في ظل الفراغ الذي يعاني منه البحث والتوثيق في مجال الاتصالات بالمغرب، بسبب قلّة الدراسات والأبحاث، أصدر سعيد الغماز، الباحث في مجال الاتصالات وأحد العاملين السابقين في هذا القطاع، كتابا يستعرض فيه مسار تطور الاتصالات في المغرب من 1883 إلى 2018. يشير المؤلف، في كتابه الذي قدّم له عبد السلام أحيزون، رئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة اتصالات المغرب، إلى أنّ المملكة دخلت عالم الاتصالات، بعد سبع سنوات فقط من اختراع الهاتف في 1776، من قِبَل العالم الكندي غراهام بيل، لتعلن بلادنا بذلك بداية تاريخ الاتصالات في المملكة. واعتبر الغماز أنّ قطاع الاتصالات في المغرب لم يشهد، منذ نهاية القرن ال19 إلى غاية سنة 2018، تأخرا عمّا يحصل في العالم المتقدم، بفضل متابعة مستجدات قطاع الاتصالات، على مر السنين والعصور؛ وهو ما مكّنه من الحيلولة دون توسع الهوة التكنولوجية بينه وبين الدول المصنّعة. المعطيات التي جمّعها الباحث، أثناء إعداده لكتابه، بيّنت أن للمغرب تاريخا حافلا في مجالات الاتصالات، وأنّ ماضيه "مليء بالأحداث والقرارات الكبرى التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن ما حققته المملكة في هذا القطاع وتوسعها الكبير في السوق الإفريقية، الذي عرف نجاحا فاق كل التوقعات، لم يكن وليد الصدفة، وإنما يجد جذوره في التراكمات التي عرفها هذا المجال الحيوي عبر عقود من الزمان"، كما جاء في الكتاب. وعزا الغماز ما حققه المغرب من إنجازات في مجال الاتصالات، على الرغم من الإكراهات التي عرفها تاريخ البلاد، إلى اهتمام الملوك العلويين، منذ السلطان مولاي الحسن الأول حتى عهد الملك محمد السادس، بقطاع الاتصالات؛ فقد "كان دائما في صلب اهتماماتهم ويلقى الدعم الضروري من الدولة ليبقى المغرب في مصاف الدول المتطورة في هذا المجال". وقسمّ المؤلف كتابه، الواقع في 241 صفحة، إلى عشرة فصول، تطرق في الفصل الأول منها إلى المؤسسات التي أشرفت على تدبير المغرب منذ القرن التاسع عشر حتى القرن الحادي والعشرين، والتي تعود بدايته إلى سنة 1883، أي بعد سبع سنوات فقط على اختراع أول هاتف على الصعيد الدولي، حيث أنشئ أوّل خط هاتفي في المغرب. الخط الهاتفي الأوّل، الذي أنشئ في المملكة عام 1983، تم على يد الإسباني روتوندو إي نيكولو، الذي أقام ثلاثة أجهزة هاتفية من نوع "بيل"، في منزله ومنزل أصدقائه بمدينة طنجة، وكانت هذه البداية الفعلية لتوطين مسلسل تقنيات الاتصالات في المغرب. ويشير المؤلف إلى أن المغرب عرف حدثا مرتبطا بالاتصالات قبل 1983، تمثل في إنشاء محطة تلغرافية في منطقة فكيك سنة 1845؛ لكن هذه المحطة لم تكن للاستعمال العمومي وإنما للاستعمال العسكري فقط، بينما كانت سنة 1983 اللحظة التي تحتكّ فيها المواطن مباشرة بأول وسيلة اتصال، وهي الهاتف، ويستعملها في قضاء أغراضه ومصالحه، وإن بطريقة محدودة. وكانت أوّل مؤسسة للاتصالات أنشئت في المغرب هي مؤسسة البريد المخزني، التي تأسست عام 1892، بظهير للسلطان مولاي الحسن الأول، تلتْها الشركة المغربية للتلغراف، عام 1907، بأمر من السلطان مولاي عبد العزيز، الذي أعطى تعليماته لاقتناء الأجهزة الخاصة بالتلغراف، وبعدها تأسست مؤسسة الإدارة الشريفة للتلغراف عام 1908، ثم تلتْها مؤسساتُ اتصالات أخرى. وفي سنة 1910، تمّ تطوير مؤسسة الاتصالات في المغرب بتجميع البريد والتلغراف والتلفون في مؤسسة واحدة، سُميت ب"الإدارة الشريفة للبريد والتلغراف والتلفون". وفي عام 1911، انضم المغرب إلى الاتفاقية الدولية حول حقوق التلغراف اللاسلكي الموقع في برلين. وفي سنة ،1913 شهد المغرب إنشاء مكتب البريد التلغراف والتلفون، وظلت هذه المؤسسة قائمة حتى فجر الاستقلال. ويتضمن كتاب "الاتصالات في المغرب من 1883 إلى 2018" معطيات تقنية غزيرة حول جميع أنواع وسائل الاتصالات التي عرفها التاريخ، بدءا بجهاز التلغراف، الذي بدأت أولى تجاربه استعماله سنة 1792، على يد المخترع الفرنسي Claude Chappe، ثم باقي وسائل الاتصال، من تلكس وفاكس، وصولا إلى الهاتف، بنوعيْه اليدوي والخلوي، والأنترنيت. عبد السلام أحيزون، رئيس مجلس الإدارة الجماعية لشركة اتصالات المغرب، الذي قدم الكتاب، اعتبر أن الزخم المتسارع للإصلاحات المؤسساتية لقطاع الاتصالات في المغرب، والذي قاده المغرب بنجاح، عبّد الطريق نحو تسريع وتيرة مسلسل تحرير القطاع بعد مخاض عسير ورهانات ضخمة وخوصصته فيما بعد، وكان له انعكاس ملموس على دمقرطة وسائل الاتصال لفائدة جميع الشرائح المجتمعية؛ وهو ما أسفر عن تغيير نمط عيش الساكنة وفك العزلة عن الأرياف والحد من الهوة الرقمية.