الحصيلة السنوية للأمن الوطني: تراجع قضايا الابتزاز الجنسي باستعمال الأنظمة المعلوماتية بنسبة 23 بالمائة            الفصائل السورية تتفق مع أحمد الشرع على حل نفسها والاندماج مع وزارة الدفاع    تفاصيل الاجتماع الأول لفدرالية الصحافة الرياضية بالمغرب    النسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين بالفوج 39 للقوات المسلحة الملكية بجرسيف    المجلس العلمي الأعلى يتحفظ على ثلاث مسائل في تعديلات مدونة الأسرة    التوفيق يقدم رؤية عميقة حول العلاقة التي تجمع إمارة المؤمنين بالعلماء ويُبرز آليات إصدار الفتوى في حالة مدونة الأسرة    احتفالا بالصناعة التقليدية المغربية.. حفل انطلاق النسخة الثانية من برنامج" الكنوز الحرفية المغربية"    يوسف النصيري يرفض عرض النصر السعودي        توقيع اتفاقية بين المجلس الأعلى للتربية والتكوين ووزارة الانتقال الرقمي        الشبكة الدفاع عن الحق في الصحة تدعو إلى التصدي للإعلانات المضللة        أ. الدشيرة يفوت على ا. يعقوب المنصور فرصة الارتقاء للصدارة    الملك يشيد بالعلاقات الأخوية مع ليبيا    السكوري: القانون التنظيمي يراهن على منع المشغلين من "شراء الإضراب"    "أفريقيا" تطلق منصة لحملة المشاريع    تنزيلا للتعليمات الملكية.. هيئة مراجعة مدونة الأسرة تكشف عن التعديلات المعتمدة وهذه أهمها    أول دواء مستخلص من «الكيف» سيسوق في النصف الأول من 2025    مجلس الحكومة يتدارس أربعة مشاريع مراسيم    ما أسباب ارتفاع معدل ضربات القلب في فترات الراحة؟    الإصابة بالسرطان في أنسجة الكلى .. الأسباب والأعراض    نظرية جديدة تفسر آلية تخزين الذكريات في أدمغة البشر    تفاصيل التعديلات ال16 في مدونة الأسرة.. تضمنت تقييد الاعتراف بزواج الفاتحة    عودة نحو 25 ألف سوري إلى بلدهم منذ سقوط نظام الأسد    الصين تكشف عن مخطط جديد لتطوير اقتصاد الارتفاعات المنخفضة    تركيا: مقتل 12 شخصا على الأقل في انفجار في مصنع ذخيرة    برقية تعزية من الملك محمد السادس إلى أفراد أسرة المرحوم الفنان محمد الخلفي                مستشار الأمن القومي بجمهورية العراق يجدد موقف بلاده الداعم للوحدة الترابية للمغرب    الإعلان عن تشكيلة الحكومة الفرنسية الجديدة    العصبة تكشف عن مواعيد مباريات الجولة ال17 من البطولة الاحترافية    "فيفبرو" يعارض تعديلات "فيفا" المؤقتة في لوائح الانتقالات    مختص في النظم الصحية يوضح أسباب انتشار مرض الحصبة بالمغرب    وعكة تدخل بيل كلينتون إلى المستشفى    الفتح يقسو على "الكوديم" بخماسية    "بيت الشعر" يقدم "أنطولوجيا الزجل"    المغرب يشارك في أشغال الدورة الأولى لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب بالرياض    موظف بالمحكمة الابتدائية بطنجة خلف القضبان بتهمة النصب وانتحال صفة    موانئ الواجهة المتوسطية: انخفاض بنسبة 17 بالمائة في كمية مفرغات الصيد البحري عند متم نونبر الماضي    اختطاف المخيم وشعارات المقاومة    تقديم «أنطولوجيا الزجل المغربي المعاصر» بالرباط        "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



احترق البوعزيزي...فهل المغرب مختلف؟
نشر في هسبريس يوم 06 - 02 - 2011

واضح أن ثورة الياسمين، قد طردت الخوف من قلب المواطن العربي؛ وزرعته شوكا في بلاط الملوك و الحكام. ها قد أشرقت شمس النخوة و الكرامة من جسد البوعزيزي، فأحرقت تجبر وطغيان زين العابدين بن علي. لم يدر في خلد أحد أن اللحظة التي كان ينكمش فيها لحم البوعزيزي تحت لهيب التهميش و الذل؛ كان ينكمش معه الخوف العربي. لم يتنبأ حتى المنجمون و سحرة فرعون أن رماد البوعزيزي سينبت فلا في مصر و غضبا في الجزائر
وعصيانا في اليمن و أملا في الأردن و كابوسا مزعجا لحفدة الخميني و الأسد بل حتى ماوتسي تونغ. الكل مشدوه أمام صدمة المشهد. كما أن الكل يتساءل عن منبع اللعنة الهادرة التي باتت تجرف كراسي الظلم والاستبداد بلا هوادة. دبت الكرامة و النخوة في الجسد العربي، بعد سحابة صيف طالت سطوتها؛ منذ رحيل حفدة نابليون و موسوليني و بيلفور و فرانكو و هلم جرا.
احترق البوعزيزي فانتفض الشارع. احترق البوعزيزي فاستيقظ ضمير الانتلجنسيا. احترق البوعزيزي فتذكر الحاكم العربي أن له رعايا و حكومات لا تقل عنه فسادا. احترق الجسد الطاهر، فنبتت البلاد فلا و ياسمين. و ينبت ما لا تعلمون أيها المتجبرون. وكما خرجت النخوة من آهات البوعزيزي، خرجت الدغمائية من قوقعتها النتنة. فصرنا نسمع أن انتقال الشرارة الى أرض الكنانة " كلام فرغ"، وأن امتدادها للجزائر "خرافة"، وأن اندلاعها في المغرب تارة "حتمي" و تارة أخرى "غير وارد"...
نام البوعزيزي على سرير من لهب اللامساواة، فامتطت الوصولية صهوة جوادها في جنح الظلام. فتذكر "متناضلون" فجأة أن لهم وطنا و مواطنون يرزحون تحت دياجير الظلم منذ أكثر من عشرين سنة. احترق البوعزيزي فتنبه البعض أن "ماما أمريكا" قد تساعد على ازاحة عسكري حام للمحتل الاسرائيلي؛ و تعوضه بعالم نووي قصم ظهر العراق و أغرقه في الفتنة. احترق البوعزيزي فظهر في بلادي ملكيون أكثر من الملك نفسه. احترق البوعزيزي فطل على بلدي عدميون أكثر من العدمية نفسها. احترق البوعزيزي فتفجر حنيني للجابري وحكمتة، و أرغون ويقظته، و المنجرة و نبوءته... لماذا نصمت عندما يكون لابد من الكلام؟ لماذا يصمت المثقف في بلادي و يترك الساحة للسياسي "الديماغوجي" الذي يخطب في الناس فيقول" الحمد لله في المغرب الملك من قام بثورة الياسمين"؟ لماذا نترك الساحة للصحفي "المأجور" الذي لا يروج للياسمين إلا داخل الأحزاب السياسية؟ لماذا نخلي مسؤولياتنا أمام أمير"نائم" فوق امتيازات الانتماء للملكية ولا يتذكر مغربيته إلا حاقدا علينا؟
عندما أنظر إلى ردود الفعل في الساحة المغربية_بخصوص الانتفاضات العربية_ أجد أنها منقسمة إلى ثلاث طوائف: طائفة المخزن: التي لا تفتأ أن تجعل المغرب مختلفا، و كأنه جزيرة عائمة بعيدة عن العمق الإفريقي و العربي والمغاربي...و كلما أطل علينا الخطاب الرسمي ليذكرنا أننا مختلفون أتذكر"أحمد زكي" رحمه الله في مسرحية "مدرسة المشاغبين"؛ الذي كان يردد طوال المسرحية" أنا وضعي مختلف". طائفة المتعارضين: التي لا تتذكر مغربيتها إلا حاقدة، و لا تستحضر جزء المثقف فيها إلا عندما تبعد عن"بزولة المخزن". فئة تصدق عليها تجربة "بافلوف"، كلما سمعت الرنين تلهث من أجل عظمة السلطة. أثخنتها الانتهازية، و لم تعد تميز بين رنين الجرس، و أزيز الرصاص. طائفة الإمعة: فهي مع"المخزن" عندما تسافر بين صحافته، و إعلامه و أذنابه. و مع "المتعارضين" عندما تسمح لها لغتها الثانية أو الثالثة بمطالعة الصحافة التي تحن للفرانكوية. هذه الطائفة، تصدق عليها النكتة المغربية التي تحكي عن ذلك المسكين الذي تم القبض عليه ثم سئل:" هل أنت معنا أم مع الآخرين؟" فأجاب "معكم" فأردفوا: " لسوء الحظ نحن هم الآخرون".
هل نحن حقا مختلفون عن باقي العرب و الأفارقة؟ هل نحن متشابهون معهم لحد التوأمة؟ ألا يستقيم في بلادي أن تكون طرفا رابعا؟ هل هي كبيرة من الكبائر أن تقول" عفوا لا أقاسمك كل استنتاجاتك"؟
هل نحن مختلفون؟
كباقي الدول العربية، عانينا من ويلات الاستعمار واستغلالاته. وكمثلهم قتّلنا و شرّدنا وأذللنا. كمثلهم هبت علينا رياح الفتوحات، فأسلمنا. كبعضهم رفرف علينا القرآن الكريم، والمعلقات والخطب و المقامات فعرّبنا. كمثلهم أرّقنا عصر الانحطاط، فسارعنا لمحاربته فكرا و شعرا ونثرا...كمثلهم حلمنا باستقلال تام عن الغرب ونهضة، فصحونا على كابوس التسلّط والاستبداد و التبعية. كمثلهم نغرق في الفساد و البطالة و الفقر والتهميش. كمثلهم نورث للأجيال،حلم فلسطين مستقلة عاصمتها القدس. كمثلهم مازلنا نحلم بالتعليم والصحة والشغل والديمقراطية و العدل.. فهل نحن مختلفون رغم كل ذلك؟ لسنا بمختلفين بل مميّزون.
مميّزون لأننا ارتضينا الملكية كمذهب سياسي منذ أكثر من 1200سنة. مذهب سياسي، لم يناقض في السواد الأعظم من مسيرته، مبدأ الشورى والتشاور في القضايا العالقة. ارتضينا الملكية في هذا البلد، فجعلناها جزءا من استقلال البلاد؛ لم نتخلى عنها حتى عندما كان الأمر ممكنا في الفترة الاستعمارية. جنبا الى جنب دافعنا و الملكية عن استقلال البلاد وكرامة العباد. وحتى عندما كانت الملكية مستبدة، كنا نرص الصفوف للدفاع عن وحدتنا الترابية وننسى خلافاتنا. حتى و هي مستبدة دافعنا عن أن تنتقل بسلاسة، وتذكرنا موتانا بالحسنى، فطوينا الماضي.
ولأننا متشابهون مع الدول العربية، ومميزون عنهم؛ فقد ثرنا منذ زمن: في 23مارس 1965 من أجل الحق في التعليم، و في 1981 و 1984 فلقبنا بشهداء "كميرة"(خبزة) وانتفضنا في : صفرو، افني، العيون، الحسيمة، وأحرقنا الأجساد قرب البرلمان... ليس لنزيح الملكية ولكن لنزيح الظلم، وننشد العدالة. نرتضي الملكية في المغرب، ليس خوفا أو تملقا أو هذا ما وجدنا عليه أجدادنا، بل لأننا آمنّا منذ زمن أن الديمقراطية زهرة قد تنبت في النظام الجمهوري كما الملكي، وأن الديكتاتورية قد تكتم الأنفاس في كلا النظامين. ولأجل هذه القناعة، قطعنا في بلادنا مع إطاحة النظام و الثورة والعنف... واتجهنا نحو الحوار والتوافق منذ زمن بعيد. انتزعنا بعض الديمقراطية من الحسن الثاني رحمه الله، دون ازاحته. وأنقذ البلاد والملكية من دون أن يزيحنا. فكيف ينتظرون منا في صالونات فرنسا وأمريكا أن نثور بدموية على ملكية تقلع نحو الأمل، وتبني بنية تحتية دون آبار بترول أو غاز طبيعي؟ كيف يتوقعون منا قلب نظام، قال كلمة الحق حتى في الرجل الذي خرج من صلبه؛ فأسس هيئة لإنصاف مطالب الماضي و رجالاتها، فتصالح الرجال مع تاريخ بلدهم حتى في دمويته و ظلمه؟ كيف نثور في وجه ملك، كانت له الجرأة الكافية ليطلق مبادرة الحكم الذاتي؟ كيف نثور في حضرة ملك ينظر الى بلده من زاوية "الجهوية الموسعة"؟
إن طائفة المتناضلين تحلل المغرب بمعطيات الماضي. وتنظر الى الشعب كقردة "جامع لفنا" التي تقلد ما يفعله السياح. كما أن طائفة المخزن، تنظر الينا كقاصرين عن التحليل والتفكير والفهم؛ فتسارع الى نكتة "الاختلاف". للطائفة الأولى أقول، المغاربة مميزون، و لهم الوعي الكافي و الحكمة اللازمة لبناء دولة المؤسسات والحق والقانون. ولن يثوروا على ملك يقف في الصفوف الأولى للدمقرطة و التحديث. وأقول للطائفة الثانية، نحن متشابهون بالقدر الكافي مع الوطن العربي، و لنا من الشجاعة و القتالية والصبر ما يلزم للعصف بالمخزنة، التي تحن للماضي. و لنا من الإرادة ما يكفي للتصدي للردة السياسية. وأقول للطائفة الثالثة، إننا نحترم ملكنا ونقدر مجهوداته. دون أن نسقط في الشعبوية، فنحن لا نحتاج إلى مظاهرات لنظهر احترامنا. نثمن ما يقوم به جلالة الملك، دون أن نغض الطرف على أن التحديات كبيرة.
فما تغير بين الأمس و اليوم هو إرادة الحاكم؛ و التاريخ الحديث يخبرنا صراحة أن جلالة الملك" محمد الخامس" كان أقرب للتشاور و الحوار مع الحركة الوطنية في بناء المغرب، وبدأ مع القوة الحية مرحلة"الجهاد الأكبر". غير أن المنية لم تمهله الأجل الكافي. فسقطت البلاد بالإرادة أيضا في قبضة الملك الفردي، الذي قادها إلى غرفة الإنعاش. وبإرادة الحاكم أيضا دخلنا مرحة التشاركية و الانفتاح. و بالإرادة خرجت البلاد عن المنهجية الديمقراطية سنة 2002، وبها احترمت في 2007 . فماذا لو فاجأتنا المنون مرة أخرى، و غيبت الإرادة الصادقة؟ ماذا لو وجد أبناؤنا أو أبناء أبنائنا أنفسهم تحت رحمة إرادة مستبدة بالحكم من جديد؟
للوقوف في وجه احتمالات مزعجة، و ثعالب متربصة، لا بد من تحصين الديمقراطية في البلد بالإصلاحات الدستورية. لا بد من التحرك الحكيم من خانة التوافق إلى خانة الديمقراطية. لا بد من نزع السلطة من قبضة المخزن و جعلها في يد المنتخبين. ما أعظم الدولة حينما يكون سقفها الدستور، و ما أعظم السلطة حين تجلس مع الشعب تحت سقف الدستور لا فوقه. ليتنا نتحد ملكية و مواطنين لنخرج من إرادة الياسمين إلى ثورة الياسمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.