحايا العنف، حيث يتم الاستماع إليهن ومساعدتهن وإرشادهن قانونيا، وإخضاعهن لتكوين في مجموعة من المجالات ينتهي بحصولهن على "ديبلوم" معتمد، بشراكة مع التعاون الوطني والوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات. وحسب تصريح أدلت به إحدى أعضاء المكتب المسير لهسبريس، فإن فكرة تأسيس هذا المشروع الاجتماعي جاءت نتيجة تفشي ظاهرة العنف ضد النساء والتهميش والإقصاء اللذين تتعرض لهما المرأة في المنطقة، بالإضافة إلى عدم الاستفادة من الخدمات الأساسية، وجهل النساء بمعظم حقوقهن القانونية. ومن بين الأهداف المتوخاة من تأسيس المركز، "تقديم الخدمات المتخصصة، كالاستماع والتوجيه والمساعدة القانونية والنفسية، للنساء ضحايا العنف، وتتبع ظاهرة العنف ضد النساء والفتيات من أجل المساهمة في إيجاد الحلول الكفيلة للحد منها"، يقول نور الدين جهري، مدير مركز استقبال وتكوين النساء في وضعية صعبة بتنغير. المسؤول الإداري ذاته أضاف أن المركز يقدم مجموعة من الخدمات ذات البعد الاجتماعي والإنساني، من خلال الاستماع للنساء ضحايا العنف بشتى أنواعه، وتقديم استشارات قانونية لهن، بتنسيق مع الخبراء في المجال، وصياغة وتحرير المقالات القضائية، بالإضافة إلى المرافقة والتوجيه لدى المحاكم ومراكز الشرطة والدرك. وقالت سعاد أورهي، مسؤولة بالمركز، إن "المركز يقوم أيضا بعقد لقاءات وساطة بين الزوجين، وتتبع ملفات النساء المعنفات ومن هن في وضعية صعبة لدى المحاكم، ومؤازرتهن أمام النيابة العامة". إكراهات التمويل رغم أن المركز يقدم وظائف متعددة للنساء بإقليم تنغير، من خلال تكوينهن في مجالات متعددة، ومساعدتهن على رسم معالم جديدة لحياتهن المهنية والأسرية، إلا أنه أصبح يعاني من غياب الدعم العمومي، خصوصا دعم المجلس الإقليمي والمجلس البلدي ومجلس الجهة، وفق إفادة سعاد أورهي. وأوردت المشرفة بالمركز ذاتها أن "غياب الدعم لفائدة المركز جعل حلم بناء فضاءات أخرى داخله يتوقف، مع تقليص نسبة المستفيدات، والاشتغال اعتمادا على إمكانيات ذاتية محدودة وبعض التمويلات المقدمة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية". وأبرزت المتحدثة ذاتها أن جمعية فضاء المرأة "تعمل من أجل بناء مركز لتنويع التكوينات المقدمة لقائدة النساء في وضعية صعبة، إلا أن غياب الدعم وضعف الإمكانيات يطرحان إشكالية سبل مساعدة ومصاحبة هذه الفئة الهشة". ويهدف مركز استقبال وتكوين النساء في وضعية صعبة، الذي تسيره جمعية فضاء المرأة بتنغير، حسب قانونها الأساسي، إلى التطبيق الفعلي للنصوص السارية المتعلقة بحقوق المرأة، وتقديم الخدمات القانونية للنساء بمختلف شرائحهن. المركز يسعى أيضا إلى محو الأمية القانونية والاقتصادية لدى النساء وتربيتهن على المواطنة وتمكينهن من المشاركة في تدبير الشأن العام والمساهمة في التنمية المحلية، وتقديم المساعدات القانونية اللازمة للنساء في وضعية صعبة بتمثيلهن أمام العدالة والدفاع عن حقوقهن. وأجمع العاملون والعاملات بالمركز على تضررهم نتيجة عدم التوصل بمستحقاتهم المالية منذ سنة 2017، موردين في تصريحات خاصة لجريدة هسبريس الإلكترونية أن من بين الإكراهات التي يواجهها المركز حاليا "غياب الدعم، وعدم التزام المجالس المنتخبة بوعودهم تجاهه"، مما أصبح يهدد استمرارية المركز في تقديم خدماته بالشكل المطلوب. حلم وطموح نعيمة ايت عبد الصمد، فاعلة جمعوية بمدينة تنغير، دعت الجهات المسؤولة إلى ضرورة إعادة إدماج النساء اللواتي يعشن وضعا صعبا في الحياة الاجتماعية والمهنية ومرافقتهن بسيكولوجيا، كاشفة أهمية خدمات مركز استقبال وتكوين النساء في وضعية صعبة في توعية هذه الفئة بحقوقها وتشجيعها على تحقيق النجاح في مختلف المجالات الاجتماعية والأسرية والمهنية، "رغم الصعوبات التي تفرضها قساوة الحياة"، بتعبيرها. وقالت المتحدثة في تصريح لهسبريس إن "النساء ضحايا العنف في الإقليم يعشن أوضاعا مزرية ويعانين من مشكل التهميش في مجال الشغل وقساوة المجتمع التي تكون السبب الرئيسي في هذا الوضع المزري، إلا أن المركز وجمعية فضاء المرأة يبذلان مجهودات كبيرة من أجل مرافقة المرأة في مختلف مراحل حياتها وضمان الإدماج الاجتماعي والمهني". من جهته، دعا مصدر قضائي، في تصريح خص به جريدة هسبريس الإلكترونية، إلى "ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الهيئات لتحقيق الحماية للنساء في وضع صعب، والتكفل بمختلف احتياجاتهن على غرار الحاجة الطبية والمادية، وكذا الحاجة البسيكولوجية، من إحباط نفسي واكتئاب وخوف تصاب به المرأة لقساوة الظروف المعاشة"، مؤكدا أن "تحقيق الإدماج المهني والاجتماعي للمرأة لن يتأتى إلا في حال وجود تكامل وعمل مشترك بين قطاعات حكومية ومدنية"، وفق تعبيره. أهم المشاكل التي تعاني منها المرأة مصدر من داخل مركز استقبال وتكوين النساء في وضعية صعبة أكد أن "العنف الزوجي يمثل أكبر نسبة من العنف الممارس ضد النساء اللواتي يتم استقبالهن في المركز، بالإضافة إلى العنف الأسري والاقتصادي"، مشيرا إلى أن "غالبية الحالات المستقبلة هي لنساء متزوجات يمارس عليهن العنف الزوجي بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الأزواج المعنفون والأمية، إلى جانب فئات أخرى، كالأرامل والمطلقات والمنقطعات عن الدراسة". وشدد المصدر ذاته، الذي فضل عدم البوح بهويته للعموم، على أن "المركز يحاول الأخذ بيد هؤلاء المعنفات ومساعدتهن أولا لتجاوز مرحلة الخوف والعنف الذي يمكن أن يتحول إلى جريمة، ثانيا من أجل توفير مكان لهن للراحة ونسيان الحالة السابقة والتأقلم مع جو جديد". ولم يخف المتحدث أن "العنف الزوجي يحتل الرتبة الأولى من خلال الحالات التي يتم استقبالها من طرف المركز"، مشيرا إلى أن المؤطرات بالمركز يعملن من أجل تخفيف آلام هذا العنف الممارس في حق النساء، وإرشادهن للسير في الطريق الصحيح. المركز بالأرقام نظرا للخدمات التي يقدمها المركز لفئة النساء اللواتي هن في وضعية هشاشة وفقر، فإنه "بحاجة إلى تجهيزات جديدة ومتنوعة"، يقول المسؤول ذاته، موردا أن "الجمعية تعمل إلى جانب شريكها الاستراتيجي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على إيجاد حلول كفيلة بتجاوز الوضعية الراهنة". وأبرزت زهرة حسناوي، رئيسة جمعية فضاء المرأة بتنغير، أن "مشروع وحدة إنتاج وصنع الحلويات المصادق عليه من طرف المبادرة الوطنية كمشروع مدر للدخل مكمل للمركز الذي يهدف إلى إدماج هذه الفئات وتكوينهن في هذا المجال للحصول على ديبلومات قصد تعزيز فرصهن في إيجاد شغل، يعرف عرقلة من جهات منتخبة". وأضافت أن "المركز يستقبل عددا من الراغبات في التكوين في مجال المعلوميات والديكور الداخلي والفصالة والخياطة والحياكة والنسيج، ومجموعة من الأنشطة المتنوعة التي تدخل في إطار مشاريع وبرامج الجمعية من خلال اتفاقيات مع مختلف الشركاء تتماشى وتراعي أهداف ومقاربة المبادرة الوطنية وخطة ومنهجية عملها". وأشارت المتحدثة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أنه "بين سنة 2014 والسنة الجارية، استفادت 125 امرأة من تكوين في مجال الفصالة والخياطة، و262 في مجال الإعلاميات، و211 في مجال الديكور الداخلي، و56 في مجال النسيج". وأضافت حسناوي أن عدد المستفيدات من خدمات مركز الاستماع في الفترة الممتدة ما بين 2014 و2019 بلغ 1731 مستفيدة، و1431 مستفيدة من أنشطة موازية.