وحي القلم 209.. القانون والسيادة انتبهت قواعد بانجالور للسلوك القضائي إلى الضرر الذي يمكن أن يحيق بالعدالة عند الصمت على الشائعات والآراء المضللة التي قد تشوش على قراراتها، وألزمت القضاة بوجوب المشاركة في النقاش العمومي المتجرد والموضوعي حول إشكالات قانونية صرفة دون المساس بقرينة البراءة في إطار حرية التعبير المكفولة لهم دستوريا، ومساعدة منهم للرأي العام بشكل مبسط على فهم بعض الإجراءات المسطرية تجنبا لسوء الفهم وتعزيزا للثقة في القضاء، رغم أن هناك من بات ينزعج بشكل غير مفهوم من ممارسة القضاة لحقهم في التعبير كمواطنين أولا، وكمهتمين بشؤون العدالة كباحثين جامعيين شغوفين بالمناظرات القانونية الرصينة ثانيا. من هذا المنطلق يصعب على كل غيور على عدالة مغربنا الحبيب أن يصمت على الأخطاء القانونية التي تضمنتها ملاحظات فريق العمل حول الاعتقال التعسفي التابع لمفوضية الأممالمتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان حول قضية السيد توفيق بوعشرين، الذي خلص فيه إلى أن المعني بالأمر معتقل اعتقالا تعسفيا. كرجال قانون لا يهمنا التعليق على خيارات الاستقواء بالخارج في الضغط على الداخل من أجل حل قضية جنائية صرفة، مثلما لا يعنينا كثيرا التذكير بانعتاق الشعب المغربي من قيود الحماية الأجنبية وحصانة المحميين الجدد، ولكن من واجب المواطنين على القضاء أن يصون حقوقهم ويحمي حرياتهم التي لا يمكن بتاتا القبول في مغرب هنا والآن أن يتم سلبها إرضاء لأهواء شخصية أو انتقامات مجانية. فهل المواطن توفيق بوعشرين معتقل تعسفيا على خلفية آرائه كصحافي؟ وهل حرم من حقه في المحاكمة العادلة وفقا للمسطرة الجنائية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة؟ وما هي الأخطاء القانونية القاتلة التي ارتكبها فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي في ملاحظاته الصادرة حول ملف القضية؟ سيتأسس الجواب عن هذه الأسئلة وغيرها على قانون المسطرة الجنائية وعلى الأحكام القضائية الصادرة، علما بأن جميع ما جاء في مقرر فريق العمل على لسان مصادره المجهولة شكل موضوع طلبات أولية ودفوع شكلية قدمها دفاعه وأجابت عنها النيابة العامة في الإبان بمرافعة شفوية عززت بمذكرة كتابية، كما قالت فيه المحكمة كلمتها بشكل مفصل في قرار متاح لمن أراد أن يلقي السمع وهو شهيد. أولا: الاعتقال احتياطي وليس تعسفي من المعلوم أن المصطلحات القانونية تتسم بالدقة وليست مجرد عبارات إنشائية لدغدغة شعور العامة، والمرجع في تفسيرها أن تنضبط للنص القانوني باعتباره أسمى تعبير عن إرادة الأمة ممثلة في البرلمان. لذلك يبدو الفرق واضحا من الناحية القانونية بين الاعتقال الاحتياطي والاعتقال التعسفي. ذلك أن المادة 608 من قانون المسطرة الجنائية تمنع حرمان أي شخص من حريته إلا بمقتضى سند صادر عن السلطة القضائية يأمر باعتقاله احتياطياً أو بناء على سند يأمر بتنفيذ مقرر مكتسب لقوة الشيء المقضي به صادر عن هيئة قضائية يقضي عليه بعقوبة السجن أو الحبس أو الاعتقال أو الإكراه البدني، مع مراعاة مقتضيات المادتين 66 و80 من هذا القانون المتعلقتين بالوضع تحت الحراسة النظرية، فضلا عن كون مدير السجن لا يمكنه أن يقبل أو يحجز شخصا، إلا إذا قدم له سند من سندات الاعتقال المنصوص عليها في المادة 608 أعلاه وبعد تسجيل هذا السند في سجل الاعتقال المنصوص عليه في المادة 13 من القانون رقم 98-23 المتعلق بالسجون، وإلا اعتبر مرتكبا لجريمة الاعتقال التحكمي/ التعسفي المنصوص عليها في الفصل 225 من القانون الجنائي. وعلى هذا الأساس، طالما أن السيد توفيق بوعشرين أودع السجن بناء على أمر صادر عن النيابة العامة كسلطة قضائية مستقلة تأسيسا على المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية بعد استنطاقه حول المنسوب إليه بحضور دفاعه ومواجهته بوسائل الإثبات المتوفرة في الملف، وإحالته على غرفة الجنايات التي أصدرت في حقه عقوبة سجنية، فإنه يعتبر معتقلا احتياطيا طبقا للفقرة الثانية من المادة الأولى من القانون رقم 98-23 بشأن تنظيم وتسيير المؤسسات السجنية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.99.200 بتاريخ 13 من جمادى الأولى 1420 (25 أغسطس 1999)، مادام لم يصدر في حقه بعد مقرر قطعي بالإدانة عقب استنفاد جميع طرق الطعن. وإذن، فالسيد توفيق بوعشرين ليس معتقلا بشكل تعسفي على النحو الذي خلص إليه فريق العمل، الذي خضع للتضليل بما رفع إليه من معلومات نسبها إلى مصدر مجهول، مثلما أبان عن جهل واضح كما المحامي البريطاني روندي ديكسون بقواعد الإجراءات الجنائية المغربية، فكان من الطبيعي أن يكون رأيه متعسفا حول الاعتقال الاحتياطي الذي يؤطر حالة السيد توفيق بوعشرين. لقد اجتهد دفاع السيد بوعشرين أمام المحكمة وحتى خارجها من خلال الندوات الصحافية التي كان ينظمها في إثارة مسألة غياب حالة التلبس وعدم جاهزية القضية، وبالتالي وجوب الإحالة على التحقيق، وهي مسألة تبناها تقرير فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي كحقيقة قانونية دون أي تمحيص. ولكنه للأسف، وخرقا للموضوعية والحياد اللذين يمنحان أي تقرير مصداقيته المطلوبة، غيب الأجوبة القانونية التي قدمتها النيابة العامة، سواء في مرافعتها الشفوية أو مذكرتها الكتابية، والتي ارتكزت على معطيين أساسيين: 1. أن القضية كانت جاهزة للمحاكمة بناء على ما توافر في الملف من وسائل إثبات قوية حول ارتكاب المشتبه فيه للمنسوب إليه، ويتعلق الأمر أساسا بعشرات المقاطع الجنسية المسجلة التي تم حجزها بمكتبه وبحضوره الشخصي على متن دعامة مادية (قرص صلب خارجي)، فضلا عن أنه بعد عرض الأشرطة المذكورة على ثمانية ضحايا أكدن جميعهن بكل تلقائية وعفوية أنهن المعنيات بها وأن السيد توفيق بوعشرين هو من يظهر بها وهو بصدد استغلالهن جنسيا. 2. أنه طبقا للمادة 83 من قانون المسطرة الجنائية، فإن التحقيق ليس إلزاميا بالنسبة للأفعال المنسوبة للسيد بوعشرين المتمثلة في جناية الاتجار بالبشر باستغلال الحاجة والضعف واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن طريق الاعتياد والتهديد بالتشهير، وارتكابه ضد شخصين مجتمعين، وجناية هتك العرض بالعنف وجناية الاغتصاب وجناية محاولة الاغتصاب وجنحتي التحرش الجنسي وجلب واستدراج أشخاص للبغاء، من بينهم امرأة حامل، واستعمال وسائل للتصوير والتسجيل، المنصوص عليها وعلى عقوبتها في الفصول 1-448، 2-448، 3-448، 485 و114 و498، 499، 1-503 من مجموعة القانون الجنائي. أما فيما يتعلق بحالة التلبس، فمن المعلوم فقها وقانونا وقضاء أنها ليست شرطا للإحالة المباشرة على غرفة الجنايات الابتدائية، على اعتبار أن التلبس في حد ذاته يبقى مجرد وسيلة إثبات تتعلق بظروف ارتكاب الجريمة يتم استحضارها ضمن وسائل إثبات أخرى لتقرير مدى جاهزية القضية من عدم ذلك. وبالبناء على ما سبق، فإن النيابة العامة لما اعتبرت القضية جاهزة للحكم والأفعال على درجة كبيرة من الخطورة وتمس بالنظام العام وأحالت السيد توفيق بوعشرين في حالة اعتقال مباشرة على غرفة الجنايات الابتدائية، تكون قد أعملت فقط الصلاحيات التي أناطها بها القانون من خلال المادتين 73 و49 من قانون المسطرة الجنائية المحال عليهما بموجب المادة 419 من القانون نفسه. أما عن المدة التي استغرقتها المحاكمة، فذلك راجع لكثرة الطلبات المقدمة والشهود المستمع إليهم والأشرطة التي تم عرضها والمرافعات الطويلة التي تقدم بها الدفاع في إطار ممارسته لمهامه في إطار الحرص على ضمانات المحاكمة العادلة. ثانيا: العدالة أسمى من الانتقام جرى الربط بشكل تعسفي وبدون دليل جدي، سواء أثناء مناقشة القضية أمام المحكمة أو في الندوات الصحافية وفي تقرير فريق العمل، بين اعتقال السيد توفيق بوعشرين وممارسته الصحافية. وهو ربط لا يبخس آلام الضحايا (أكثر من 11 امرأة بين عازبة ومتزوجة وحامل) فقط، ولكنه يقفز بسوء نية على ما في الملف من معطيات قانونية وواقعية، فأمام المحكمة يغدو الكلام الذي لا دليل عليه هو والعدم سواء. ولأنه تقرير موجه لغاية الإدانة المسبقة للعدالة المغربية، لم يكلف فريق العمل نفسه عناء الرد على الثابت من وثائق الملف وجواب النيابة العامة في الإبان على الدفع المتعلق بالانتقام من السيد بوعشرين كصحافي مزعج عندما أكدت النيابة العامة أن قرار متابعته وإحالته في حالة اعتقال لا علاقة له بمهنته، ولكنه ارتكز على البحث الذي انطلق من وشاية لامرأة مجهولة توصلت بها النيابة العامة تتحدث فيها عن قيام كاتب ومحلل صحافي مشهور يتوفر على مكتب بنفس عنوان مكتب المعني بالأمر بشارع الجيش الملكي عمارة الأحباس الطابق 17 الدارالبيضاء بالاعتداء عليها جنسيا وتهديدها بنشر صورها الملتقطة بمكتبه إن تجرأت على التقدم بشكاية في مواجهته، والأمر نفسه بالنسبة لمشتكيتين معلومتين اثنتين اللتين تقدمتا أمام النيابة العامة بتاريخين متفاوتين (16 و22 من شهر فبراير) بشكايتيهما في مواجهة المعني بالأمر من أجل قيامه أيضا بالاعتداء جنسيا عليهما بمكتبه المهني وتهديدهما بنشر صورهما. وبعد البحث، تمكنت الضابطة القضائية، تحت إشراف النيابة العامة، من حجز المعدات التقنية التي كان يخبئهما في مكتبه ويوثق بموجبها ممارساته الجنسية على ضحاياه، من بينها مسجل فيديو رقمي DVR وقرص صلب خارجي، هذا الأخير الذي تبين بعد الاطلاع على فحواه أنه يتضمن تسجيلات فيديو تم التعرف من خلالها على مجموعة من الضحايا. ويتعلق الأمر بثماني نساء أكدن جميعهن بعد الاستماع إليهن في محاضر قانونية وقعنها أنهن هن من يظهرن في التسجيلات المذكورة إلى جانب المشتكى به، ووضحن للضابطة القضائية في محاضر الاستماع إليهن كافة ظروف وملابسات استغلال المتهم لهن جنسيا، بالإضافة إلى ضحية تاسعة تبين أنها كانت بدورها عرضة للتحرش الجنسي، وكذا المشتكيتين، ليصل عدد ضحايا الاستغلال الجنسي للمعني بالأمر إلى إحدى عشر امرأة. فهل يريد فريق العمل أن تغض العدالة بصرها عن شكايات الضحايا وتنزع عنها كل مصداقية لمجرد أن المشتكى به صحافي؟ وهل مهنة الصحافي أو أية مهنة كيفما كانت تمنح صاحبها حصانة من أي متابعة عن أفعال تكتسي صبغة جرمية؟ ثالثا: محاولة تضليل العدالة عوض الإكراه على الشهادة زعم تقرير فريق العمل، ودون أن يطلع على وثائق ملف القضية الذي بات متاحا بعد صدور الحكم، بأنه تم ضم شهادة زائفة لملف الاتهام واستعمال الإكراه للحصول على شهادات تدين المعني بالأمر. والحقيقة أن جميع الضحايا المستمع إليهن تمهيديا صرحن بكل تلقائية بأنهن كن ضحايا للاستغلال الجنسي من طرف المعني بالأمر، وأشفعن تصريحاتهن بتوقيعات مفتوحة في محاضر الاستماع إليهن، وعند الاستماع إليهن من طرف المحكمة أكدن تصريحاتهن التمهيدية. وفيما يخص ما وردت الإشارة إليه في التقرير من وجود ضحية تراجعت عن تصريحاتها وقدمت شكاية في مواجهة ضابط الشرطة القضائية من أجل التزوير وإجبارها على التوقيع، غير أن شكايتها رفضت ثم حكم عليها ب 6 أشهر حبسا نافذا، فإن حقيقة الأمر هي أن شكاية المعنية بالأمر في مواجهة ضابط للشرطة القضائية مؤهل لمباشرة وظيفته في مجموع تراب المملكة ينتمي للفرقة الوطنية للشرطة القضائية تم الحكم بعدم قبولها من طرف محكمة النقض، بعدما لم تحترم الإجراءات القانونية المتعين سلوكها في مواجهة الأشخاص المشمولين بقواعد الاختصاص الاستثنائية طبقا للمادة 268 من قانون المسطرة الجنائية. وبعد تقديم الضابط لشكاية في مواجهة المعنية بالأمر أمام النيابة العامة من أجل التشهير به على متن وسائل الإعلام والتجني عليه باتهامه بدون وجه حق بالتزوير، تم البحث مع المعنية بالأمر والاستماع إليها من طرف النيابة العامة ومواجهتها بمضمون القرص المدمج المرفق بشكاية الضابط الذي يضم شريطا مصورا لها وهي تقرأ بصوت مسموع تصريحاتها المضمنة لها بمحضر سماعها التمهيدي بشكل عفوي وتلقائي دون أن تعترض على التصريحات التي تدعي أنها ضمنت لها على خلاف الحقيقة والتي تتعلق بكونها ضحية تحرش جنسي من طرف المعني بالأمر، وهي الحقيقة التي لم تستطع التهرب منها في محضر الاستماع إليها من طرف النيابة العامة، مما تحتم معه متابعتها في حالة سراح أمام المحكمة الابتدائية الزجرية بالدارالبيضاء من طرف السيد وكيل الملك لدى المحكمة نفسها من أجل ارتكابها جنحة التبليغ عن جريمة تعلم بعدم حدوثها طبقا للفصل 264 من القانون الجنائي، وبعد مناقشة قضيتها تمت مؤاخذتها من أجل المنسوب إليها بستة أشهر حبسا نافذا، بعدما ثبت للمحكمة أن تصريحاتها موضوع محضر الاستماع إليها الذي تدعي أنه تم تزويره صادرة عنها بكل عفوية وتلقائية. وعلى على خلاف ما تضمنه التقرير من إكراه للشاهدات على الحضور أمام المحكمة، فإن الثابت من الحكم أن غرفة الجنايات الابتدائية التي تنظر قضية المعني بالأمر وبعدما وقفت على عدم استجابة بعض الشاهدات للحضور أمام المحكمة رغم استدعائهن مرات عدة، أمرت في نطاق الصلاحيات التي خولها قانون المسطرة الجنائية وبالضبط مقتضيات المواد 339 و422/2 و424 منه، بإحضارهن بواسطة القوة العمومية، وهي الأوامر التي تولت النيابة العامة السهر على تنفيذها بكل مهنية ومسؤولية وموضوعية وتجرد. والمفاجأة التي كانت صادمة للجميع والتي يبدو أن محرر الشكاية المرفوعة لفريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي تفادى الإشارة إليها بسوء نية، هي أنه خلال عملية السهر على تنفيذ أوامر المحكمة بالإحضار ثبت وجود تواطؤ بين بعض الشاهدات المتعنتات عن الحضور أمام المحكمة للإدلاء بأقوالهن بكل عفوية ومساعدة المحكمة على الوصول إلى الحقيقة بدليل أنه تم العثور على شاهدة مخبأة بالصندوق الخلفي لسيارة داخل إحدى المنازل، مما يطرح أكثر من علامات استفهام حول مدى وجود نية صادقة في ضمان سير محاكمة عادلة ومساعدة المحكمة على الوصول إلى الحقيقة كاملة. وإذا كان مفهوما أن فريق العمل قد لا يفهم الأمر الإلهي بالامتناع عن كتمان الشهادة، إلا أنه بحكم الحد الأدنى من المعرفة القانونية المفترضة في أعضائه ينبغي أن يعلم بأن الامتناع عن أداء الشهادة يعد فعلا مجرما بنص القانون، ولا يمكن لأي شخص استدعته المحكمة للشهادة أن يمتنع عن ذلك. رابعا: فيما يخص ادعاء إغلاق الجلسات في وجه العموم لا سيما المراقبين الوطنيين والدوليين ابتداء من يوم 07/05/2018 يمعن تقرير فريق العمل في المغالطات ويبني عليها الأحكام بنية مسبقة للإدانة مما يفقده أية مصداقية، ولو محص فريق العمل ملف القضية لجنب نفسه عناء الزلل. فمن ناحية قانونية صرفة يجب التأكيد على أن الأمر يتعلق بطلب تقدم به دفاع الطرف المدني الذي ينوب عن الضحايا لم يعارض فيه وقتها لا النيابة العامة ولا دفاع السيد توفيق بوعشرين، والذي التمس من خلاله إصدار مقرر قضائي بجعل الجلسات سرية، مراعاة لطبيعة القضية التي تتضمن أشرطة جنسية تشكل خطرا على الأخلاق وكذا مراعاة لخصوصية وحرمة الضحايا اللائي توجد من بينهن متزوجات، وهو الطلب الذي استجابت له هيئة المحكمة طبقا لمقتضيات المادة 302 من قانون المسطرة الجنائية التي تنص على حق المحكمة في الأمر بجعل الجلسة سرية، استثناء من المبدأ العام المتعلق بعلنية الجلسات، متى كان في علنية الجلسة خطرا على الأمن أو على الأخلاق، أو تعلق الأمر بقضية عنف أو اعتداء جنسي ضد المرأة أو القاصر. وتنفيذا لمقرر المحكمة بجعل الجلسة سرية، فقد تم الترخيص بحضور أطراف القضية فقط ودفاعهم الذين سجلوا في ملف القضية النيابة عنهم، إلى جانب السيد نقيب هيأة المحامين بالدارالبيضاء والسيد رئيس جمعية هيأة المحامين بالدارالبيضاء لدورهما الفعال في الحرص على احترام أخلاقيات المهنة وأعرافها. خامسا: فيما يخص ادعاء عدم تمكين النيابة العامة المتهم من كشف المكالمات الهاتفية: يحاول واضعو التقرير الإيحاء باستيعابهم لمجريات الملف حتى دون أن يطلعوا عليه، واكتفوا بالدفوع المقدمة من طرف الدفاع وغيبوا جواب النيابة العامة وقرارات المحكمة في إخلال سافر بمبدأ الحياد المفترض في أي هيئة تحترم نفسها. فادعاء عدم تمكين النيابة العامة للسيد بوعشرين من كشف المكالمات الهاتفية مغالطة قانونية، ذلك أنه حرصا من الفرقة الوطنية للشرطة القضائية على حماية المعطيات الشخصية للسيد بوعشرين والغير معا، طبقا لمقتضيات القانون رقم 09.08 المتعلق بحماية الأشخاص الذاتيين تجاه معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي كما ورد في نفس جواب شركة الاتصالات الهاتفية على انتداب الشرطة القضائية، قامت بفرز الاتصالات الهاتفية التي تم الحصول على كشف بها، والاقتصار على الاتصالات التي لها علاقة مباشرة فقط بموضوع القضية وأطرافها وأنجزتها في شكل قائمة توضيحية، ويتعلق الأمر بالضحايا ومصرحات المحضر المستمع إليهن تمهيديا في ملف القضية. علما أنه سبق لغرفة الجنايات الابتدائية أن بتت في الطلب المثار أعلاه أمامها بالرفض بنفس العلل، والقرار ضمن ملف القضية يمكن لمن يعنيه الأمر أن يطلع عليه. سادسا: فيما يخص ادعاء التضييق على دفاع المتهم إمعانا في المغالطات عن بينة وقصد وردت الإشارة بالتقرير إلى وجود متابعات جارية ضد أحد أعضاء هيئة دفاع السيد بوعشرين من أجل ثنيه عن ممارسة مهامه في الدفاع والنيابة عن هذا الأخير، ويكفي تكذيبا لهذا الزعم أن يتم الرجوع إلى الحكم الصادر في القضية للوقوف على حقيقة الإجراءات التي مارسها دفاع المتهم بكل حرية في إطار ضمان حقوق الدفاع، والتي بلغت للأسف حدا من الشطط إلى حد التلفظ بعبارات نابية ومسيئة في حق المحكمة والنيابة العامة ودفاع الطرف المدني في خرق سافر لأصول وأعراف وتقاليد مهنة المحاماة العريقة، مما دفع بالسيد نقيب هيئة المحامين بالدارالبيضاء، في سابقة، إلى إصدار بيان عريض يستنكر من خلاله مثل هذه التصرفات، وكذا جمعية هيئات المحامين بالمغرب. ومع ذلك، فقد تعاملت المحكمة مع التصرفات المخلة بالقانون والأعراف بكل مسؤولية وموضوعية وفي نطاق الاحترام التام للمساطر القانونية المعمول بها. وبالتالي، لا يمكن الادعاء بوجود تضييق على دفاع السيد بوعشرين، وإن كانت من متابعة جارية في حق أحد أعضاء هيئة الدفاع المذكورة وقائعها وتاريخ تحريكها سابقة على محاكمة السيد توفيق بوعشرين ولا علاقة لها بها إطلاقا. وعلى الإجمال، يبدو أن الغاية لم تكن هي البحث عن الحقيقة في مضانها، وأن المخطط الذي جرى الإعداد له منذ البداية هو اختيار محام أجنبي لتدويل القضية وإغراقها بالأكاذيب. فبدلا من أن ينضم إلى الدفاع الوطني لإقناع المحكمة رغم الترخيص لدفاع أجنبي بالترافع أمام المحكمة، اختار المحامي البريطاني روندي ديكسون، وحتى قبل بحث القضية ومناقشتها وصدور حكم في موضوعها هو عنوان الحقيقة، أن يتوجه بمذكرة إلى فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي التابع لمفوضية الأممالمتحدة لحقوق الإنسان، تعامل معها بسذاجة غير مهنية وأحادية في الرؤية وتسرع فج لا يليق بهيئة تزعم تقديم النصح للدول في قضية جنائية داخلية بسط عليها القانون يده بما له من سيادة وطنية لا مجال للسماح بانتهاكها باسم هيئة أممية أو حسابات سياسوية. *باحث قانوني