إن كلمة خلاص توحي بشيئ غريب ليس له من معنى سوى التخلص من شيئ شاذ، أو مضر،أو انه مكلف ولم يعد يستجيب لضرورات الحياة، وقوانين الكون. "" والخلاص يعني إنهاء وضع لم يعد يعجب أصحاب الدعوة إلى الخلاص، كما يعني القطع والقطيعة مع أنماط من السلوك السياسي ، تجاوزتها التطورات المحلية، والجيوبوليتيكية، والدولية، وذلك لإقامة منظومة أو كيان ، يعتبره أصحاب إلى الخلاص، هو الحل الأمثل القادر على الاستجابة الفورية، لجميع المشاكل القائمة. وحيث أن أصحاب الدعوة إلى الخلاص يعيشون في المغرب، وليس في المريخ أو في كوكب آخر ، فإن المقصود من الخلاص، وبكل وضوح وشفافية، النظام السياسي المغربي، وللإشارة في هذا الباب فان جماعة العدل والاحسان ترفض الاعتراف للملك بالشرعية الدينية،ولا تعترف له بأمارة أمير المؤمنين، كما أنها ترفض البيعة المطلقة، وتقر بالمبايعة المشروطة، التي تتضمن التزأمات وشروط بين الأمير وبين أهل الحل والعقد، حتى إذا مازغ الأمير عن تلك الشروط أو لم يوفي بها جاز للجماعة إزالته وتعويضه بأخر، يقبل بشروط المبايعة، التي ستكون املائات لأصحاب الحل والعقد. وقبل إبداء وجهة النظر ،مثلما أن وثيقة الدعوة إلى الخلاص تبقى وجهة نظر، لابد من التذكير بان جماعة العدل والاحسان، وبالضبط مرشدها الشيخ الأستاذ عبد السلام ياسين،ومنذ القرن الماضي، معروف بتوجيه الرسائل التحذيرية والتهديدية، وهو ما كلفه ضرائب غالية مع نظام الحسن الثاني رحمه الله. هناك عدة رسائل وجهها الشيخ إلى أولي الأمر، كان أشدها { الإسلام أو الطوفان} ثم رسالة { إلى من يهمهم الأمر}. يلاحظ ان الرسالتين تحملان تهديدا مباشرا للنظام، بأنه إذا لم يثم تطبيق الإسلام بالطريقة التي ترتضيها الجماعة، فما عليه إلا انتظار الطوفان، والمقصود بالكلمة التخويف وإذكاء الرعب في نفوس الحاكمين من النتائج التي سيخلفها الطوفان،الذي ليس له من معنى في الفكر السياسي للجماعة سوى الهبة أو الثورة الشعبية، على غرار ما حصل بإيران. أما الرسالة الثانية التي وجهها الشيخ إلى الملك محمد السادس،فان كانت في جانبها تنوه به وتجرده من أية مسؤولية، عما أسمته الفساد والظلم الذي رزخ تحته العديد من المغاربة،فإنها في جزء منها كانت تحاملا على الحسن الثاني شخصيا، وليس فقط على نظامه، وهو ما أثار بعض الشكوك من هنا وهناك،كما فتح الباب على مصراعيه للوبي الفاسد المتحكم بدواليب السلطة، الذي ينتظر مثل هكذا خرجات اعلامية غير مسؤولة، لتضخيم الوضع،ورسم الواقع بشكل أكثر قتامة وسوداوية، من جهة لتخويف أصحاب القرار وأولي الأمر بالخطر الداهم، ومن جهة حتى يحظوا برضا ومباركة القصر الذي يعول عليهم في مواجهة ذاك الخطر الوهم،الذي لا وجود له إلا في مخيلة مقتنصي الفرص للاستمرار في مناصبهم ينهبون ويستنزفون الأموال التي يؤديها الشعب في شكل ضرائب مختلفة، تثقل كاهله،وتحط من القدرة الشرائية والمعاشية لابنائه. بدون تشكيك في الأمر تعتبر جماعة العدل والاحسان ، اقوى تنظيم من الناحية إلايديوليوجية والتنظيمية، ومن حيث العناصر المنتمية إلى التنظيم،وإذا كان هذا الأمر ايجابيا،بسبب المثابرة في العمل،حيث اكتسحت الجماعة جميع المواقع التي كانت تشكل قواعد تقليدية لليسار،سواء التقليدي أو اليسار الجديد السبعيني، إلا ان سوء تقدير الجماعة في الربط بين التكتيكي وبين الاستراتيجي ،جعل الجماعة تعيش من حيث لاتشعر شبه انعزال،يحد بشكل أو بآخر من تواصلها أكثر بالمواطنين،لتجنيبهم الرذيلة والفساد ، والتمييع والميوعة التي تجهد العديد من الاطراف نشرها في الوطن حتى تستمر في نهبها لخيرات المغرب وفي غفلة عن أولي الأمر ،وعن اي حركة يمكن ان ترفع شعارا { كفى أو كفاية على الطريقة المصرية}. أو ان تقرا اللطيف على الوضع والفساد الذي بدا في نخر الجسم المغربي، والله وحده يعلم النتائج التي ستترتب حينما سيصل هذا الفساد درجاته القصوى. ان هذه الانعزالية شيئا ما التي تعرقل مسيرة الجماعة، وهنا لامجال للمقارنة ،وانما فقط أردت التذكير،هي نفسها التي كانت سببا في اندحار اليسار بشكليه التقليدي، التجربة الاتحادية بمختلف مراحلها من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، مرورا بتجربة المكتب السياسي واللجنة الادارية الوطنية،إلى حركة الاختيار الثوري بعد المؤتمر الاستثنائي،إلى حزب الطليعة في بداية السبعينات.ثم تجربة اليسار الجديد مرورا بمنظمة إلى الأمام، وما تفرع عنها من تنظيمات، وما عرفته من انسحابات، منظمة 23 مارس وما تفرع عنها من تنظيمات بدا بحركة لنخذم الشعب، رابطة العمل الثوري بالمغرب،منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، ثم مجموعة فندق حسان برئاسة عبد الله ساف، عيسى الورديغي، ثم الانصهار القسري في ما يسمى باليسار الاشتراكي الموحد الذي انتمى له التيار الاتحادي ،جمعية الوفاء للديمقراطية برئاسة الأستاذ الساسي. الكل يعلم النهاية التي انتهت اليها هذه الأحزاب والتنظيمات. اليسار السبعيني تحول إلى شتات يحاول جاهدا استجماع ما تبقى له من عناصر متفرقة هنا وهناك،توحدهم المصالح والانتهازية . فباستثناء حركة النهج الديمقراطي، التيار النشاز،فان جميع مكونات اليسار السبعيني، انصهرت في بوثقة الدولة وبدون مقدمات،بعد أن نظرت طويلا لسبل قلبها لإحلال نظام الجمهورية الشعبية الديمقراطية،، وقد بلغت انتهازية هذا اليسار درجات حينما تطاول على أموال الشعب، بحجة جبر الضرر والتعويض عن سنوات الصراع التي عرفها المغرب طيلة الستينات والسبعينات والتمانينات من القرن الماضي. أما التجربة الاتحادية ،فقد انتهت إلى الباب المسدود، والكل يعلم نهاية الاتحاد الاشتراكي المؤلمة، ويعلم ان حزب الطليعة قدم شيكا على بياض، عندما قبل المشاركة في الانتخابات التشريعية إلاخيرة، بدون تحقيق الاستحقاقات السياسية التي ذاب يطالب بها للمشاركة في آية عملية انتخابية. وكم كانت الدهشة عندما تم تبرير قرار المشاركة بحجة الاتصال بالجماهير،والحال أن هناك عدة محطات وفرص للاتصال بالجماهير التي الكل يتغنى بها، في خطاباته ومهرجاناته.فإذا كانت الانتخابات هي فرصة الاتصال بالشعب، فان هذه تكون موسمية ، في حين ان الاتصال بالجماهير يجب أن يكون يوميا من خلال الانغراس في هموم الشعب وعيش مشاكله وهمومه وتكوينه تنظيميا وايديولوجيا. ان الاتصال يجب ان يكون يوميا وليس موسميا. لماذا سقت هذا الجزء من الحقيقة والتاريخ؟.قد يعتقد البعض إنها شماتة وتشفي، واؤكد ان الهدف لاهذا ولاذلك، لكن المقصود هو العبرة والاستفادة من الاخطاء التي أدت إلى تعطيل عجلة التقدم بالمغرب ، واغرقته في صراعات تبين وبالملموسانها كانت خاطئة، وإلا كيف نفسر اصهار اليسار الجديد وبدون شروط في البوثقة الرسمية، وكيف نفسر مشاركة الاتحاد إلاشتراكي بزعامة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي في الحكومة وليس في الحكم، وكيف نفسر مشاركة حزب الطليعة في الانتخابات التشريعية إلاخيرة، بدون ان تتحقق له المطالب التي دأب على المطالبة بها والتي كان يستند لها لتبرير مقاطعة جميع التجارب الانتخابية التي عرفها المغرب. إذا الجميع اقتنع ان الهدف المرسوم هو الديمقراطية في حد ذاتها. والجميع ومن خلال ما حصل منذ وفاة الحسن الثاني رحمه الله، من تغييرات على الجوهر والشكل،أصبح مقتنع بالتغير من الداخل وليس من الخارج، اي من داخل المؤسسات وليس من خارجها، وربما بالتوافق مع النظام وليس بمواجهته ،تلك المواجهة التي افضت إلى نتائج كارثية استفاد منها اعداء النظام انفسهم، مستغلين الوضع المرتبك، لمحاولة الانقضاض على الحكم. وهنا لابد من التذكير بالانقلابات العسكرية في سنة1971 و1972، ثم محاولة حركة 3 مارس1973 الشبه المسلحة، ثم المحاولة الفاشلة التي اجهضت قبل وقوعها للجنرال احمد الدليمي.هذا دون ان ننسى التقارير المحشوة بالكذب التي كان يرفعها ادريس البصري واعوانه إلى القصر، حيث كانت تستهدف التضخيم والتخويف،حتى يستمر في منصبه يغرف ويسرق مع مجموعة من المجرمين الذين منهم من انصرف مع ذهابه، ومنهم من لايزال يشغل مناصب حساسة في الاجهزية الامنية والغير الأمنية للدولة. إذا كان الهدف من العمل السياسي هو البلوغ إلى النظام الديمقراطي، فإن هذا النظام الديمقراطي ممكن الوجود تحت اية مظلة كانت، سواء اكانت المظلة ملكية ام جمهورية، وهذا هو الشائع في أوروبة التي توجد بها ملكيات وجمهوريات توصف من قبل العديد من المغفلين بالديمقراطية،رغم انها في جوهرها وممارستها بعيدة كل البعد عن النظام الديمقراطي الحقيقي.وعليه بالنسبة لجماعة العدل والاحسان، التي تقف وراء وثيقة من اجل الخلاص، إذا كانت تنشد الديمقراطية، فما عليها إلا ان تستفيد من الاخطاء التي ارتكبها اليسار بشقيه التقليدي والماركسي لتنصهر وبدون مقدمات في بناء هذه الديمقراطية تحت المظلة الملكية، وخصوصا وان الشيخ عبد السلام ياسين في رسالته التي وجهها إلى الملك عول عليه كثيرا في تحقيق التغيير المنشود الذي ينتظره المغرب وشعبه،وخصوصا كذلك ان الشيخ أثنى على الملك حين وصفه بالملك الشاب، الحنون والمرتبط بمشاكل شعبه. إذا لماذا لاتضع جماعة العدل والاحسان،يدها بيد الملك لتحقيق التغيير الايجابي، مادام ان الهدف هو بناء الديمقراطية الحقيقية، ولتكن تحت اية مظلة كانت ملكية ام جمهورية ؟؟ وهنا فان الجماعة التي تعد اقوى تنظيم مقارنة مع غيرها من التنظيمات الاخرى، ستقطع الطريق على إلاحزاب والجماعات التي تتلاعب بمصالح المواطنين، حيث سبق للأستاذ الشيخ ان وصفها بالمقاولات، ومن جهة اخرى تفادي اسلوب الوعد والوعيد والتخويف الذي يجعل النظام لايثق وربما يتخوف من الممارسات المشبوهة التي تبقى عبارة عن فرقعات سوف لن تغير من طبيعة النظام في شيئ. إذا لابد من اظهار حسن النية ، وهذا شيئ اساسي لانه سيقطع الطريق على اللوبي إلانتهازي الفاسد، الذي يعيش غلى امل إلاكاذيب والتهويل والتخويف، حتى يستمروا في مناصبهم يستنزفون ويسرقون باسم الخطر الداهم الذي ليس له من وجود سوى في مخيلة اصحابه ،كما ان هكذا سلوكا حضاريا سيجنب أموال الشعب التي تدفع في شكل ضرائب الاستنزاف والنهب. أما إذا استمرت الجماعة في عدم استيعاب شروط الظرفية التي يوجد عليها المغرب بفعل العديد من المتغيرات التي طرات في الساحة، واستمرت في نشر خطاب التيئيس وزرع فقدان إلامل، انني اخشى ان تجر الجماعة إلى معرك جانبية، ربما ستفضي إلى انقسامات في صفوفها، وتكون قد أضاعت فرصة للاصلاح وبالتدريج من داخل النظام وليس من خارجه، اي ان تعمل يدا في يد مع الملك الشاب الطموح، لانقاد ما يمكن انقاده، وسد الباب على المتربصين الفاسدين الذين يتحركون في الظلام كالخفافيش والملاعين، هدفهم الاثراء بلا سبب وبطرق غير مشروعة، والوصول باي ثمن كان ، حتى ولو كان على حساب الشرف والضمير، وهم الذين لاشرف ولاضمير لهم. وإذا كانت الصراعات التي تعرفها بعض الاحزاب فيما بينها، مثلا الصراع بين الاتحاد إلاشتراكي وبيم حزب العدالة والتنمية، أو بين هذا إلاخير وحزب التقدم والاشتراكية، أو اليسار إلاشتراكي الموحد، حزب الطليعة، فإن اصل الصراع الحقيقي لايعود إلى الاختلافات إلايديولوجية أو التنظيمية، أو إلى المنظومة الفكرية لكل تنظيم، لكن ان اساس الصراع هو التنافس على المقاعد البرلمانية والمناصب الوزارية اي اعتماد الانتخابات كغاية وليس كوسيلة ، وهو ما يجب ان تصححه الجماعة باعتماد الانتخابات كوسيلة وليس كغاية لبلوغ النظام الديمقراطي التوافقي تحت الرئاسة الفعلية لجلالة الملك ،مادام ان الديمقراطية تبقى ديمقراطية، ايا كانت الراية التي ترفل تحتها ، اي الملكية ام الجمهورية، وهنا تكون الجماعة قد اختصرت الطريق،إذا ارادت بالفعل ان تخدم الشعب، وتتجنب الكوارث والهزائم،بفعل الحسابات الخاطئة أوغير المدروسة. إن العديد من كتابات وتصريحات مسؤلي الجماعة ومناضليهم تخيف النظام ، وتبين بالملموس ان المتوخى من الفعل الحركي للجماعة، هو إلاستيلاء على السلطة والحكم، بواسطة الهبة أو القومة أو الثورة على الطريقة إلايرانية، وهو ما يتبث بالواضح خاصة للخفافيش التي تقتات من التهويل والكذب، ان هدف الجماعة هو راس النظام، وهذا بطبيعة الحال يتعارض مع الممارسة الديمقراطية التي تتغنى بها الجماعة ليل نهار. كيف للنظام ان يثق بكم والسيدة نادية ياسينتعبر وبكل جراة عن رغبتها في اقامة نظام جمهوري بالمغرب؟ كيف للنظام ان يثق بكم وقد سبق لنفس السيدة ان شبهت النظام بفاكهة متعفنة ايلة للسقوط من تلقاء نفسها؟ فهل بمثلهذه التصريحات العنترية، يختمر العقل الفلسفي والممارسة السياسية لجماعة العدل والاحسان؟ فإذا كان الأمر كذلك وهذا سلوك غير مسؤول ، فهذا يعني ان النظام التي تبشر به الجماعة، هو النظام التوتاليتاري، الذي يركز على الحزب الوحيد والاتجاه الوحيد، والبعيد الكل البعد عن النظام الديمقراطي التي تنشده الجماعة، كتمويه للحقيقة المكشوفة للعيان. واجمإلا،إذا لم تبادر الجماعة إلى وضع يدها مباشرة في يد الملك لقطع الطريق عن إلانتهازيين والكذابين وناهبي المال العام، وإذا استمرت في منأوشاتها الميضيعة للوقت ، والمهدرة للطاقات، فلربما عوض احداث القفزة النوعية لخدمة الشعب المغربي ، اخشى في يوم من إلايام وبفعل بعض العوامل التي قد تسقط في اخر الساعة، ان تتشتت الجماعة إلى فرق وشيع،ينطبق عليها ما انطبق على احزاب اليسار بشقيه التقليدي والجديد ، فتقدم في يوم من إلايام إلى الرضوخ والقبول بإلاملائات، وتشارك في إلانتخابات بدون شروط أو مقدمات. إذا كانت الجماعة تنشد الديمقراطية الحقيقية لخدمة الشعب المغربي المغلوب على أمره،فما عليها إلا تضع يدها في يد الملك لإحداث التغيير المنشود بالطرق السلمية وبالتشاور مع أولي الأمر أي مع الملك،أما إذا أرادت طريقا آخرا، فما عليها إلا الاستمرار في نشر التيئيس والعدم من قبيل وثيقة من اجل الخلاص، أو الدعوة إلى الجمهورية على الطريقة الايرانية. إن خطوة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة.