بقدْرِ مَا يقرّبُ توافدُ القادة الأوروبيينَ على المغرب وجهات النظر بين المملكة وأوروبا ويكرّسُ دور المغرب كمُحاور أساسي في المنطقة، مع الإعلانِ عن ثلاث زيارات رسمية تحملُ قادة كبارا إلى الرباط خلالَ هذا الشّهر، بقدرِ ما يخلقُ ذلك شعوراً بالرّيبة لدى باريس، الحليف التقليدي والتاريخي للمملكة، التي يبدو أنّها لا تنظرُ بعينِ الرضا إلى طموحِ المملكة في توسيعِ هامشِ تحرّكها على المستوى الأوروبي. وجمعتْ مباحثاتٌ رسمية على مدى يومين بينَ الرباط ومدريد، بعدَ الزيارة التي قادت العاهل الإسباني، فليبي السادس، إلى المغرب، بمعيّة تركيبة مهمّة من الوزراء ورجال الأعمال، تخلّلها التوقيعُ على اتفاقيات اقتصادية وتجارية. ومن المرْتقبِ أن يحلَّ الأمير هاري وقرينته، الأسبوع المقبل، بالرباط، في زيارة رسمية هي الأولى من نوعها، ستتخلّلها مباحثات مع الملك محمد السادس، ومع رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني. وأمامَ تزايدِ طموحِ الرباط في البحثِ عن شركاء أوروبيين وانفتاحها على حلفائها التقليديين في المنطقة الأوروبية، ومع الإمكانات التي يتيحُها هذا التوجه الاستراتيجي لجلبِ واسْتقطابِ "أصدقاء جدد"، فإنَّ باريس، التي تعتبرُ أحد أهمّ ركائز التحالف المغربي الأوروبي، تراقبُ تحرّكات المغرب بترقّبٍ شديدٍ مشوبٍ بالحذر. ويستبعدُ مصطفى الطوسة، محلل سياسي، أن تكونَ باريس، أو الديبلوماسية الفرنسية، "منزعجة" من هذه الزيارات الدبلوماسية المهمة التي تقوم بها قيادات أوروبية إلى المملكة المغربية؛ "لأن المغرب يحظى ويتمتّعُ باستقلالية في تحركاته الدبلوماسية، خاصة وأنهُ أظْهر منذ سنواتٍ طويلة دورهُ الهام الذي يلعبه على المستوى الدولي والإقليمي". وقال الطوسة، وهو إعلامي وخبير سياسي مقيم في باريس، إن "الرباط تلتقي بكل استقلالية وأريحية مع كل قادة العالم، على اعتبار أنها أصبحتْ محاوراً رئيسياً بالنسبة للسّلم الإقليمي والعالمي"، ويرى أنه "من الطبيعي أن تأتي هذه القيادات من كل أنحاء العالم وتحط الرحال بالمغرب من أجل لقاء القيادة المغربية". واعتبرَ الطوسة أن "الدبلوماسية الفرنسية لها علاقة مميزة واستراتيجية مع المغرب"، مضيفا: "إذا كان هناك نوع من الغيرة أو النبرة التنافسية، فإنها ستكونُ بسببِ الدور الذي أصبح المغرب يلعبه في الساحة الإفريقية، سواء على المستوى السياسي في انخراطه بشكل فعال في حلّ الأزمات الإقليمية، أو على المستوى الاقتصادي بالسهر على إطلاق مشاريع اقتصادية عملاقة على بعض الفضاءات الإفريقية". على هذا المستوى، يضيفُ الطوسة: "يمكنُ أنْ نشمَّ رائحة الغيرة التي هي نتيجة تنافس واضح بين القوة التاريخية الفرنسية والقوة الصاعدة المغربية التي بينت أن المغرب أصحب لاعباً أساسيا في الفضاء الإفريقي". أما بشأن أبعاد هذه الزيارات التي تقوم بها هذه القيادات البريطانية والإسبانية وقداسة البابا، فيقول الطوسة أنها "تعطي للمغرب زخما واضحا حول الدور والمصداقية الإقليمية التي تحظى بها الدبلوماسية المغربية، التي يُفعّل من خلالها المغرب قوته الناعمة في وجه الأزمات الإقليمية". وزادَ: "أن تحطَّ مثلُ هذه الشخصيات البارزة الرحال بالمغرب بطريقة منتظمة، وأن تستقبل من طرف العاهل المغربي، فهذا يشرف صورة المغرب ويعطي وجهاً قويا للحضور والتواجد والرأسمال الرمزي الدبلوماسي"، مبرزاً أن "كل هذه الزيارات تساهم في عمل وصقل هذا الدور السياسي الذي يقوم به المغرب على المستوى الدولي والإقليمي".