عقب الزيارةِ القويةِ لبابا الفاتيكان للمغرب التي حظيتْ بمتابعة واسعة عبر مختلف بقاع العالم ونقلتها مختلف القنوات العالمي، خاصة ما تعلق منها بخطابي الملك والبابا وتوقيعهما لنداء القدس من لدن أكبر مؤسسة مسيحية ومن لدن أمير المؤمنين ورئيس لجنة القدس؛ وهو نداء يحمل أكثر من دلالة ورمزية دينية وحضارية وسياسية، تقف ضد كل محاولات طمس معالم القدس التاريخية. وقد أعطت هذه الخطوة للزيارة بعدا دبلوماسيا، ووضعت المغرب في قلب الأحداث الكبرى العالمية وأكدت قدرته على التأثير الإيجابي فيها، مع الصورة التي قدمها المغرب ملكا وشعبا، صورة البلد المتسامح والذي تتعايش فيه جل الديانات السماوية وعلى قدرة إمارة المؤمنين على حماية جل الأديان وضمان ممارستها في جو من الحرية، باعتبار الملك كما جاء في خطابه ليس فقط أميرا للمؤمنين المسلمين بل لليهود والمسيحيين. فما الذي أزعج تيار الإخوان المسلمين في العالم ليصدر بيانا حول احتفالية قدمت فيها صورة تعبيرية عن تعايش الأديان امتزجت فيها ابتهالات المسلمين بتراتيل المسيحيين واليهود، وهي كلها تنادي وتخاطب الله الواحد الأحد حيث تلتقي عنده جل الديانات التوحيدية وجل الرسل والأنبياء والكتب، ما الذي أزعجهم لهذا الحد ليصدروا بيانا تحريضا ومرتبكا؟ إن انزعاج تيار الإخوان المسلمين من هذا الحدث ليس من المشهد التعبيري الذي تم تقديمه، لأنه لو كان يزعجهم تلطيخ صورة الإسلام لما صمتوا عندما قام بعض الدواعش باستهداف السياح بمراكش؛ لأن مثل هذه الأحداث الإرهابية هي ما تلطخ صورة الإسلام، وتروج عنه صورة غير الصورة التي روج لها المغرب في هذا الحدث الكبير. إن ما أزعج تيار الإخوان العالمي هو حديث ملك المغرب بصفته أميرا للمؤمنين، بصفته الضامن لممارسة مختلف الأديان والشرائع في المغرب، بصفته أميرا للمؤمنين على المغاربة المسلمين وعلى اليهود المغاربة وعلى المسيحيين، هذا ما أزعج تيار الإخوان العالمي؛ لأن حديث الملك بهذه الصفة ينزع عنهم الغطاء، ولأنهم يعتبرون أن مؤسسة إمارة المؤمنين هي من تنزع عنهم المشروعية والشرعية للحديث باسم الإسلام والمسلمين، وهي ما جعلت امتداداتهم التنظيمية والدعوية بالمغرب تعرف انحصارا، لأن المغاربة لا يعترفون إلا بمؤسسة واحدة هي مؤسسة إمارة المؤمنين الدستورية. تيار الإخوان المسلمين العالمي، ونظرا لكونه يعلم أن مؤسسة إمارة المؤمنين بالمغرب لها مشروعية تاريخية ودينية، وأن هناك إجماعا حولها، فهو لم يستطيع مهاجمتها بشكل مباشر؛ بل بدؤوا قي التنقيب عن أي مشهد أو فعالية لاستغلالها لمهاجمة هذا الحدث التاريخي، وفي مهاجمتهم لامتزاج صوت نداء المسلمين بصوت المسيحيين واليهود هم يكشفون عن رفضهم لهذا الامتزاج ولهذا التعايش بين مختلف الأديان في وطن آمن، موحد، تعددي الأديان والثقافات... هذه هي الصورة الحقيقية التي دفعتهم إلى مهاجمة الحفل الديني الفني.