في هذا الشهر الكريم يقبل المغاربة على مشاهدة التلفزيون، ويتطلعون، كما في كل عام، كي تقدم لهم قنواتهم الوطنية إنتاجات فنية ودينية وترفيهية تنال إعجابهم، وتحترم ذوقهم وذكاءهم. بعد انصرام اليومين الأولين من شهر الصيام، لا يبدو أن هناك «ثورة» في البنية العامة لما يتم عرضه، خصوصا في قناتي الأولى ودوزيم، وواضح أن المنطلقات هي نفسها، وأيضا التصورات والأشكال، وأحيانا الأشخاص كذلك، لكن رغم ذلك لنؤجل التقييم إلى الأخير توخيا للموضوعية، وتفاديا للتجني على أي أحد. رمضان هذا العام لا يخلو من الحدث في السياسة وفي الدينامية العامة للمجتمع، وذلك على غرار الشهور الأخيرة، ولكن بالرغم من ذلك فوحده تلفزيوننا العجيب لا يحس بذلك، ولا يراه ولا يلمسه ولا يعرف كيف يتعامل معه. من يشاهد تلفزيوننا العجيب يعتقد أنه يبث انطلاقا من بلد آخر ليس المغرب، ومن يشاهد تلفزيوننا، ويريد من خلال برامجه أن يحكم على البلد، سوف يعتقد أن المغرب جامد بلا أي حراك ولا هم يحزنون... لماذا إذن ليس لبلدنا التلفزيون الذي يستحق؟ كل ما يحدث داخل تحالف الأغلبية وحواليه، لا يجد له المكان في برمجة قنواتنا الغريبة، وكل المناقشات الوطنية الكبرى في البلاد حول الدستور وحول أداء الأحزاب وحول المنظومة المؤسساتية والسياسية، وحول المقاصة وحول أنظمة التقاعد وحول الأمازيغية وحول الصحراء وحول حقوق الإنسان وحول التعليم ....، لا تمثل «الحدث» الذي يلفت نظر أصحاب المعالي الحاكمين بأمرهم في... التلفزيون. كل السخونة المنتشرة في الجغرافيات السياسية المحيطة بنا، وكل المخاطر والمحاذير لا تجد هي أيضا الطرق السالكة إلى نشرات وبرامج قنواتنا... شعبنا يتطلع إلى رؤية ذاته في قنواته فلا يجد شيئا سوى... الشبح. شعبنا يريد من قنواته أن تعرفه بما يجري قريبا منه أو بعيدا عنه وتداعيات ذلك على وطنه، فلا يجد سوى السطحية الباعثة على القرف والملل والرتابة... إذا لم يصلح التلفزيون للتثقيف والتوعية والترفيه، فما الحاجة إليه إذن؟ لقد انغمس بعض «تلفزيونيينا» في ممارسة «المواقف» التي ليست هي وظيفتهم في الأصل، وغاب عنهم أنهم يتلقون رواتبهم كي يصنعوا لنا «التلفزيون» أولا وقبل كل شيء، ولم ينتبهوا إلى أن البلاد التي تتحرك، والتي تعيش دينامية تفتقدها بلدان الجوار، ليس لها تلفزيون مهني وجاذب يواكب هذا المسار ويفعل فيه، وبالتالي، يطور سعي بلادنا وشعبنا إلى مزيد من الديمقراطية والتحديث والمساواة والتنمية. متى يكون لنا التلفزيون الذي نستحق كمغاربة في القرن الواحد والعشرين؟