يزداد الجدل في موضوع إقرار "قانون العلمانية" في الأوساط السياسية والتشريعية والدينية بمقاطعة كيبيك احتداما يوما بعد يوم، خصوصا بعد أن تقدم وزير الهجرة والتعددية الكيبيكي يوم الخميس الماضي بمشروعَ قانون حول عَلمانية الدولة، تضمن بنودا تمنع ارتداء "الرموز الدينية" كيفما كان حجمها أو دينها، خصوصا وسط موظفي القطاع العام المتواجدين في موقع سُلطة، كالمدعين العامين وعناصر الشرطة وحرّاس السجون ومدرّسي ومدراء المدارس الابتدائية والثانوية العامة، مؤكدا أن استثناءات ستكون بخصوص الحقوق المكتسبة. رئيس الحكومة الكيبيكية، فرانسوا لوغو، بدوره لم يتأخر في دعم المشروع، وذلك عبر كلمة قصيرة وجهها إلى المواطنين عبر صفحته على فيسبوك، قائلا: "أرغب في أن أقول ''أخيراً‘‘..إنه نقاش متواصل منذ أكثر من عشر سنوات. حان الوقتُ لأن تضع الحكومةٌ قواعد واضحة للجميع"، وأضاف بخصوص المقاربة الحكومية للمشروع: "إنها تحترم تاريخَ أغلبية واسعة من الكيبيكيين وقيمَهم"، وإنه "مقتنع" بأنّه في مجتمع علماني "يقتضي المنطق السليم ألّا يتدخل الدين في شؤون الدولة، وألّا تتدخل الدولة في شؤون الدين" . رئيس الحكومة الفدرالية الكندية، جوستان ترودو، لم يتأخر في انتقاد هذا المشروع بتصريحه من هاليفاكس قائلا: "من غير المعقول أن نضفي، في مجتمع حر، الشرعية على التمييز ضد المواطنين على أساس دينهم"، مذكرا بأن كندا بلد علماني "يحترم بشدة الحريات الفردية، بما في ذلك حرية التعبير وحرية المعتقد والدين". لم يمر تقديم مشروع القانون رقم 21 دون إثارة الكثير من الجدل وردود الفعل بين مؤيد ورافض، خصوصا في الأوساط المؤسسات الدينية؛ فقد اعتبر المجلس الوطني للمسلمين الكنديين أنه قانون "يجعل من المسلمين والأقليات الأخرى مواطنين من الدرجة الثانية، ويؤثر بشكل كبير على النساء المسلمات"؛ كما اعتبرته جماعة الدعوة اليهودية "اعتداء على الحقوق والحريات الأساسية لسكان كيبيك" . وعلى المستوى الاقتصادي اعتبر العديد من المهتمين ورؤساء الغرف والهيئات الاقتصادية أن المشروع لن يمر دون أن يخلف تأثيرا على الحقل المقاولاتي الكيبيكي، مؤكدين أن مشروع "قانون العلمانية" ستكون له انعكاسات كثيرة، سواء على مستوى الهجرة أو الدارسة أو فرص العمل، ما جعل العديد من أصاحب الشركات والمقاولات التي تشغل أناسا ينحدرون من أوساط متدينة، سواء من المسلمين أو اليهود أو المسيحيين، أو لهم مشاريع وصفقات عمل مع القطاع الحكومي أو شبه الحكومي يعبرون عن تخوفهم وقلقهم من انعكاسات القانون على مقاولاتهم والمشتغلين بها . وفي استطلاع قامت به إحدى القنوات التلفزية بكيبيك Tva وسط المجتمع المقاولاتي المغاربي، لم يخف عدد من المستجوبين قلقهم من أهداف هذا المشروع وتأثيره المرتقب على المقاولات الخاصة، خصوصا مصير العديد من الموظفين المستخدمين؛ فقد عبر عبد الرحيم خيي بابا، رئيس غرفة التجارة والصناعة المغرب بكندا، للتلفزيون الكبيكي، عن تخوفه من أن تتحول كيبيك إلى "مكان لا يمكن أن نستثمر فيه"، معربا عن قلقه من التأثير الذي سيكون لمثل هذه القوانين على المقاولات الخاصة، خصوصا منها التي تشغل مواطنين كنديين ومهاجرين مسلمين ومن الديانات الأخرى . "فوزيا فتيس"، مقاولة في مجال تنظيم أنشطة مرتبطة بالوسط التعليمي، صرحت للتلفزيون الكبيكي بالقول: "نشتغل في هذا الميدان بطاقم غالبيته من نساء مرتديات الحجاب"، متسائلة عن مصيرهن وموردة أنها لا يمكنها أن تمنعهن من العمل وهن قضين معها وبنفس الحجاب أكثر من خمس سنوات . رئيس مجلس الباطرونا بكيبيك “إيف توماس دورفال” أبدى قلقه وتخوفه من هذا القانون، إذ قال: "سنواجه صعوبات في الاستقطاب والتوظيف، وستكون هناك رهانات خاصة للمشغلين". تجدر الإشارة إلى أن الجدل حول هذا الموضوع يرافق كل السياسات الحكومية التي حاولت لسنين تقييد ارتداء الموظفين الحكوميين للرموز الدينية العلنية، مثل الحجاب والقلادات اليهودية والصليب، أثناء العمل، عبر مشاريع قوانين ومواثيق، لكنها كانت دائما تلقى الرفض والاحتجاج، سواء على المستوى الحكومة الفدرالية أو على مستوى المجتمع المدني والهيئات الممثلة لفئات عريضة من المواطنين الكنديين المتشبثين بحقوقهم الدينية .