ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الأستاذ حبيب المالكي: لا بد من إصلاحات لقانون الأحزاب و مدونة الانتخابات

في هذا الحوار، الذي نستضيف من خلاله الأستاذ حبيب المالكي، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نقف مع ضيفنا على جملة من القضايا التي باتت تشغل اهتمام شريحة واسعة من الرأي العام ومن النخبة السياسية والمثقفة الوطنية، ونقصد بذلك المسألة الاجتماعية وواقع الحوار الاجتماعي ببلادنا، والخريطة السياسية بعد الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، إضافة إلى موضوع الكتلة الديمقراطية ومشروع قطب اليسار، وكذا الوضع الداخلي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد مضي سنة على مؤتمره الوطني الثامن، ومواضيع أخرى ذات صلة. وفي ما يلي نص الحوار:
الأستاذ حبيب المالكي، اسمحوا لي، أولا أن أبدأ معكم هذا الحوار انطلاقا من مسألة لطالما اعتبرت ركيزة من الركائز الأساسية التي اعتمدها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في بناء وتطوير خطابه السياسي، ونقصد بذلك المسألة الاجتماعية، كيف تقيمون الوضع الاجتماعي في بلادنا؟
لا شك في أن المسألة الاجتماعية تعتبر محورية في تطور المجتمع وبناء مواطنة جديدة، كما أنها تطرح الآن، أقصد على المستوى الوطني، بحدة، وذلك نتيجة لتعميق الفوارق الاجتماعية التي أدت، من بين ما أدت إليه، إلى تضخم هوامش المدن وارتفاع مستوى الهشاشة الاجتماعية. ويعتبر هذا الوضع، في اعتقادنا، من أهم معوقات التطور السياسي في بلادنا. وأعطيكم مؤشرا مهما على ذلك. فالانتخابات الأخيرة التي شهدتها بلادنا خلال هذه السنة أبرزت، من جديد هذه الظاهرة، والمتمثلة في استفحال ظاهرة السوق الانتخابية التي لا تعتمد على المنافسة الشريفة، بقدر ما ترتكز على بيع وشراء عدد كبير من أصوات الناخبين. كما أن المسألة الاجتماعية تطرح، بالإضافة إلى ذلك، بحدة على ضوء الخصاصات المختلفة المسجلة في قطاعات اجتماعية أساسية مثل ميدان الشغل والسكن والصحة والتعليم والنقل، لا فقط كنتيجة للتحول الديمغرافي، ولكن كذلك لتحولات المجتمع التي أفرزت بدورها حاجيات جديدة، خاصة لدى فئات الشباب والنساء. كما أن طبيعة السياسة الاقتصادية العامة المتبعة منذ نهاية التسعينيات من القرن الماضي ساهمت هي الأخرى في تعميق الفوارق الاجتماعية، من خلال تفقير الفئات الوسطى، حيث إن التنمية البشرية لم تشكل أسبقية الأسبقيات، إلا مع انطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في منتصف العشرية الحالية.
فالمغرب اليوم في حاجة إلى استراتيجية اجتماعية متكاملة لتساعد على الرفع من مردودية البرامج الجاري بها العمل في إطار المبادرة الوطنية. وهنا، ينبغي التذكير بأن حزبنا قد تخلى عن مواصلة التفكير في كل ما له علاقة بالبعد الاجتماعي للتنمية الاقتصادية في السنوات الأخيرة، خاصة أن المسألة الاجتماعية تشكل، كما أشرتم إلى ذلك في سؤالكم، هويتنا. ويكفي التذكير هنا بأن أغلب المعارك التي خضناها منذ نصف قرن كانت تهدف، بالأساس، إلى جعل الإنسان المغربي يحيا حياة كريمة داخل مجتمع يصون له كرامته، ويضمن له شرط تحقق مواطنته ومن ثم إنسانيته.
وأعتقد أن هذا الوضع، المرتبط بالمسألة الاجتماعية، هو ما أثر سلبا على مفهوم السياسة وعلى الممارسة السياسية أيضا، حيث أصبحت السياسة (إذا صح التعبير) سجينة السياسة، وبالتالي بدون أي امتداد اجتماعي أو ثقافي. ومن ثم، أصبحت السياسة جسدا برؤوس متعددة، لكن، وهذه هي المفارقة، بدون أرجل في الميدان.
وما هو دور الحوار الاجتماعي في كل ذلك؟
ينبغي أن نسجل هنا مأسسة الحوار الاجتماعي في إطار جولات منتظمة خلال السنة، وهو ما نعتبره يجسد إرادة سياسية معلنة. لكن، رغم ذلك، فإن هذه المنهجية مازالت في طور التأسيس ولم تساعد، لحد الآن، على خلق جو يتسم بالثقة المتبادلة، من أجل الوصول إلى نتائج مقنعة لجميع أطراف هذا الحوار. فتطوير هذه المنهجية مع إنضاجها يتطلب، بالضرورة، تنزيل الحوار إلى المستوى القطاعي، أي إشراك القواعد والأطر المعنية في سياق متكامل يلزم الجميع. إن الحركة الاجتماعية المغربية، بمدها وجزرها، تسعى لأن تكون فاعلة ومساهمة في خلق علاقات جديدة تساعد على دعم الاستقرار الضروري للرفع من وتيرة النمو. وهنا، ينبغي لنا أن نسجل أن الحركة الاجتماعية تعيش تحولا نوعيا من خلال انفتاحها واهتماماتها بكل ما له علاقة بتحديث المجتمع وتحديث العلاقات داخله. وتكفي الإشارة هنا إلى الاهتمام ببعض القوانين ومشاريع القوانين التي تدعم مسألة الحوار الاجتماعي ونقصد بذلك: قانون النقابات وقانون الخادمات في البيوت وقانون التعاضد ومشروع إحداث صندوق التعويض عن فقدان الشغل، ثم أخيرا القانون المحدث للمجلس الاقتصادي والاجتماعي.
سننتقل، الآن، إلى موضوع الانتخابات التي جرت خلال سنة 2009، كيف يمكنكم تقييم هذه الاستحقاقات بالنظر إلى النتائج التي أسفرت عنها؟
بالفعل، لقد عاش المغرب مسلسلا انتخابيا معقدا وطويلا خلال السنة الحالية، وهو المسلسل الانتخابي الذي انطلق بالانتخابات الجماعية وانتهى بتجديد ثلث مجلس المستشارين، مرورا بالانتخابات المهنية وانتخاب مجالس الأقاليم والعمالات ثم المجالس الجهوية، والنتيجة، كما لاحظ ذلك جميع المتتبعين، كانت عبارة عن مشهد سياسي جديد وغير قار، وحامل لتطورات سريعة ومفاجئة.
وهنا ينبغي التذكير بأنه جرت العادة، في البلدان ذات التقاليد الديمقراطية، أن تمثل الانتخابات عنصر استقرار ووضوح، ومفتاحا للقضايا المرتبطة بحياة المواطنين، لأن الانتخابات في تلك البلدان تؤدي إلى تكوين مجالس غير مطعون فيها، نظرا لأنها تمثيلية وشرعية، كما أنها تخضع لمنطق الأغلبية والأقلية، بمعنى أن الأغلبية تحكم والأقلية تشكل المعارضة الضرورية.
فالانتخابات الأخيرة التي عشناها لم تخضع لنفس المنطق، كما أنها لم تشكل خطوة إلى الأمام في البناء الديمقراطي السليم، حيث إن شبكات مفسدة قوية التأثير مكونة من تجار الانتخابات، إضافة إلى تدخلات عديدة على مستويات مختلفة... كل ذلك أدى إلى تأزيم الأوضاع وإلى تشويه النتائج النهائية للمسلسل الانتخابي. ولعل الخاسر الأكبر، في نهاية الأمر، من جراء ذلك هي الديمقراطية وهو عنصر الاستقرار ببلادنا. لذلك، لا بد من إدخال إصلاحات على مستوى قانون الأحزاب وعلى مدونة الانتخابات، في إطار حوار وطني واسع، لجعل المحطات الانتخابية المقبلة مصدر تقدم لا مصدر تراجع.
ماذا عن طبيعة التحالفات التي شهدتها هذه الانتخابات، ونقصد بذلك التحالفات التي أجراها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
أود التوضيح، بخصوص هذه النقطة، بأن تاريخ حزبنا وهويته وثقافته والقيم المؤطرة لسلوك قادته ومناضليه ونظرتهم لمغرب الغد، كلها عوامل تمنعنا من ممارسة الازدواجية والغموض في هذا المجال. وبطبيعة الحال، فإن المشهد السياسي المغربي لا يخضع لمنطق واحد، نظرا لطبيعة التناقضات التي تتحكم فيه، وكذا لطبيعة الأحزاب المشكلة له والفاعلة فيه وعلاقاتها بعضها ببعض، المعلنة منها وغير المعلنة، كل ذلك يتطلب، من جهة، وضع خطوط حمراء، ومن جهة أخرى العمل بالمرونة اللازمة للدفاع عن واقعنا، أي ممارسة نوع من البراغماتية التي لم تكن من تقاليدنا الأساسية بالأمس، في تعاملنا مع الآخرين. فحتى البراغماتية لها قواعدها، فهي لا تعني الفوضى من خلال التعامل مع أي كان.
لكن المثير حاليا هو أن المشهد السياسي المغربي، رغم طبيعته وتناقضاته، أصبح مشهدا أملس، كل وديانه تصب في اتجاه واحد، وهذا ما يحد من حركية الحياة السياسية ببلادنا ومن النقاش والجدل في غياب تباين معلن على مستوى المواقف واختلاف صريح في الآراء. لكننا ننسى دائما، مع ذلك، أن بريق العمل السياسي لا يوجد فقط في المؤسسات الوطنية المنتخبة، بل يوجد أصلا في ما هو محلي، ذلك أن قوة هذا « المحلي « من خلال شرعيته ومصداقيته هي التي تجعل مما هو وطني « وطنيا « فعلا ومن المحلي « محليا « أيضا، والأكيد أن القواعد الديمقراطية تثبت ذلك.
لكن ما عشناه، منذ شهر يونيو الأخير، لا يطمئن، حيث إن عملية خلط الأوراق لا تساعد على توضيح الرؤية. ومن ثم، فإننا مطالبون بممارسة النقد، بل والنقد الذاتي إذا ما دعت الضرورة إلى ذلك، لأننا نؤمن بأن رسالتنا التاريخية هي رسالة التغيير والإصلاح، على أساس الديمقراطية والحداثة.
لنعد إلى الكتلة الديمقراطية، أي دور كان لها في كل ذلك؟ وما هو رأيكم في وضعها الحالي؟ وكيف تنظرون إلى مستقبلها؟
ينبغي أن نمتلك بعض الجرأة لقول إن الكتلة الديمقراطية أصبحت إطارا مرجعيا راكدا، وهو الوضع الذي جعلها لا تستطيع أن تتطور إلى قوة سياسية ميدانية تكون قادرة على اتخاذ مبادرات تهم حاضر ومستقبل البلاد، خاصة في المحطات الانتخابية. لذلك، فالمسؤولية السياسية باتت تقتضي وقفة تقييمية لتوضيح الرؤية واتخاذ المواقف المناسبة، علما بأن الكتلة لم تساعد على تأسيس ثقافة متينة في مجال التحالف على مستوى التنظيمات المحلية للأحزاب المكونة لها. فالعقليات والسلوكات اليومية والموروث التاريخي والثقافي وغيره، كل ذلك ساهم في تأجيج التناقضات عوض تدبيرها، مما أفرغ الكتلة من محتواها، لتصبح إطارا يفتقد الجاذبية والفعالية اللازمتين. لكن الاستمرار في التغيير وفي الإصلاح يحتاج منا إلى عمل وحدي متجدد.
وماذا عن الأصوات التي أصبحت تنادي بضرورة خلق قطب يجمع أسرة اليسار؟
الجميع يعلم أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حزب يساري وينتمي إلى أسرة اليسار، وأن أفقه الطبيعي يتجلى في تكوين قطب يساري قوي. لكن يبقى السؤال هنا هو: كيف يمكن تحقيق هذا الاختيار الاستراتيجي؟
وهنا ينبغي التأكيد على أن التذكير بالمبادئ والتشبث بالرمزيات التقليدية لليسار أمر غير كاف لخلق هذا القطب المطلوب. فاليسار مطالب، أساسا، بخلق علاقات جديدة بين مكوناته، في أفق البحث عن الأسباب العميقة التي أدت إلى بلقنته وتشتيته وإضعافه، أي إلى الوضع الذي يوجد عليه اليوم.
فالأكيد أن العوامل الذاتية والأنانيات المختلفة والقفز على الواقع... كلها عوامل ساهمت في جعل اليسار يفتقد إلى المبادرة. وبالتالي، فإن معالجة هذا الوضع تتطلب نوعا من التدرج ومن التحلي بالواقعية لتوفير الحد الأدنى من التوافقات، حتى لا نكرر أخطاء الماضي.
ورغم ذلك، يمكننا أن نتساءل: لماذا لا نفكر جميعا في وضع ميثاق مشترك يحدد المبادئ والأهداف والوسائل الممكنة؟
إن مثل هذه الأرضية أصبحت ضرورية لتحديد أفق مشترك عبر مراحل تساعد على استرجاع الثقة، وإعادة الاعتبار للعمل الوحدوي ولثقافة اليسار.
بعد أيام قليلة، سيلتئم جمع المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية : أين وصل تطبيق مقررات المؤتمر الوطني الثامن الذي مرت عليه سنة حتى الآن؟
بالفعل، سيعقد مجلسنا الوطني خلال يومي 5 و 6 دجنبر دورته العادية، وهو الذي يشكل المجال الطبيعي لمناقشة كل القضايا التي تقلق المناضلين واليسار المغربي والرأي العام الوطني. فكل القضايا التي تحتاج إلى توضيح ستجد طريقها إلى النقاش الصريح الهادئ والشفاف، بما يساعد على تقوية حزبنا وضمان تماسك صفوف مناضليه. فالثقافة الاتحادية لا تتحمل المسكوت عنه، كما أنها لا تتبنى مقولة « كم حاجة قضيناها بتركها «، لأن الثقافة الاتحادية هي ثقافة شمولية ومنفتحة بطبيعتها ولا تختزل وضعا ما في عامل وحيد يتيم ومعزول لتخلص إلى موقف ضعيف لا يستجيب لمتطلبات المرحلة.
بالفعل، لقد مرت سنة على انعقاد المؤتمر الوطني الثامن، ومن الضروري مناقشة أين وصلنا في احترام الأولويات التي حددها المؤتمر، وعلى رأسها مواصلة الإصلاحات السياسية والدستورية من جهة، والمسألة التنظيمية من جهة أخرى. فعلى المستوى الأول، فإن الإشكال المطروح لا يتعلق بالمشاركة من عدمها، بقدر ما يهم أسلوب تدبير هذه المشاركة والصيغ الإجرائية الكفيلة بتعزيز موقع الاتحاد ليقوم بدور المحرك والفاعل مع حلفائه، في أفق التغيير و الإصلاح.
أما على المستوى الثاني، فالاهتمام بالأداة الحزبية أصبح حيويا بالنسبة لمستقبل الاتحاد. لذلك، ينبغي أن نشير إلى أن الوقت قد حان لتحديد رؤية واضحة تهدف إلى تعميق الديمقراطية الداخلية، وتعزيز الوحدة الحزبية، مع احترام الاختلاف المسؤول والفعالية داخل المجتمع، وذلك من خلال انفتاحنا على الجيل الجديد من القوات الشعبية.
ومن أجل كل ذلك، سيعقد حزبنا، في ربيع السنة المقبلة، ندوة وطنية خاصة بإشكالية التنظيم، وسيكون من المناسب أن نعلن سنة 2010 سنة إعادة بناء الحزب، تركيزا لثقافة تنظيمية جديدة تساعد على مواجهة تحديات القرن .
قبل أن نختتم هذا الحوار، أود منكم الأستاذ المالكي أجوبة عن ثلاثة أسئلة سريعة:
ما هي طبيعة علاقتكم بالدائرة الانتخابية التي تمثلونها؟
إنها علاقة حميمية ومستمرة ويطبعها كثير من الصدق والوضوح والتلقائية. ولقد دأبت دائما على القول إن دائرة وادي زم أبي الجعد هي وطني الصغير. فالمحلي، كما أشرت إلى ذلك قبل قليل، هو الذي يعطي معنى لما هو وطني، وبالتالي، فإن تجديد النخب يمر، بالأساس، عبر ما هو محلي. كما أن بناء مدرسة سياسية مغربية تنتج النخب، يبقى رهينا بمدى تجذرنا في التربة المحلية.
ما ذا تقرأ هذه الأيام؟
في الحقيقة أنا لا أقرأ كتابا واحدا بل ثلاثة كتب دفعة واحدة، وهي عادة دأبت عليها منذ سنوات طويلة لخلق استراحات فكرية دون الابتعاد عن فعل القراءة. ويتعلق الأمر ب كتاب « ديوان السياسة « للأستاذ عبد الله العروي، الذي اعتبره بالإضافة إلى كونه مؤرخا لامعا مفكرا مستقلا في آرائه، كما أن ملاحظاته تدخل في نسق عام يهم إشكال تطور وتحديث المجتمع. فهو بالنسبة لي بمثابة وقود فكري.
والكتاب الثاني هو الجزء الأول من السيرة الذاتية للرئيس السابق للجمهورية الفرنسية جاك شيراك، وهو كتاب يظهر مدى تجذر صاحبه في التربة الفرنسية. ولعل من أهم ما يثيره هذا الكتاب هو أن ممارسة السياسة تحتاج إلى مشروع فكري لا يخضع للتقلبات المناخية، بقدر ما تجعله يستفيد منها، وهذا يتطلب بدوره أن يكون الإنسان عملة صعبة لا عملة قابلة للاستهلاك.
أما الكتاب الثالث والأخير، فهو للمفكر الفرنسي جاك أتالي وهو بعنوان Survivre à la crise ، أي العيش أمام الأزمة، حيث يطلعنا على بعض الوصفات على المستوى الشخصي وعلى مستوى الأفراد كيفما كان موقعهم في هرم المسؤولية، ليجعلوا من الأزمة أداة لتقوية وجودهم، معتبرا أن الأزمة ليست عابرة وإنما هي مستديمة.
وأستطيع القول إن ممارسة السياسة بدون فكر تتحول إلى صحراء قاحلة بدون واحات، ولعل هذا الوضع هو ما أعتبره الخطر الحقيقي الذي يتهدد العالم العربي أكثر من غيره. فالسياسة بدون فكر تصبح عنصر تفكك وانقسام، لأنها تفتقد إلى مشروع مستقبلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.