يُركز إصلاح المنظومة التربوية الجامعية، الجاري التحضير له من طرف الوزارة الوصية على القطاع مع الفاعلين المعنيين، على إصلاح نظام الإجازة بالخصوص؛ ويشمل الإصلاح المرتقب مفاصل أخرى من التعليم العالي. في هذا الحوار مع جريدة هسبريس الإلكترونية، يتحدث محمد الدرويش، رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين، عن وجهة نظره بخصوص إصلاح منظومة التربية الجامعية، ويخلص إلى أنّ الحل لتطوير التعليم العالي بالمغرب يقتضي التخلي عن نظام التكوين المعتمد حاليا في الجامعات المغربية، واعتماد النظام الأنجلوساكسوني أو الأوروبي. في نظرك، ما هي الأسباب الرئيسية التي أدَّت إلى ضعف مردودية الجامعة المغربية؟ عرف التعليم العالي بالمغرب تطورا غيرَ مسبوق خلال السنوات العشرين من القرن الماضي، إذ يبلغ عدد الطلاب اليوم مليون طالب يتابعون دراساتهم العليا باثنتي عشرة جامعة، وأكثر من 160 مؤسسة للتعليم العالي في شتى التخصصات، من علوم وتقنيات وطب وصيدلة وعلوم إنسانية واجتماعية، موزعة على كل جهات المملكة، من طنجة إلى وجدة إلى الداخلة، وهذا أمر يسعدنا ونعتز به، لكن في المقابل هناك عدة اختلالات ومشاكل يعرفها قطاع التعليم العالي، بل واكبت كل محاولات الإصلاح التي عرفتها منظومة التعليم العالي والبحث العلمي. لسوء الحظ أن أي محاولة للإصلاح تكون على أرض مختلة، فيتم الجمع بين الخلل ونقيضه لتختل البنية بكاملها، وهكذا يشكو التعليم العالي من ضعف سنوات الإشهاد التي تصل إلى 10 بالمائة في تخصص العلوم والتقنيات، و17 بالمائة في تخصص العلوم الاقتصادية والقانونية، و21 بالمائة في تخصص العلوم الإنسانية والاجتماعية، وهذا هدر جامعي. كما أن ثمة عدم ملاءمة مخرجات التكوين مع واقع التشغيل بالمغرب، حيث هناك تفاوت كبير وصل حد التناقض بين واقع الاقتصاد والتوظيف، الذي يعرف تراجعا في أعداد المدمَجين فيه، وبين أعداد خريجي مؤسسات التعليم العالي سنويا، الشيء الذي ساهم في تكاثر أعداد العاطلين حاملي الشهادات العليا. هل يؤثر هذا الوضع على جودة التعليم العالي ومردودية الجامعة بشكل عام؟ القول بأنّ مردودية الجامعة المغربية ضعيفة كلام مردود عليه، لأن التعميم غيرُ جائز في هذا المقام، إذ هناك مؤسسات لها مردودية قوية وتساهم في التكوين الجيد للطلاب، ولنا في مجموعةٍ من خريجي التعليم العالي أحسنَ نموذج. هذا لا يعني البتة أن التعليم العالي المغربي بخير، بل إن منظومتنا تعرف عدة مشاكل يمكن إجمالها في مشكل لغة التدريس ولغات البحث، والنقص المتزايد في أعداد الموظفين والمستخدمين والأساتذة الباحثين في مختلف التخصصات، وكذلك الهندسة المتبعة في نظام مسلسل بولون (إجازة، ماستر، دكتوراه)، والتي انطلقت سنة 2003 بعدة مشاكل. ثمّة مشاكلُ أخرى تعانيها المنظومة التربوية الجامعية، وتتعلق أساسا بالقانون المنظم للتعليم العالي، والمساطر المالية، والمراقبة القبلية، والأوضاع الاجتماعية لأغلب الطلاب، وسيادة المنطق الأمني على المنطق التربوي والثقافي في معالجة قضايا الجامعة، أضف إلى ذلك عدمَ تمكننا من التطبيق الجيد لنظام الأسدس والوحدات. هذا الوضع جعل موازين التعليم العالي المغربي تختلّ، فلا هو حافَظَ على النظام القديم، ولا هو دخل النظامَ الجديد، وقد دعوْنا، وما زلنا ندعو، إلى مراجعة النظام الحالي، وتعويضه بنظام يلائم الواقع المغربي، ويكون أكثرَ انفتاحا على النظامين الأنجلوساكسوني (أمريكا مثلا) والأوروبي (إسبانيا نموذجا). حاليا هناك توجه لدى السلطة الحكومية المعنية بالتعليم العالي نحو إعادة اعتماد نظام الإجازة في أربع سنوات. ما رأيك بخصوص هذا الطرح؟ هل هو كفيل بتنمية وتعزيز مدارك ومعارف الطلبة، أم أن هذه الغاية يمكن تحقيقها بالإبقاء على الزمن الحالي للإجازة؟ أعتقد بأن الأمر غير مطروح بهاته المعادلة، فلا يكفي إضافة أو نقص سنوات لنقول إننا سنحصل على تكوين جيد، وتعزيز المدارك ومعارف الطلاب؛ صحيح أن الوزارة الوصية على قطاع التعليم العالي فتحت ورْش إصلاح نظام الدراسة بالتعليم العالي وابتدأت بالإجازة، وقد كنتُ طالبت السيد الوزير حين أعلن عن المشروع بعدم التسرع وأخذ الوقت المطلوب مع فتح نقاش واسع مع كل المعنيين بالموضوع. واليوم يتضح أن الوزارة الوصية في الطريق الصحيح، إذ أعلنت عن برنامج ممتد على سنتين مع تكثيف الاجتماعات والمشاورات، وهو أمر محمود، لكن يظل مطلبُ الإصلاح المندمج لكل قضايا المنظومة ضروريا، فلا يمكن لأي إصلاح أن ينجح دون تصحيح أوضاعٍ مرافقةٍ. وماذا عن تمديد الإطار الزمني لنيْل شهادة الإجازة؟ وجَبَ توضيح هذه المسألة؛ فحسب متابعتي للقضية، فإن الأمر يرتبط بقرار غير مسبوق، إذ سيتم وضع حد لنظام مسلسل بولون، وسيتم اعتماد نظام أنجلوساكسوني، وهذا ما يُفهم من اختيار شهادة الباشلور بعد البكالوريا، وهو إشهاد في أمريكا يحصل عليه الطالب في 3 أو 4 سنوات، ومقابله هو الإجازة في إسبانيا في 4 سنوات. وإذا كان الأمر وفق هذا التصوّر فيجب الذهاب إلى النهاية، عبر تعديل نظام الماستر والدكتوراه، كما هو معمول به في هاته الدول، فنكون أمام نظام يجوز للطالب فيه أن يحصل على أعلى شهادة، وهي الدكتوراه، في 5 سنوات بعد البكالوريا على الأقل، كما هو الحال في النظام الأمريكي، و12 سنة على الأكثر، حسب قدراته وإمكاناته المعرفية ومجالات تخصصه. إذا سرْنا في هذا الاتجاه، سيعرف التعليم العالي المغربي تطوّرا لافتا، لكنّ النجاح مشروط بالإمكانات البشرية والمادية حتى نتمكن من تعبئة هاته الموارد وتقوية التكوين المستمر، وكذا بتجاوز منطق التكوين والتخصص الحالي، عبر المساهمة في تكوين مواطن متخصص وملم بالثقافة والسياسة والفن والإبداع، ومتشبع بقيم المواطنة. ولأن التحدي، كما قال الملك محمد السادس في خطاب العرش لسنة 2010، هو "تحقيق الملاءمة بين التكوين العلمي والمهني والتقني وبين مستلزمات الاقتصاد العصري، وتشجيع البحث العلمي والابتكار والانخراط في اقتصاد ومجتمع المعرفة والاتصال"، فإنّ التعليم العالي يمكن أن يكون قاطرة حقيقية للتنمية بكل أنواعها ومستوياتها، ويساهمَ في جعل المغرب ضمن الدول المتقدمة والمتطورة، والتي تضمن لمواطنيها الكرامة والعدالة الاجتماعية والحقوق والواجبات.