بعزم راسخ للمساهمة في التغيير الجاري بالمغرب وتوطيد البنيان الديموقراطي، يتوجه الناخبون المغاربة، من مختلف الأعمار، وذلك منذ الساعات الأولى لهذا اليوم نحو مكاتب التصويت بالرباط من أجل اختيار المرشحين الذين يرونهم أهلا لتجسيد طموحاتهم لمستقبل أفضل. ويجد أعضاء مكتب التصويت لإعداد كل ما يلزم لضمان مرور ساعات الاقتراع ضمن الضوابط القانونية والقواعد الديمقراطية، وذلك لاستقبال الناخبين الذين يتسلمون، بعد التأكد من هويتهم، ورقة فريدة قبل الولوج إلى المعزل ووضع علامة مميزة على اختيارهم ووضع الورقة في الصندوق .. وهي العملية التي تنتهي بوضع علامة بحبر غير قابل للمسح على أيديهم لتفادي تصويتهم مرة أخرى. طوال صباح اليوم الجمعة، شيبا وشبابا، رجالا ونساء، ومن جميع الشرائح الاجتماعية، لبى العديد من الناخبين نداء الوطن، وأجمعوا على أن هذه الانتخابات السابقة لأوانها تعبد الطريق من أجل مستقبل أفضل للأجيال المقبلة، كما أنها تكتسي أهمية خاصة لكونها الأولى في ظل الدستور الجديد. فبالرغم من التزاماتهم، تدفق العديد من الناخبين لتأدية واجب المواطنة الذي يعتبرونه، بصفة عامة، "عاملا حاسما من أجل تحقيق الأهداف المسطرة في الدستور الجديد". أمام باب أحد مكاتب التصويت بثانوية المحيط، في قلب الحي الذي يحمل الاسم نفسه، يخرج كمال (تقني يبلغ 24 سنة) بعدما أدلى بصوته للمرة الأولى خلال هذه الانتخابات التشريعية الاستثنائية، "لقد كنت - يقول كمال في تصريح لوكالة المغرب العربي للانباء- مصمما للذهاب إلى صناديق الاقتراع للتصويت للحزب الذي أعتبره الأكثر نزاهة والأسمى ثقة والأهم مكانة لترجمة وعوده على أرض الواقع". وحول انتظاراته من الحكومة المقبلة، أعرب كمال عن أمله في أن تولي الحكومة اهتماما خاصا لقطاعات الصحة والتعليم والتشغيل في إطار حكامة تقطع نهائيا مع ممارسات الفساد والزبونية وتضع "الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة حسب معايير الكفاءة والاستحقاق والنزاهة". وبأحد مكاتب التصويت بحي حسان، يرى رجل خمسيني، قام بواجبه المدني للتو رفقة زوجته أن "طريق المواطنة تمر عبر التصويت، يتعين على المواطن أن يكون له موقف إزاء ما يقع في بلده". مبرزا أن الانتخابات "مرحلة ضرورية من أجل استمزاج آراء السكان حول التغييرات الجارية". وأصر عبد الله، ناخب آخر يبلغ 42 سنة، على أن يكون قدوة لابنته الصغيرة في روح المواطنة حينما اصطحبها أثناء التصويت لتوعيتها بهذا "الفعل المواطن"، هذا التصويت يشكل حقا وفعلا ديموقراطيا - يضيف عبد الله - لكونه يفتح عهدا جديدا أمام الشعب المغربي ويجسد مرحلة مهمة بالنسبة للمغرب العازم على السير في طريق الأمم الكبرى. بمدرسة أخرى حيث تم فتح مكتب للتصويت، تحذو مواطنين آخرين رغبة أكيدة للمساهمة في بناء الصرح الديموقراطي الذي جاءت به الإصلاحات المتضمنة في الدستور الجديد، ويتعلق الأمر بمدرسة "المسيرة الخضراء" بالحي الشعبي العكاري حيث ارتفع توافد الناخبين بعد صلاة الجمعة. وتحدثت رحمة العثماني، ربة بيت ذات 59 ربيعا، وهي ترفع أصبعها الموسوم بالحبر الخاص بفخر، عن الآمال العريضة التي تدفعها للمشاركة في هذه الانتخابات. "أريد أن يسير المغرب نحو الأمام - تقول رحمة ؟ أن يتم القضاء على الرشوة، أن نشكل جبهة لمواجهة مشاكل المجتمع، أنا مقتنعة بأن الذهاب إلى التصويت يعد خطوة كبيرة في طريق التغيير الذي نتطلع إليه". زوج في الخمسينيات، جاء للتصويت يدا في يد، تعلو وجه الرجل وزوجته تباشير التفاؤل بنتائج هذه الانتخابات. ويأمل هذا الرجل أن "يغير هذا التصويت وجه المغرب"، مؤكدا على أن زوجته وأبناءه شاركوا دوما بانتظام في الاستحقاقات الانتخابية، تحركهم إرادة المشاركة في المسلسل الديموقراطي الذي يعيشه البلد وممارسة كامل حقوق المواطنة. الحماس ذاته يغمر الناخبين بثانوية ابن سينا، الواقعة بالحي الراقي السويسي، كما في مكتب تصويت آخر بأكدال حيث يقف صف من الناخبين أمام مكتب التوجيه لمعرفة مسطرة التصويت. وفي رأي أسماء، ناخبة في الثلاثين من عمرها، فإن المشاركة في الانتخابات "واجب وطني" على كل المواطنين تأديته لأنه يخدم مصالحهم أولا وتطلعاتهم من أجل مستقبل أفضل. وأضافت أن المصادقة على دستور جديد يضمن حريات وحقوق أكبر يشكل "دافعا آخر" من أجل التصويت. غير بعيد، يقترب رجل ثمانيني متكئا على عصاه من مكتب التصويت، لم يمنعه سنه الكبير ولا صحته الهشة من القدوم إلى التصويت، قائلا "صممت للمجيء إلى التصويت لثقتي التامة في الإصلاحات التي جاء بها الدستور الجديد". ويبدو أن أجواء الحماس داخل مكاتب التصويت تدل على عزم الناخبين على اتخاذ قرارهم بخصوص المرشحين الذي سيحققون تطلعاتهم وطموحاتهم نحو التغيير وغد زاهر.