قال فرانسوا كزافيي فوفيل، مدير البحوث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي، وهو عالم أركيولوجيا متخصّص في إفريقيا القديمة، إن ابن بطوطة كذب عندما ادّعى زيارة روسيا والصين وتنزانيا ومالي، وأضاف أن "جميع رحّالة القرون الوسطى يكذبون بنفس الطريقة، ولكن كذبهم يعلّمنا شيئا، وهو أن العالم بالنسبة لهم يفكّر فيه ككلّ متمفصل، وقابل للسفر، حتى ولو كان هذا السفر غير قابل للممارسة". ووضّح كزافيي فوفيل، في سياق حديثه، الأربعاء بأكاديمية المملكة المغربية في العاصمة الرباط، أن "ابن بطوطة، الذي رغب زيارة مجموع دار الإسلام، وأن يذهب أبعد قليلا من ذلك، ذهب إلى بلاد فارس، والهند، والصومال، والمالديف، ولكنّه لم يزر مناطق ادّعى زيارتها"، وقدّم مثالا برحّال سبقه هو بينجامان دي تيدال، "حكى رحلته إلى مجموع بقاع العالم، ولكنه لم يزرها فعلا"، واستدرك مبيّنا أن "هذا ليس دافعا للشعور بخيبة أمل، لأن هذا الكذب يقول إن الرحلة قابلة للتصوّر، لكنها غير قابلة للتّحقيق". وذكر الأنثربولوجي الفرنسي أن القرون الوسطى معيار تصنيف أوروبي، يرى العصر الوسيط موجودا بين العصرين القديم وعصر النهضة، وزاد مفسّرا أن "تطبيق هذا المعيار على إفريقيا سيكون تعبيرا "نيوكولونياليا"، أي تعبيرا استعماريا جديدا"، مؤكّدا أنه "ليس مجبرا على اتباعه وله حق التفكير بشكل مختلف، لأن الماضي لا يملكه أحد". وقال المتخصّص في التاريخ الإفريقي القديم: "تاريخ كل المجتمعات مهم، وكل ماضي العالم مهم، لأن فيه معرفة للتعدد والحاضر، تُعلِّمُنا"، واسترسل معبّرا عن كون إفريقيا "تعلمنا درس التعايش، والعيش المشترك، لأن مجتمعاتها شهدت تعدّدا كبيرا في أنظمة الأفكار واللغات والأديان". وتحدّث كزافيي فوفيل عن اتّفاقه التّام مع فكرة أننا "نعرف أين نحن ذاهبون عندما نعرف من أين نأتي"، وزاد مشدّدا على مسؤولية "جعل تاريخ إفريقيا متوفرا للجميع من المدارس، وصولا إلى كل المهتمين به، ومن يريدون أن يعرفوا المزيد عنه"، ومستحضرا تعجّب الكثيرين عندما اكتشفوا أن هناك نصوصا متوفّرة تحكي ماضيَ القارة السمراء، في سياق حاجتهم إلى التجذّر في التاريخ، أو فقط لرغبتهم في التفكير بعين مفتوحة على تعدّد المجتمعات. ولم تتمّ "أسلمة الساحل" عند دخول النخب السواحلية في الإسلام في القرون الوسطى حسب مداخلة الأنثربولوجي في المحاضرة الثالثة من سلسلة "كنوز الإسلام في إفريقيا من تمبوكتو إلى زنجبار"، بل تمّت مع "الحركات الإصلاحية" في القرنين الثامن والتاسع عشر. كما تأسّف مدير البحوث بالمركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي لتوقّف البحوث الأنثربولوجية لمدّة تناهز سنة، بعدما استمرّت ثمان سنوات بسجلماسة في موقع تافيلالت المغربي، مستعرضا جوانب من تاريخها ومناخها الطبيعي منذ أن أنشأها "أمازيغ خوارج" في القرن الثامن إلى حدود تدميرها.