قال محمد يسف، أمين عام المجلس العلمي الأعلى، إنه لا بدّ لأهل المغرب أن يعرفوا أن نظام إمارة المؤمنين عريق عراقة الإسلام بهذا البلد، وأنه سر بقائهم متماسكين على الرغم من الاهتزازات، وسرّ بقاء وحدة البلاد؛ ف"الإمامة العظمى تحمي الثوابت التي يتألف منها تدين أهل المغرب"، و"حراسة الملّة والدين أولى عقود البَيْعة". وأضاف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، في سياق تدخّله بالجلسة الافتتاحية للملتقى العالمي الأوّل للتصوّف، الخميس، في مدينة شفشاون، أن "إمارة المؤمنين ميثاق مكتوب لا كلام"، وزاد مبيّنا أن هذه الإمارة "قائمة على البيعة الشرعية التي بايع المسلمون عليها نبيهم الكريم، والخلفاء الراشدين، وهي حية اليوم هنا على أرض المغرب، وهي عهد وميثاق مكتوب بين أمير المؤمنين وأمته، ولأمير المؤمنين حقوق وواجبات وللأمة حقوق وواجبات، ويكون الاحتكام لميثاق البيعة". ويذكّر يسّف بأن التدين المغربي قائم على العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف الجنيدي السّنّي، وعلى إمارة المؤمنين التي هي أقطاب أربعة تشد المغرب وسكانه؛ "كأنهم في سفينة تنخر عباب الحياة والبحر المتلاطم؛ لأن لها ربانا يقودها هو إمارة المؤمنين"، ويزيد أن لهذه الإمارة تاريخٌ طويل منذ أسّسها المؤسس الأول للدولة المغربية المستقلة عن المشرق، المولى إدريس الأول، أول أمير مؤمنين بالمغرب، وصولا إلى الملك محمد السادس. ويؤكّد الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى أن التربية الروحية الوجدانية الصوفية الخالصة ليست كلاما وتوجيهات ونصائح وغايات، بل يجب أن تُرى، وتتحرك على الأرض وتتجسد في سلوكنا ومعاملاتنا، وهي الغاية التي تغيّاها شيوخ التصوف في التاريخ الإسلامي، حتى تتجسّد هذه التربية في وجودنا على الأرض وفي علاقاتنا المختلفة، وتستنهض الإنسان المسلم ليكون جديرا بعصره ودينه، فترفعه هذه التربية إلى أسمى مقام. ووضّح المتحدّث أن الإنسان إذا خلا من القيم الروحية فلا يكون له معنى أبدا في حياته، لأنه يكون بهذه القيم، وزاد مبيّنا أن القيم الروحية الصوفية متأصّلة في أرض إمارة المؤمنين، وتسكنها، وتمتدّ فيها امتداد تاريخ الإسلام بهذا البلد. ويرى يسف أن المساجد في دنيا الإسلام هي حصون وقلاع لحراسة الوجود، وأن من يؤطرون هاته المساجد من أئمة وخطباء ووعّاظ ومرشدات حرّاس في أزيد من خمسين ألف مسجد يحتاجهم، ويدعمهم الشعب، مضيفا أن المحسنين في المغرب يبنون المساجد أكثر من وزارة الأوقاف نفسها بنسبة تصل إلى 60 في المائة من المساجد، ثم تحتاج مؤطّرين وعلماء "يملؤونها علما وإيمانا ونضالا عن الكرامة". وشدّد المتحدّث على أن لا قدرة للتعبئة تكبُر قدرة العَقيدة على ذلك، مضيفا أن هذا الدين يجمع الأمّة ويلمّ شأنها ووجودها ويجعلُها تتحدى ما يعَوِّق مسيرتها، فيثبّت قلوب المؤمنين للتمسك بأخلاقهم ودينهم ووطنهم ووحدتهم، ليحمل الصالحون والصالحات راية النضال عن وحدة الأمة، وشملها، وتوحيد كلمتها، وهو ما تنظّم من أجله مثل هذه اللقاءات؛ حتى يتمّ التواصي بالحقّ والصّبر والتجنيد لحماية هذا الوجود الذي نعتز به ونفخر لمستقبل البلد، بقيادة الإمامة العظمى. وذكّر يسّف بمدرسة الغرب الإسلامي التي أسهمت في بناء الحضارة الإسلامية، والتي تجمع الشمال الإفريقي والأندلس، وكانت تأتي بمثل ما تأتي به مدرسة المشرق الإسلامي من جديد، أو كانت تفضُلُه، فأسهمت بذلك في "بناء الحضارة والإنسان وفي ذلك فليتنافس المتنافسون". واستحضر يسف رمزية الجبل الذي بدأ منه النور، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمله من جبل، ونزول الوحي عليه في جبل، وما يرمز إليه الجبل من سمو وعلوّ وارتقاء؛ وهو ما دفع أهل الله إلى أن يقصدوا الجبال من أجل العبادة والتخفف من الأوزار، ومعالجة سلوكهم وعملهم، حتى ينطلقوا من جديد، مذكّرا بأن الأمّة "تحتاج علاجا وطبيبا يصلح أعطابها، ويداوي جروحها ويخرجها من جديد". ووصف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى المنتدى العالمي الأول للتصوف بشفشاون ب"المنتدى الروحي الصوفي الوجداني" الذي يقصد التركيز على ثقافة الروح والوجدان والثقافة الخالية من الشوائب وإحيائها، مضيفا أن "هذه الندوة الربانية اختارت أن تتموقع في هذا الجبل بشفشاون بشموخه وأصالته ورسوخه وإيمانه وصموده"، في إطار "نداء لإحياء التربية الروحية الصوفية تتلاقى أصداؤه في جنوب المغرب وشماله وشرقه وغربه".