أيدت غرفة الجنح الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بتازة، بتاريخ 11 نونبر 2018 حكما ابتدائيا كان قد قضى ببراءة متهم من جنحة زعزعة عقيدة مسلم، طبقا للفصل 220 من القانون الجنائي. وتعود فصول هذه القضية إلى 8 يناير 2018، حسب ما أوردته جريدة العمق المغربي، حيث تقدم مواطن يدعى “ي،غ” بشكاية إلى الضابطة القضائية لشرطة تازة، يعرض فيها أن المتهم سلمه كتبا كانت تتحدث عن الإنجيل، متهما إياه بدعوته إلى الارتداد عن دينه. وعللت المحكمة قرارها ببراءة المتهم، بكون الإنجيل من الكتب السماوية التي يؤمن بها المسلمون، وأن هذا الفعل لا يتعدى أن يدخل في إطار القول الرباني (وخلقناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا). من وجهة نظري تعتبر مبررات الحكم بالبراءة واهية، وفي نفس الوقت مشجعة على التنصير والعمل على خلخلة عقيدة المغاربة، خصوصا إذا وجد الأمر لدى المستهدفين القابلية التي تمليها الظروف الاجتماعية والصحية المزرية. فمتى كان الإنجيل المحرف كتابا سماويا؟ كيف لهذه الضابطة القضائية أن تعتبر نشر المسيحية بين المغاربة داخلا في إطار التعارف. ثم متى كان التعارف يتم في الكواليس واستغلال البسطاء وذوي العاهات والأمراض المستعصية تغريرا بهم من أجل التداوي في أوربا مجانا مقابل التخلي عن دين الآباء والأجداد؟ هل هناك دين سماوي يقول بالتثليث والخلاص والصلب ويحول من الإنسان إلاها أو ابن إلاه؟ هل لا يزال في هذا الوجود دين صحيح غير الإسلام الذي وعد الله بحفظه فقال: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)؟ والغريب في الأمر أن الضابطة القضائية تعتبر الإنجيل كتابا سماويا في الوقت الذي يتبرأ منه العديد من مفكري الغرب والمؤرخين المسيحيين والقساوسة أنفسهم، والذين يقرون بأنه من تأليف القساوسة والرهبان ابتداء من القس بولس، من ذلك أذكر، على سبيل المثال، إنريكو ريبوني المؤرخ الإيطالي المسيحي الذي ظل يقرأ ويبحث ويتعمق في فهم المسيحية لأزيد من عشرين سنة، انتهى به المطاف إلى خلاصات مهمة جمعها في كتاب أسماه" الصفحة السوداء للمسيحية" منها قوله: "إن المسيحية وفقا لتاريخها المكتوب في الوثائق المتداولة تمثل إحدى آفات الإنسانية الكبرى التي يتعين محاربتها بفاعلية"، وقوله: "إن الكنيسة الكاتوليكية مؤسسة إجرامية، عش منحرفين جنسيا ومغتصبين للراهبات" وقوله: "إن شعوري تجاه تلك المؤسسة خليط من الاحتقار والرهبة، فهي مؤسسة إجرامية شديدة القوة وباستطاعتها أن تؤذي، لذلك يتعين علينا محاربتها، مع الاختفاظ بمسافة من باب الحيطة". وقد أفرد الفيلسوف باروخ سينوزا حيزا كبيرا من رسالته في اللاهوت والسياسة لإبراز شواهد عديدة على بشرية العهد القديم، وتأكد لديه أن النص التوراتي كان مصوغا بعد موسى بزمن طويل، ويقول الأديب الانجليزي جورج برنارد شو عن الكتاب المقدس: " إنه من أخطر الكتب الموجودة على ظهر الأرض، احفظوه بعيدا عن أطفالكم بخزانة لها مفتاح" وهذا التحذير بسبب ما يحتويه هذا الكتاب بجزئيه العهد القديم والعهد الجديد من ماده تُشَرِّع الجنس والخداع وسفاح المحارم والقتل والشرك باسم الرب. وإذا كان القديس جيروم نفسه قد اعترف في رسالته إلى البابا داماسوس وأسقف روما المبجل بقوله: "إنني مزور ومدنس للمقدسات، لأنني تجرأت وأضفت، وغيرت، وصححت في هذه الكتب المقدسة" فلا داعي للاستغراب حين يجد الدارس للكتاب المقدس بجزئيه تناقضات وأخطاء واختلافات عديدة وصلت إلى أكثر من خمسين ألف خطأ واختلاف ورغم أن النسخ المتداولة حاليا من العهد الجديد (حوالي سبع وعشرين إنجيلا مختلف الإصدارات) قد تم تنقيحها مرات عديدة إلا أنك لا تجد إصدارين لنفس الإنجيل الواحد متشابهين دون وجود اختلاف بيّن بينهما وباعتراف جهابذة علماء اللاهوت الذين يقرون بأن هذه الكتب هي صناعة بشرية بامتياز وليس مجمل ما تحتويه هو من عند الله. يقول جراهام سروجي عضو معهد مودي للكتاب المقدس والذي يعد من أكبر علماء البروتوستنت التبشيريين في كتابه : "هل الكتاب المقدس كلام الرب؟": " نعم إن الكتاب المقدس من صنع البشر بالرغم أن البعض وجهلا منهم قد أنكروا ذلك، إن هذه الكتب قد مرت من خلال أذهان البشر وكتبت بلغة البشر وبأقلامهم، كما أنها تحمل بصمات تعكس الأسلوب البشري في كتابتها وتأليفها وليست من الوحي بشيء" ويقول عالم نصراني آخر وهو أسقف بيت المقدس السيد كينيث كراغ في كتابه " نداء المئذنة " : " وبعكس القرآن فإننا نجد أن العهد الجديد به بعض التلخيص والتنقيح وهنالك اختيار للألفاظ وتجديد للأحداث والشواهد، لذا فإن كتب العهد الجديد قد جاءت من ذهن الكنيسة التي تقف وراء المؤلفين لهذه الكتب لتمثل الخبرة والتاريخ" أي إن كتب الكتاب المقدس قد تم تنقيحها بالحذف (التلخيص) والإضافه (اختيار الألفاظ) لتتماشى هذه الكتب مع سياسات الكنيسة وطبقا لرؤيتها. أي إن كلام الرب قد تم تنقيحه وتلخيصه ليتماشى مع أهداف ورؤيه الكنيسة وليس كما أوحى به الرب فالكنيسة هنا وضعت نفسها فوق إرادة الرب ومشيئته، فهي التي تصحح كلام الرب فتضيف إليه أو تخذف منه كيفما تشاء وكيفما تريد كما تبينه أعمالها متناسيه ما جاء على لسان يوحنا الذي حذر بالعبث بكلمات الكتاب المقدس قائلا " وَإِنَّنِي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ مَا جَاءَ فِي كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا: إِنْ زَادَ أَحَدٌ شَيْئاً عَلَى مَا كُتِبَ فِيهِ، يَزِيدُهُ اللهُ مِنَ الْبَلاَيَا الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا * وَإِنْ أَسْقَطَ أَحَدٌ شَيْئاً مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ النُّبُوءَةِ هَذَا، يُسْقِطُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، اللَّتَيْنِ جَاءَ ذِكْرُهُمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ." ويبقى السؤال مطروحا: كيف يغيب عن الضابطة القضائية أن الأناجيل المعمول بها الآن محرفة وأنها ليست كلام الله أي لا علاقة لها بالسماء وإنما هي محض أرضية صنعتها الكنيسة لتبتغي بها ثمنا قليلا. وكيف يغيب عنها عشرات من آيات القرآن التي تشهد على التحريف الذي طال الكتب السماوية منها قوله تعالى" ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبنت ايديهم وويل لهم مما يكسبون) قال الإمام ابن حزم رحمه الله : " كيف يستحل مسلم إنكار تحريف التوراة والإنجيل وهو يسمع كلام الله عز وجل ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) وليس شيء من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى .