لأن تونس عرفت تراكمات تاريخية لعلمانية بوركيبة، ولأن إسلامها "المعتدل" ساهم في بناء مجتمع مدني لا تتجاوز فيه الأمية 5 بالمائة، شعل محمد البوعزيزي شرارة ثورة الياسمين في آخر عام 2011، لتتلاحق فيما بعد، وبالتتابع "المنظّم"، ثورات مصر، ليبيا، اليمن وسوريا... حينها، وبغض الطرف عن المؤامرة، انطلقت ألسن الشيوخ والعلماء تبارك وتدعو إلى الجهاد ضد أنظمة كانوا بالأمس يأكلون معها. لقد اضطر هذا الفصيل أو النوع من المنظّرين إلى اتباع الجماهير الشعبية ومباركة عملهم، حينها تساءلت: من يتبع من؟ هل الشعوب تتبع العلماء أم العكس؟ ولنكن صرحاء: هل هؤلاء ينتهزون؟ الجواب صعب المنال، ذلك أننا لو تعمقنا في صميم المشكل سنجد أن الإسلام السياسي الحاكم بالدين منذ القرن الأول الهجري، نكّل بهؤلاء، وعلى رأسهم، في النظرية السنية، كل أئمة المذاهب الأربعة، هذا ما تولد عنه، حسب منتقدي العقل العربي، شرْخ بين السلطة السياسية والسلطة الفكرية. قد يساهم هذا في شرح بعض تخلفنا عن الركب، كما يشرح نوع الأزمة التي يعاني منها عقلنا. وعليه، وارتباطا بالموضوع ذاته، يشرح لنا كذلك سلوك بعض أو جل "القادة" في المجال الديني ببلادنا، الذين يخضعون وينْثنون لمطالب المحسنين، مثلا، في أمر بناء المساجد، هؤلاء "العلماء" الأفاضل كثيرا ما يواجهون انتقادات الجمهور بخصوص توجهات المحسنين، الذين لا يفضلون عملا صالحا أو لنقل ينحصر طموحهم في بناء المساجد، يقولون وهم رؤساء للمجالس العلمية ببلادنا: أصحاب الأموال من المحسنين هم من يرغبون في ذلك. كأنه، بمفهوم المخالفة، لو أراد هؤلاء بناء مسرح أو ناد لكان ذلك ! القضية، كما أظن، لا تتعلق باحترام حرية الاختيار والإرادة، بقدر ما نتساءل من جديد: من يوجّه الآخر؟