إن النقاش الدائر هذه الأيام القادم من كواليس القاعات المغلقة داخل المؤسسات الدستورية ولقاءات التشاور والتوافق بين الأحزاب، أو ذلك القادم من حمى ردود الفعل الغاضبة المنتشرة داخل مواقع التواصل الاجتماعي، حول مشروع القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، يكشف لنا ظاهريا ومن الوهلة الأولى تخوفات مشروعة حول مصير اللغة العربية لكنها تخفي في عمق الأشياء عقليات دوغمائية لا تقبل بالحوار وتعتبر رأيها هو السديد ممزوج بالحديد. فمن خلال اطلاعي على مشروع القانون الإطار وجدته يتحدث على مبدأ توزيع المسؤولية بين الدولة وشركاء آخرين كالحكومة، والمجالس المنتخبة، بما فيها الجماعات الترابية، وجمعيات أولياء التلاميذ وجمعيات المجتمع المدني، كوسيلة للنهوض بالتعليم. وهذه المستجدات التي حلت بالمنظومة التربوية حددت الكثير من المسؤوليات بالنسبة للسلطات العمومية والفاعلين وكذا المتدخلين، ومنها حوكمة المنظومة وجودتها وإرساء أسس واستراتيجيات صريحة لتنزيل البرامج التعليمية في السياسات العمومية. لكن دعنا من كل هذا، ولنعرج على ما هو سلبي في هذا النقاش الذي بدا مجانبا للصواب. إن الغريب في الأمر، وسط هذا السجال المحموم، لماذا يتم اختزال الخلاف حول لغة التدريس في نقاش مغلوط وعقيم، بالنظر للتحديات التي تواجه التعليم بالمغرب. فهذا التعليم العمومي، مازال يقدف لنا بالآلاف من الشباب المغربي من حملة الشواهد إلى البطالة، وما زلنا كذلك نعاني من إكراهات ربط التكوين الدراسي والجامعي بسوق الشغل... إن السؤال المحوري الذي يطرح نفسه هو أين نحن من المبدأ الدستوري الذي ينص على تكافؤ الفرص بين المواطنين في التعليم حين كان في الماضي وسيلة للترقي الاجتماعي وبلوغ المناصب العليا في المجتمع؟ لقد كان بالأحرى أن ينصب الاهتمام ويتجه إلى ما هو أهم كالعناية بجودة التعليم العمومي والارتقاء به، ومنحه الاستقرار وعدم جعله حقلا للتجارب من طرف الحكومات المتعاقبة وتعريضه للهشاشة. في رأيي، هذا النقاش المغلوط الذي يروج له البعض يعطي الانطباع بأن مناصري تدريس مجزوءات علمية بلغة أجنبية هم أعداء للغة العربية الأم، وهذا خطأ فادح وتغليط مقصود للرأي العام، يتسبب في هدر الزمن السياسي والمس بالنموذج الاقتصادي والتنموي الجديد المنشود من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، إن اختلاف وجهات النظر حول قانون التربية والتعليم بات يفرض علينا الاهتمام أكثر بجودة هذا التعليم والرقي بوسائله البيداغوجية التي يفرضها تطور المجتمعات. إن فشل برامج التنمية بالمغرب أصبح واقعا لا يرتفع عندما دق صاحب الجلالة ناقوس الخطر ولا حياة لمن تنادي، الحقائق على الأرض لا يمكن تزييفها، فتعاقب 5 وزراء للت... و3 مشاريع للإصلاح خلال 10 سنوات يكشف واقعا لا يمكن أن يرتفع وهو واقع هدر كبير للزمن السياسي، الذي كان من المفترض أن نحافظ عليه، ونجتهد جميعا في تجنيب بلدنا فشل برامج التنمية، أمام حمى التوافقات السياسية الوهمية. لنكن صادقين إن المغاربة يبحثون عن حكومة السيد العثماني فلا يجدونها، فالأرقام الرسمية تتحدث عن نسب نمو اقتصادي دون مستوى التطلعات، لن تساهم في تحقيق التنمية المرجوة في بلادنا. إن الحماسة المفرطة التي يظهرها البعض اهتماما باللغة العربية كلغة للتدريس، لا تقل أهمية عن تجنيب أبناء الشعب المستقبل الغامض، فآخر التوصيات الدولية للحكومة تدعوها إلى ضرورة إسراعها في تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لزيادة مكاسب الإنتاجية وخلق المزيد من فرص الشغل وتعزيز إمكانيات النمو، سيما أن الاقتصاد بحاجة إلى منسوب عافية تطمئننا على زمننا التنموي الثمين، الذي مع بزوغ شمس كل يوم هو بحاجة إلى قرارات جريئة، وفاعلية كبيرة، من أجل تمتيع كل مغربي بحقه في أن يعيش كريما وفق المبدأ الدستوري الذي يشدد على ضمان تكافؤ الفرص. فاليوم الصراع حول اللغة العربية لا يمكن أن ينسينا أيضا التحديات التي تواجه أولياء أمور شبابنا وشاباتنا وهم يتمنون لأبنائهم تعليما جيدا يمكنهم من إجادة لغة أجنبية كالإنجليزية أو الإسبانية أو الفرنسية، ستكون لا محالة مفتاح خير لهم من أجل التواصل مع العالم الخارجي والحصول على فرصة عمل جيد. لا يفهم المغاربة كثيرا من العنتريات الفارغة، بقدر ما ينجذبون إلى قرارات تمنحهم الثقة في مسار تنموي جديد، فالواجب أن ينقذ ما يمكن إنقاذه، لأن أجيالنا الصاعدة تواجهون مصيرا مجهولا، وهم يشاهدون احتضار التعليم العمومي، وأولياؤهم لاحول لهم ولا قوة، لمواجهة مصاريف تعليم خصوصي بات يوفر الجودة المفقودة. *رئيس مجموعة رؤى فيزيون الإستراتيجية