كثيرون لا يعلمون أن حزب العدالة والتنمية بالمغرب كان الأسبق إلى الظهور بأربع سنوات قبل نظيره التركي،إذ تم اختيار اسم "حزب العدالة والتنمية "لأول مرة في العالم العربي بالمغرب عقب اجتماع المجلس الوطني لحزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية الذي كان تحت إمرة الزعيم الدكتور عبد الكريم الخطيب،. في هذا المجلس الوطني كلفت بالاشتغال على نقطة أساسية في جدول أعماله وهي نقطة إعادة صياغة اسم جديد للحزب يليق بالمرحلة الجديدة وبالطموحات المتعددة لفتية أبناء الحركة الإسلامية بقيادة عبد أللإله بن كيران. وبعد مشاورات عديدة أقر المجلس الوطني للحزب الاسم الجديد "حزب العدالة والتنمية "في أكتوبر من عام1998بشعاره المعروف :المصباح".بدل الحركة الشعبية الدستورية ...في حين تأخر نظيره في تركيا إلى حدود العام 2001 وبالشعار ذاته،مع فارق بسيط في الشكل وقوة الإنارة. ولعل من أهم التقاطعات التي تجمع هذين الحزبين هو وقوع هوى الإخوة في المغرب وفي تركيا أيضا على شعار المصباح للدلالة على الظمأ الجارف "للنور "بكل ما يوحيه وما يستتبعه. وكأنهم بذلك يعلنون أن الأمة تحتاج لمن ينير لها الطريق بعد ما هيمن عليها الظلام ردحا طويلا من الزمن.فالمصباح بما يرمز إلى التنوير فإن الإيحاء كان مقصودا لمدى جدية هؤلاء الفتية بالعزم على تسليط الضوء القوي على مواطن الخلل والفساد في البلاد.. واليوم ،وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة في المغرب يصل حزب العدالة والتنمية إلى قيادة الحكومة في ظل دستور جديد يمنح صلاحيات قوية،ولأول مرة في تاريخ البلاد،لرئيس الحكومة .. تطلعات المغاربة وانتظارا تهم من حكومتهم الجديدة بقدر ما تتعاظم بتعاظم أملهم في الانعتاق من التخلف والفقر ،ففي الوقت نفسه تتزايد الإكراهات التي تنتظر إخوة العدالة والتنمية على المدين القريب والبعيد . فحجم الديون الخارجية ارتفع إلى سقف قياسي بلغ أزيد من ستين مليار دولار، بعد ما التجأ نور الدين مزوار وزير المالية السابق في حكومة عباس الفاسي إلى الاستدانة من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي بسبب اختياراته الخاطئة. أما البطالة في صفوف المتعلمين وغير المتعلمين فإنها هي الأخرى تشكل تحديا قويا إلى جانب غلاء المعيشة،وفشل المنظومة التربوية، وانتشار الرشوة وفساد الإدارة، واختلال موازين القضاء وغياب العدل. . فيض من غيض. تحتاج حكومة عبد لإله بن كيران في نظرنا المتواضع لسبعة "مفاتيح" رئيسية للنجاح في مهامها: المفتاح الأول: العمل على تقليص عدد أفراد الحكومة :للدلالة على حسن النية في ترشيد النفقات وموارد الدولة وإرساء انطباع قوي لدى المواطن بمدى جدية الحكومة الجديدة في التغيير ينبغي القطع مع مفهوم الاستوزار من أجل الترضية . فلا وزير بدون حقيبة،ولا تفريخ لوزارات شكلية تستنزف المال العام بلا عمل.والعدد المحدود من الوزراء الهامين في مناصب حية،بمعية كتاب عامين مساعدين يعملون تحت إمرتهم برواتب معقولة وليس بأرقام فلكية كما كان الشأن في السابق لهو الأمر الذي سيعيد ثقة المواطن في حكومته. أما الوجوه "المحروقة"سياسيا في المرحلة السابقة فلا ينبغي إعادة إظهارها على الناس في المناصب والمحافل. ففي ظهورهم مرة أخرى إفلاس للسياسة وإحباط للمواطن المغربي للانخراط في المشاركة والبناء الديمقراطي..ومن الأهمية بمكان التذكير بأن من الأولويات عدم إدراج أسماء بعينها من قبيل "العائلة الفاسية" التي استحوذت لوحدها على ست وزارات هامة في حكومة عباس الفاسي المنتهية ولايتها. هذه العائلة لا يكفي إعفاءها من المناصب فحسب بل على الحكومة الجديدة أن تعقد لها جلسات للمحاسبة والمساءلة السياسية والمالية (ابراهيم الفاسي،البالغ من العمر 24عاما فقط رئيس منتدى أمديوس وإبن وزير الخارجية الطيب الفاسي الفهري استدعى وزيرة الكيان الصهيوني السابقة تسي بي ليبني، في وقت تعاظمت الجرائم المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني في الوقت الذي صدرت مذكرة اعتقال في حقها في بريطانيا)هذه العائلة يجب مساءلتها في الانحرافات السياسية والمالية التي راكمتها باستغلالها لنفوذها في المرحلة السابقة.. ولعل من التطمينات التي سارع الحزب إلى إرسالها كإشارة منبهة لقطع الطريق على هؤلاء المحروقة أوراقهم السياسية ما جاء على لسان نائب الأمين العام للحزب الدكتور لحسن الداودي حين قال إن عدد أعضاء الحكومة سيتقلص كثيرا .وهي الحكومة التي سيتقلد فيها المسؤولية القوي الأمين ،وفقا لمنهجية الحزب ولا شك. المفتاح الثاني: الحسم في قضايا ساخنة:و من هذه القضايا المطروحة على الساحة السياسية التي لا تزال تتفاعل هي قضية حركة 20 فبراير. فليس من اللائق بعد اليوم التنكر لها أو تهميشها. بل على العكس ينبغي أن تظل متواجدة على الساحة بنشاطها المعهود. فهي بمثابة ضمير متقد يعلو صوتها كلما لاحظت الفساد مستشريا في البلاد والعباد. وشعار :الشعب يريد إسقاط الفساد سيتردد ولا شك كلما دعت الضرورة .ولا يحق لأحد الوصاية على هؤلاء الشباب ،شباب 20فبراير .كما ليس من اللائق من الآن فصاعد أن يتنكر لهم رئيس الحكومة في حواراته أو يتجاهلهم في المستقبل.. ومن الملفات الساخنة أيضا التي يجب الحسم فيها ملف جماعة العدل والإحسان الذي ينبغي طيه بصفة نهائية. على أن قياديي الجماعة أيضا يتوجب عليهم الدخول غمار التفاوض بعقلية مرنة مغايرة تماما لما كان يحكمها في عهد البصري و بنموسى الأمنية. عقلية تروم إلى جلب المصلحة العامة وليس الجماعة فحسب. ففي السياسة دائما هناك تنازل من أجل التقارب قصد ربح بعض المواقع . وأولى بوادر الربح التي ستحصل عليها الجماعة تشكيل تنظيم سياسي واضح المعالم وفق قانون الأحزاب المعمول به في المغرب وليس في بلد آخر. المفتاح الثالث: الإلتزام بالوعود:خاصة تلك التي قطعها الحزب على نفسه واشترطها للناخب أثناء الحملة الانتخابية،درء من السقوط في التناقض وإخلاف الوعود ونكث العهود. والمتابع المغربي للشأن العام ستشتد حراسته وفراسته ،من الآن فصاعدا ،إذ سيراقب كل سلوك وحركةوقول وفعل صادر من أعضاء الحكومة "الإسلامية"الجديدة..بل وإن منهم من سيرتقب على أحر من الجمر وقوع الهفوات والعثرات حتى يعلو صوت الاحتجاج.. ومن الأولويات التي ينبغي على |لإخوة في الحكومة القادمة الإلحاح عليها هي تقليص فارق الأجور بين أصحاب الدخول العليا وذوي الأجور الدنيا. وصحيح أن من بين أدبيات البرنامج المعتمد لحزب العدالة والتنمية رفع الحد الأدنى من الأجر إلى سقف 3000 درهم ،غير أن هذا الإجراء لوحده لا يكفي ،إذ يستلزم التعجيل بإجراء آخر أكثر أهمية وأشد وطأة في نفوس المغاربة ألا وهو تخفيض أجور المدراء العامين في القطاع العام والشبه العام. فلا يعقل في ظل دولة فقيرة الموارد،كثيرة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية أن يتضاعف أجور هؤلاء المدراء العامين إلى أكثر من 30000 مرة . في حين يعيش أزيد من 5ملايين مغربي بدولار واحد في اليوم، بل وإن منهم من يقتات من القمامة ويا للعار !. المفتاح الرابع : إعلان الحرب على الفساد:وأوجه الفساد عديدة وكثيرة. وأولى هذه المعارك إشعار المواطن ب"الكرامة"وصيانة ماء وجوه المغاربة .فالكثير منهم هدرت كرامتهم على أبواب المسئولين بمختلف إدارات الدولة من فرط ما عاشوه من قهر ممنهج،بدء من "لمقدم" بأصغر حومة ومدشر وبلدة ،وانتهاء بأعلى سلطة في دواليب الوزارات والإدارات ..هذا المواطن أصبح يعيش حالة "رهاب" مستمر في دهاليز المصالح الإدارية،تدفعه بالنأي عن طلب حقوقه في كثير من الأحيان..فالبيروقراطية والمحسوبية والزبونية أمراض تعششت في ردهات الإدارة .لذا فمن الأولويات الإعلان الفوري للحرب على هذا الوباء المستشري واستئصاله من جذوره وذلك بالتواجد المستمر للمسئول الأول في باب الوزارة والإدارة،أو تعيين من ينوب عنه، يكون من الثقات.تواجد يروم إلى زرع الثقة في نفوس المواطنين وطمأنتهم بتقديم الخدمات وإرشادهم لقضاء حوائجهم بطرق يسيرة خالية من التعقيدات ، حتى لا يتعرض لضغوط المرتشين وسماسرة المفسدين. ومثل هذه التجاوب سبق أن حصل عند جيراننا في الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي في المجالس المحلية التي فازت بها جبهة الانقاذ الوطني بزعامة عباس مدني ،مما حذا بالشعب الجزائري آنذاك إلى التصويت لها واكتساح الانتخابات التشريعية عام 1992 . المفتاح الخامس: إبراء الذمة بالتصريح عن الممتلكات:وكل الممتلكات، ليس فقط تلك المقيدة في سجل الإخوة. بل ممتلكات الزوجات أيضا والأبناء والأقارب. فليس عيبا أن يولد المرء وهو غني،وأن يرث المال أو يكسبه من خلال نشاط اقتصادي ناجح . لكن الاستوزار يقتضي التصريح بكل الممتلكات.ففي المسألة بعد الحصيلة مراقبة ومحاسبة وتفعيل دقيق ل:من أين لك هذا؟.وكيف حصلت على هذا؟ ولا أعتقد أن إخوان بن كيران قد جاءوا إلى السياسة لغرض الاغتناء والاسترزاق بدق بوابة المناصب والنفوذ. فهم آخر من يفكر في استغلال هذه المناصب لأغراض شخصية. مرجعيتهم الدينية وقناعاتهم الفكرية والأخلاقية تحول بينهم وبين براثين السلطة ومنزلقاتها. بل وإن الأمل معقود عليهم في كبح جماح باقي المشاركين معهم في الوزارات من الأحزاب الأخرى لاستعمال السلطة لتحقيق مآرب شخصية.. نعم. سيصطدم رئيس الحكومة ولا شك مع الذين لا يرغبون في التصريح بهذه الممتلكات.وأقصد بالذات أصحاب الممتلكات المحسوبين على الأحزاب الأخرى الراغبين في المشاركة ، ،كما اصطدم عبد الرحمان اليوسفي قديما حين علم بكم الثروات التي راكمها مناضلوه في الاتحاد الاشتراكي، وتلك قناعتهم. لكن يبقى من الأهمية بمكان نشر لائحة أعضاء الحكومة المنضوين تحت حزب العدالة والتنمية بما لديهم في الإعلام الوطني ، حتى وإن رفض الآخرون. المفتاح السادس: إصلاح المنظومات الأساسية في الدولة:بدء بالمنظومة التربوية والقضائية والصحية . وهي المنظومات التي لها ارتباط مباشر مع الناس وهمومهم. من المؤسف جدا أن ترث حكومة العدالة والتنمية منظومة تربوية متهرئة جعلت البلد يحتل مكانة متردية بين الأمم . فالخطة الإستعجالية التي تصر عليها كاتبة الدولة في قطاع التربية والتكوين تنزيلها هي خطة فاشلة بلا جدال .وفشلها لاح في الأفق بوضوح حتى وإن كابرت.لا يعارضك أحد الآن في المغرب إن قلت أن التعليم صار ب"دواستين"و"مقودين" و"بعلبتي التحكم في السرعة".فهناك أسر تعرف كيف تعلم أبناءها وتعلم ماذا تعلم ولأية أهداف تعلم. وهؤلاء هم المحظوظون الذين يرثون "فردوس"السلطة والنفوذ.مدارسهم ليست ككل المدارس،ومناهج منظومتهم التربوية ليست بالضرورة تلك التي تحاول السيدة العابدة كاتبة الدولة عبثا فرضها في المدارس الحكومية. في حين يضطر أبناء الشعب البسيط إلى التكدس في مدارس حكومية، تفتقد لأبسط شروط التربية والتكوين الحقيقية.لا يعرفون ماذا يدرسون،ولا كيف يدرسون، ولا يعلمون وجهة هذه الدراسة..اللهم التأكد من نتيجة واحدة هي اجتماع جميع الخريجين وسط العاصمة والاصطدام مع أعوان المخزن طلبا لحقهم في الشغل.. أما القضاء فتلك لعمري معضلة المعضلات وقاصمة الظهور والهامات .فلا أحد يجادل في أن القضاء بالمغرب صار مرتعا للرشوة والفساد واستغلال النفوذ .فالداخل إليه كمن ولج في متاهة عبثية لها بوابة للدخول من غير هدى لمخرج أمين . أحكام جائرة شابت قضايا عديدة في تاريخ سجل هذا القضاء . وثبوت انحراف عن العدالة بسبب عدم استقلاله في قراراته وأحكامه، فيما يتعلق بالإرهاب.. وتوجها صريحا نحو الإدانة قبل ثبوت الجرم بفعل الإملاءات والتعليمات العليا في ملف ما عرف آنذاك ب"السلفية الجهادية"على خلفية أحداث ماي 2003. وما محاكمة الأخ رشيد نيني المدير المسئول بجريدة المساء الظالمة على خلفية الانتقام ليس إلا مظهرا من مظاهر هذه الانحرافات في القضاء المغربي . ويبقى مجال الصحة الذي أدراته الوزيرة الاستقلالية الفاشلة ياسمنة بادو خلال الحقبة السابقة من المجالات التي مرغت كرامة المغرب في وحل التخلف وجعلت منه الدولة الأقل دعما اجتماعيا للمواطن، على الرغم من تشكيل صناديق وطنية لمحاربة الهشاشة. إذ في عهدها بلغ عدد النساء اللائي ولدن عند بوابة المستشفيات العمومية رقما قياسيا. فالتطبيب في المغرب يعد أحد أهم العقبات الكأداء التي تستلزم جرأة في اتخاذ القرار الشجاع. والمصحات الخاصة تناسلت كالفطور السامة . أما التكاليف الباهظة فإنها تثقل كاهل المريض وتنهك ميزانيته البسيطة،خاصة إذا فشل في الحصول على سرير في المستشفيات الحكومية. المفتاح السابع: القطع مع اقتصاد الريع: هذا الاقتصاد الطفيلي يستنزف خيرات البلاد والعباد،ويثري فئة قليلة من غير وجه حق.مظاهره عديدة ومتنوعة: 1نهب أراضي الدولة: منها تلك المسترجعة من يد المعمرين .ففي الوقت الذي كان من المفروض أن تعود إلى أصحابها الفلاحين الصغار ،المنزوعة منهم غصبا في فترة الاستعمار الغاشم على يد قواد خونة ،فإن أصحاب النفوذ في العهد المخزني الجديد بعد الاستقلال تمكنوا من الاستحواذ عنها وبذلك تشكلت طبقة من الملاكين الكبار ،من السياسيين والعسكريين بدل فلاحين مرتبطين بالأرض وخيراتها . واليوم وبعد أربعين سنة تتكرر المأساة ذاتها من جديد. فبإيعاز من أصحاب النفوذ نفسهم يتم تفويت ضيعات الدولة ،أراضي سوجيتا وصوديا ،ذات التربة الخصبة والجودة العالية بثمن رمزي لا يتجاوز 245 د للهكتار ولعشرة عقود كاملة لفائدة أشخاص بعينهم لا يعرف أحد طريقة إنجاز الصفقة والتفويت. 2 نهب المقالع وتهريب الثروة البحرية: فأما المقالع فإنها ثروة وطنية هامة تستمد أهميتها من كونها لا يمكن الاستغناء عنها في هذا الوقت بالذات الذي يدخل المغرب فيه غمار فورة البناء وانتشار المعمار على نطاق واسع خاصة في العشرية الأخيرة التي تزايد فيها الطلب على الرمال بشكل منقطع النظير. ولا يخفى على أحد من هو رجل الدولة القوي الذي يستغل هذه المقالع على غير وجه حق ويحقق ثروة طائلة جراء ذلك من دون أن تعود أية فائدة على خزينة الدولة. وما يسدل من غمض على المقالع الرملية يلف الغموض نفسه على الثروة السمكية بأعالي البحار،إذ على الرغم من امتداد المغرب على شواطئ تزيد عن 3000 كلم ،الغنية بالمصايد الهامة لأنواع مختلفة من الأسماك ،منها الرخويات ذات الجودة العالمية عالميا ،فمع ذلك يظل طبق اليوم المغربي خاليا من الأسماك بسبب ارتفاع أثمانه..وقليل منهم القادرون.. تلك هي مجمل المفاتح التي ،على حكومة السيد عبد الإله بن كيران التحكم في إدارتها في أقفالها بإحكام باقتدار واستبصار.وكل مفاتح يضفي في النهاية إلى فتح مغالق المفتاح الموالي..وكان الله في عونكم،و وفقكم الله لخير هذا الشعب.