دعا المنتدى العالمي للتصوّف بشفشاون، في ختام فعاليات دورته الأولى، إلى "تحديث دور الزوايا ووظائفها وتفاعلها مع مستجدات العصر ومتطلّباته التنموية". كما أوصى، في بيان ختامي لأنشطته التي امتدّت طيلة أيام 18 -21 أبريل الجاري، ب"ترسيخ القيم الروحية والوطنية كسبيل لتحقيق الحياة الآمنة والمستقرّة، من خلال أسس التربية والتزكية". المنتدى، الذي أوصى بجعله موعدا سنويا، شدّد على ضرورة تثمين التحام الثوابت المغربية حول إمارة المؤمنين؛ كمصدر قوة وصمود واستمرارية الدولة المغربية باعتباره عهدا وميثاقا مكتوبا بين أمير المؤمنين وأمته تمتدّ فعاليته منذ تأسيس الدولة في عهد إدريس الأول وصولا إلى أمير المؤمنين الملك محمد السادس، شاجبا "كل قيم التطرّف والعنف والإرهاب والإقصاء والتكفير"، مع التأكيد على "نبذ الكراهية، واستيعاب الاختلاف بالحوار، واحتضان الآخر، والحفاظ على الهويّة والخصوصية". نموذج ديني بديل يذكر البيان الختامي للمنتدى العالمي للتصوّف أن المتدخّلين خلال أيامه الأربعة أجمعوا على أن "النموذج الديني للمملكة، فكرا وممارسة، هو النموذج البديل الذي يمكن أن يصحح مبادئ الدين الصحيح للارتقاء بالقيم الإنسانية المثلى في سياق دولي معقّد يطغى عليه التشوّه الفكري، والتطرّف السلوكي، وسيادة موجة العولمة التي أحدث تغييرات جذرية عميقة في نمط عيش الإنسانية بانفصالها عن قيمها وتحويلها الإنسان إلى آلة". كما ذكر المصدر نفسه أن المنتدى في دورته الأولى سعى إلى التحسيس بأهمية التصوّف المغربي بوصفه ثابتا، إلى جانب المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وإمارة المؤمنين، واختيارا طوعيا توافقيا راسخا للتمسك بالهوية المغربية الأصيلة، والحفاظ على الوحدة الوطنية. كما سعى إلى "إدماج الشباب والاستجابة لطموحاته؛ من أجل بناء مجتمع سليم ومتوازن في إطار منظومة أخلاقية متكاملة تستمد قوّتها من الإيمان"، مع الإشارة إلى "إشعاع الفكر الصوفي المغربي" ودوره في "إبراز الإسلام عالميا في صورته الحقيقية القائمة على قيم الوسط والاعتدال ولمّ الأسرة الإنسانية الكونية وإخراجها من وطأة التفرقة والتنافر". هذه العطاءات والقيم يعمل على تفعيلها وترسيخها أمير المؤمنين، وفق تعبير البيان؛ "استلهاما للفهم الصحيح لهذه المبادئ، ولتراثِنا الحضاري وتاريخنا العريق، في التعامل النبيل من أجل صياغة مستقبل أفضل للإنسانية"، وهو ما نُظِّمت في سبيله "مداخلات علمية متنوعة ارتكزت على دور الصوفية وزواياها وآلياتها ووظائفها في ترسيخ السلوك المجتمعي السديد وبناء الإنسان السَّوِيّ المتوازن المتشبع بقيم المواطنة الحقّة"، باستحضار "القيم الروحية والوطنية النورية المتميزة، والكسب التوعوي والتربوي والتأطيري لمعانقة الإنسان، كلِّ الإنسان، والإسهام الروحي للقطب الرباني عبد السلام بن مشيش، وتلميذه أبي الحسن الشاذلي". "ولاء لأمير المؤمنين" اختُتم المنتدى العالمي الأوّل للتصوّف في "مسجد طارق ابن زياد" باشرافات، الذي يرجع تاريخ تأسيسه لبداية الإسلام في شمال غرب إفريقيا، وعَرَفَ رَفْعَ برقية ولاء لأمير المؤمنين الملك محمد السادس، من رئيس المجلس العلمي المحلي بشفشاون، وتردّدت في هذه البرقية عبارات "الحب والولاء والإخلاص والوفاء"، والدعوات لملك البلاد ب"اليمن والسعد والتوفيق والنّصر". وذكر نصّ برقية الولاء أن أيام المنتدى عرفت "استدعاء ثلة خيِّرَة من العلماء العاملين المشهود لهم بالإحاطة بالفكر الصوفي علما وعملا من داخل تراب المملكة وخارجها، لإثراء النقاش حول التربية الصوفية المستمدّة من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، استرشادا بمَنَاهِجِ الصوفية التي اعتمدها المغاربة، بطريقة الإمام الجنيد، مساهمة في إيصال الرسالة الدينية المنفتحة القائمة على الوسط والاعتدال، وحمل السواد الأعظم من الأمة وخاصة الشباب على استبطان المناهج الصوفية المعتدلة وجعلها منهجا للتربية والتزكية والسلوك". كما ورد في كلمة سبق أن تلاها محمد بن تحايكت، رئيس المجلس العلمي المحلي بشفشاون، أن من مقاصد هذه الدورة الأولى: "تجلية خصائص التصوّف المغربي وربطه بالثوابت الدينية والوطنية"، و"تقوية روح المواطنة الصادقة والشعور بالمسؤولية والإسهام في التنمية"، و"ترسيخ قيم الأخلاق الإسلامية وركائز المبادئ الإيمانية في المجتمع"، فضلا عن "التركيز على التصوّف السُّنِّيِّ المغربي باعتباره أحد الثوابت الدينية المغربية"، و"استقطاب الشباب لتغذية الروح وتقويم السلوك"، مع "بيان حقيقة التصوّف وارتباطه الوثيق بالشّرع الحنيف ونبذه للتصوّف البعيد عن التأصيل الشّرعيّ". حرص على الدين والوطن شدّد علي الريسوني، شيخ الزاوية الريسونية، على أنه "لا وطنية إلا بالدين ولا دين إلا بالوطنية". وأضاف شيخ الزاوية الريسونية، في كلمة ألقاها خلال النّشاط الختامي للمنتدى العالمي الأوّل للتصوّف، مساء الأحد، أن من يفرّقون بين الدين وبين الوطنية يكذبون؛ لأنه "في الأرض لا بد لنا ممن يحمي لنا ديننا"، داعيا إلى وضع الدين والدنيا في كفّة واحدة ليتكتّلا فيما بينهما، ثم استدرك موضّحا أنه يعني بالدنيا الوطن؛ "لأن له بيئة تحتضن المئذنة، والمحراب، وكرسيَّ العالم وقلمه، وهو المحضن الذي يحتضن المقبرة الإسلامية، والزاوية الصوفية، ومسجد المسلمين". هذا الوطن، بالنسبة إلى الريسوني، فيه مؤسّسة مقدّسة تسمّى إمارة المؤمنين، بدأت منذ إدريس الأوّل، واستمرّت تثرى يوما بعد يوم فحفظ الله بها للغرب الإسلامي، إسلامَه، وللمسلمين دينهم وعقيدتَهم ومقابرهم وفِقْهَهُم ومعاملاتِهم ولغَتَهم وهويّتهم واستقلالهم، ولولا هذه المؤسّسة التي تجمع الأمّة وتجمع العلماء والأتقياء والأولياء والفضلاء لكانت الدنيا فوضى. وإلى جانب كلمات محمد علمي ودان، عامل شفشاون، ومحمد أصبان، عضو المجلس العلمي المحلّي بالرباط، والحسين وكاك، عضو أكاديمية المملكة المغربية، عرّف محمد الفاسي، عضو المجلس العلمي المحلي في شفشاون، بمسجد طارق بن زياد الذي خُتِم به النّشاط، وبيّن أن نسبته إلى قائد طنجة الذي يرجع له فضل بنائه عند الفتح الأوّل حَسَبَ رأي معظَم المؤرّخين؛ فيما يشير آخرون إلى أن تأسيس المسجد يعود إلى عقبة بن نافع الفهري. فيما استحضر عمر الحفيظ، شيخ يمني من أبرز دعاة العالم الإسلامي، مجيء إدريس الأول إلى بلاد المغرب، وما تسلسل بعد ذلك من زمن إلى زمن من "استمرار للاتصال بآل البيت الطاهر والعلماء الأكابر"، مثنيا على "بقاء التصوّف في هذا البلد في مكان يليق أن يكون فيه، ويليق للأمّة أن تضعه فيه، والعلماءُ والأخيارُ معه، والدولة وأميرُ البلاد يرفعون راية الاستمساك بهذه التزكية، وبهذا الأصل والفهم الواعي لدين الله وشريعته، وهذه النورانية في الوعي والتنزيل".