هو اختبار صعب أن أتوقف عن الكتابة من أجل حدث عابر مثل الانتخابات لأترك لي مساحة للراحة من عناء الكتابة وحرقة الأسئلة المؤرقة التي لا تنتهي، وأيضا هي وقفة لمتابعة الفعل السياسي المهزلة و الفاعلين السياسيين وأخر اختراعاتهم من فن الكذب والخداع لاستقطاب الناخبين، أما وقد انتهى العرس الانتخابي وأغلقت الدكاكين السياسية أبوابها وانتهى الماركوتينغ السياسي بمعرفة من انتصر ومن انهزم، فإني أجد نفسي مرغما لمعانقة أسئلتي الانطولوجية من جديد والاستمرار في البحث عن إجابات شافية ومقنعة، ربما أتوصل في النهاية إلى الحقيقة الغائبة. المهم أنا الآن أتخلص شيئا فشيئا من البرامج الغليظة ومن الوعود المعسولة التي وزعتها الأحزاب السياسية بكل أطيافها على الناخبين لاستمالتهم في المشاركة في الانتخابات، وأيضا أتخلص من تهافت الحملة الانتخابية ومن وجوه الساسة التي تحمل أكثر من قناع. المهم أنا في حالة تساؤل دائم و تساؤلاتي هي نفسها التي أطرحها في كل عرس انتخابي وهي: أولا ما الفرق بين الانتخابات السالفة والحالية ونحن نلاحظ استمرار استحكام البرجوازية المتعفنة في قواعد اللعبة السياسية بالمغرب ولازال تهافت الأحزاب على مساندة الأعيان لكسب رهان الانتخابات. ثانيا إلى أي حد تعبر نسبة المشاركة 45 % - دون أن نأخذ بعين الاعتبار البطاقة الملغاة و البطاقات المصوتة بلا والنتيجة النهائية هي أقرب إلى نسبة 30 % - على مصداقية الانتخابات التي رصدت لها الدولة اعتمادات مالية ضخمة مشاركة منقطعة النظير خاصة وأنها تأتي تتويجا للدستور الجديد الذي صوت عليه المغاربة بنسبة مئوية كبيرة، فما السر إذا في تراجع نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية إلى هذه النسبة المخجلة إذا كان هناك إجماع على الدستور!؟ ثالثا إلا أي حد استطاع الناخب المغربي أن يتخلص من العاطفة في اختياره الانتخابي لمن يراه صالحا وكفؤا ليمثله في قبة البرلمان، و الملاحظ في معظم الاستحقاقات التي شهدها المغرب أن الناخب المغربي لازال أسير أهواءه وأسير الدعاية و الموضة الانتخابية ولازال يطغى على توجهه الانتخابي إما منطق القبيلة أو الغنيمة أو العقيدة أو العقيدة وهي كلها منطق واحد لسياسة بعيدة كل البعد عن الحداثة السياسية وعن مجتمع المدينة الذي يؤسس سياسته على المواطنة الحقة و الإرادة الحرة في الاختيار، و لاشك أن منطق العقيدة هو الذي كانت له الغلبة في الانتخابات الأخيرة ربما في نظري الشخصي تبعا للموضة الجديدة التي دشنها حزب العدالة والتنمية التركي والتي ترى في الاسلامويين الحل السحري لجميع المشاكل. رابعا إلى أي حد تمثل الأحزاب السياسية المغربية الفعل السياسي الحقيقي اليومي وتساهم في التأطير السياسي و في التوعية السياسية للشباب المغربي و الملاحظ هو العكس من ذلك بالمرة فالأحزاب السياسية المغربية التي تنام دهرا و لا تستيقظ إلا عند الانتخابات هي التي ساهمت بانتهازيتها المفرطة في فقدان الكثير من بريق السياسة وشرعيتها في كثير من عيون المغاربة وساهمت في نفور الكثير من خيرة الشباب المغربي من الفعل السياسي وما يدور حوله من وصوليين إلى حركات احتجاجية كحركة عشرين فبراير التي أصبحت تستقطب الكثير من الشباب، و لاشك أننا لو حاولنا معرفة سر نجاح حزب العدالة والتنمية المغربي في انتخابات 25 نونبر لوجدنا أنه نجاح بمنطق الدعوة لا بمنطق السياسية خاصة إذا علمنا احتكار الحزب للدين و ما أدراك ما هو الدين في حسم الأمور على أرض المعركة، ومن هذا المنطلق وحتى لا يحتكر هذا الحزب لوحده الدين لابد أن تعي الأحزاب السياسية المغربية برمتها قيمة الدين كسلاح استراتيجي فتتحول إلى إمارات إسلامية على رأس كل إمارة زعيم روحي يعطي أوامره المطاعة أو أن تتحول إلى زوايا لتحفيظ القرآن و للتحريض على عدم موالاة الكفار وإلى السمع و الطاعة استعدادا ليوم الحسم الانتخابي. إننا بملاحظاتنا الأربعة هذه وفي خضم تقييمنا وتحليلنا لنتائج استحقاق 25 نونبر إنما نريد أن نصل إلى رسالة مفادها أن المغرب و إن كان هو الرائد العربي و الإسلامي في تجربته الديمقراطية المتميزة و المشهود بها عربيا و دوليا فإنه لازالت أمامه مسافة طويلة لتأصيل حياة ديمقراطية حقيقية تقوم على استيعاب درس الحداثة السياسية التي تنبني على حياة حزبية حقيقية قوامها ترسيخ تعددية سياسية فاعلة ومؤثرة لا تعددية حزبية تساهم في تفريخ المزيد من الأحزاب و تساهم أيضا في تشكيل خلطة غريبة و عجيبة من الأحزاب و من الرموز الحزبية التي أضحكتنا كثيرا في هذه الانتخابات و التي لم تسعفنا لا التحليلات السيميولوجية و لا الانتروبولوجية في فك دلالتها، وأيضا حداثة سياسية تقوم على سياسة مدنية لا يتم من خلالها استغلال الدين من طرف على حساب طرف أخر فالدين له مكانه في جميع قلوب المغاربة وجميع المغاربة مسلمون.وأنه لوتم استغلال الدين من طرف الجميع فستكون لذلك عواقب وخيمة....