بداية كل سنة، تكشف محكمة النقض، باعتبارها أعلى هيئة قضائية في المملكة تسهر على مراقبة التطبيق السليم للقانون وتوحيد الاجتهاد القضائي، عن لائحة قراراتها المبدئية التي تُكرس من خلالها الحماية القضائية للحقوق والحريات، وتكشف مساهمة القضاة في مسيرة الإصلاح بمقاربة واقعية مقاصدية تهدف إلى تحقيق الأمن القانوني والقضائي في البلاد. ومن الاجتهادات القضائية، التي أصدرتها المحكمة خلال السنة الماضية، تكريس المكانة الدستورية التي أصبحت للاتفاقيات الدولية في النسق التشريعي الوطني، حيث اعتبرت محكمة النقض أن نقل الطفل من مكان إقامته الأصلية بالخارج إلى المغرب يُعد مخالفة لاتفاقية لاهاي الخاصة بالجوانب المدنية للاختطاف الدولي للطفل. وتفعيلاً لمبدأ المساواة في الحقوق، أيدت محكمة النقض، خلال السنة الماضية، حكماً يقضي بحقوق الإناث في الاستفادة من الإرث ومنافعه بخصوص الأراضي السلالية، استناداً على عمومية صياغة الفصل 6 من الضابط المتعلق بتقييم الأراضي الجماعية المؤرخ في 3/11/1997. وفي مجال الحق في المحاكمة العادلة وضمان حقوق الدفاع، وتكريساً لقرينة البراءة، اعتبرت المحكمة أن قضاء محكمة الموضوع بالبراءة بِعلّة أن مجرد الاشتراك في خدمة الإنترنيت لا يفيد علم المشترك باستغلاله في الاختلاس الدولي للمكالمات، ورتبت على ذلك انتفاء عناصر المشاركة في الأفعال المنسوبة إليه، لتكون بذلك قد أبرزت دواعي عدم اقتناعها، وأعملت الأصل وهو البراءة. وتكريساً لمبدأ الحق في التقاضي كمبدأ أساسي لا يجوز المساس به، أكدت محكمة النقض عدم حصانة أي قرار إداري من الخضوع للرقابة القضائية. كما اعتبرت أن دعوى الإلغاء يمكن أن توجه ضد أي قرار إداري دونما حاجة إلى نص قانوني صريح يجيزها، ورغم وجود مقتضى يحضرها. وفي سياق ضمان محاكمة عادلة بالمساطر التأديبية، أكدت المحكمة أن سلوك الإدارة للمسطرة التأديبية في حق الموظف، الذي يكون رهن الاعتقال دون انتظار البت في وضعيته بمقتضى حكم نهائي حاز لقوة الشيء المقضي به، يجعل المسطرة تتسم بعدم المشروعية لتعذر توصله بالإنذار للعودة إلى العمل، ولعدم إمكانية استخلاص أنه كان في وضعية الترك العمدي للوظيفة. وحرصاً منها على ضمان تمتيع الأجير بحقه في الدفاع عن نفسه وفق مدونة الشغل، أكدت محكمة النقض أن المُشغِّل ملزم قبل فصله للأجير أن يتيح له الفرصة للدفاع عن نفسه، عبر توجيه استدعاء إليه يتضمن البيانات الكافية ضمانا وصيانة لحقوق دفاعه. واعتبرت أن الاستماع إليه من طرف المُشغِّل، بشكل مفاجئ ودون استدعاء، يتعارض مع حقه في الدفاع عن نفسه، ويجعل الفصل الذي تعرض له الأجير متسما بالتعسف ويستحق عنه التعويض. وفي إطار ضمان توثيق العلاقة الزوجية بالنظر إلى ما يترتب عنها من آثار تتعلق بالنسب وغيره، اعتبرت محكمة النقض أن عدم منازعة المطلوب في دعوى الزوجية في التزامه الكتابي بتوثيق الزواج يعتبر إقراراً منه بالعلاقة الزوجية لتطابق الإيجاب والقبول المعتبر ركناً في الزواج، ويغني عن إبراز حالة الاستثناء الواردة في المادة 16 من مدونة الأسرة. وحمايةً لحقوق الطفل، أكدت محكمة النقض أن العقوبة الحبسية في حق الأحداث الجانحين تعتبر استثنائية، وأن اللجوء إلى هذه العقوبة في حق الحدث يستلزم تعليلاً خاصاً قصد إبراز الدواعي والأسباب التي جعلتها ضرورية لظروفه أو شخصيته بدلاً من التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية التي تعتبر مقتضياتها من النظام العام. ومراعاة منها للمصلحة الفضلى للطفل المحضون، قررت محكمة النقض، ضمن اجتهاداتها القضائية لسنة 2018، عدم جواز تعديل نظام الزيارة والحضانة، ما دام ارتباط المحضون بالأم الحاضنة لا يزال قوياً لدرجة لا يمكن فراقه عنها في البلد، فبالأحرى أن يتم السفر به خارجه. وحمايةً لمرفق الصحة العمومي من نزيف الأطر الصحية وضماناً لجودة الخدمات الصحية، استقر اجتهاد محكمة النقض على أن للإدارة السلطة التقديرية التامة في قبول أو رفض استقالة الطلبة الخارجيين والداخليين والمقيمين بالمراكز الاستشفائية، تبعاً لما تقتضيه المصلحة العامة، ولسد الخصاص الحاصل في الأطر الطبية بمرافق الصحة العمومية.