من بلدان تثير حِنْقي... باستقلالها التام غير المنقوص... بامتلاك قرارها بيدها... بعدم تبعيتها لغيرها... وعدم دورانها في فلك أحد... أغار على وطني... من دول بوحدتها الترابية غير المتنازع عليها... ببروزها على الخريطة ملونة بلون واحد، غير مبتورة... أغار على وطني... من أوطان ليس لها ذراع توجعها، لا تُبتزّ بإمساكها منها، ولا تُساوَم... أغار على وطني... من ديمقراطيات مكتملة، الحكم فيها للشعب، يقرر مصيره كيف يشاء... وأحزاب حقيقية، وُلدت من رحمه، تتنافس جميعا على تأطيره، وعلى كسب وُدِّه، لا لشيء، سوى لخدمته... أغار على وطني... من حكام فقراء، في بلدان ثرية، يُسقطون أوراق شجرة العمر على أعتاب الوطن، ويَمضون إلى حال سبيلهم في صمت... أغار على وطني من سياسيين أُباة... أَكفاء... مثقفين... يَحار المقترع في اختيار أنسبهم، لأن كل واحد يَفضُل الآخر في مضمار... أغار على وطني... من حكومات منتخبة، حاكمةٍ غير محكومة، إلا من قبل الشعب الذي انتدبها، فإن رضيَ عنها استبقاها، وإن سخط، فإلى زوال محتوم... أغار على وطني... من أمصار قطعت أشواطا في التقدم، تُعلي رايات العلوم، والآداب، والفنون... وما فتئت تزحف قُدُما إلى الأمام... ولا تلتفت إلينا لبُعد الشُقة... ولرهانات كبرى تَشغلها عن تذكرنا... أغار على وطني... من أقطار بمدارس وطنية، فيها التلاميذ سواسية، يتلقون تعليما مواطنا، من الرياض إلى أرقى الجامعات، يخاطبهم بألسنهم، ويؤهلهم لبناء الوطن، وللعيش مُسبَغين في الكرامة... أغار على وطني... من اقتصادات قوية، بثروات طبيعية محدودة، رمتنا وراءها بقرون ضوئية، وضاعفت ناتجنا الإجمالي بأرقام فلكية... أغار على وطني... من صعود تركيا سليلة الرجل المريض... ومن نمو إثيوبيا التي كانت يوما جائعة... ورواندا التي كانت بالأمس القريب مقتتِلة... أغار على وطني... من وسائل إعلام عمومية جادة، تحترم عقول متابعيها... تتطلع إلى الرُّقيِّ بهم، وإمتاعهم... وليس إلى تدجينهم... أو إلى ما في جيوبهم... أغار على وطني... من مستشفيات لائقة، تحترم إنسانية مرضاها، وتحتفي بهم... احتفاءَ الأم المُمْتَنَّة بمقدم ابنها البطل من حرب مقدسة... أغار على وطني... من نساء مكرمات... عزيزات فاعلات... تخطَّيْن عصور استجداء الحقوق، إلى زمن اعتلاء أعلى المراتب، وبِتْنَ لا يُميَّزن عن الرجال إلا بمزيد من الاعتراف... ومزيد من التحرير... أغار على وطني من مواطنينَ أحرار... متعلمين مَهَرَةٍ بارعين... غيورين أبرار... بالمعالي منشغلين... عن السفاسف معرضين... قَرّائين للكُتب... مَشّائين في حوائج الوطن... طيَّارين بأحلامهم فوق السُّحب... أغار على وطني... من مدن نظيفة... بحدائق لطيفة... وأشجار كثيفة... ووسائل نقل صديقة للبيئة خفيفة... وإدارات خدومة عفيفة... وشرطة مسعفة شريفة... أغار على وطني... من غروب الشمس... من انقضاء النهار... من انجلاء الليل... من أُفول القمر... من ذبول الزَّهْر... من اصفرار الشّجَر... من نضوب النهْر... من مرور الغيم... من انحباس المطر...