حكى لي صديق أنّه ذهب لحضور لقاء تنظمه جمعية وطنية حول موضوع الحكامة الرشيدة، فوجد قاعة الاستقبال مليئة بالناس من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية، يتقدمهم محافظ المدينة ورؤساء المصالح والأقسام ومجموعة من الأعيان المعروفين باختصاصهم في حضور هذا النوع من اللقاءات، فجلس بين الحشد وراح يتأمل ما يقع وهو يقول في خوالجه: يبدو أن هذا النشاط مدعوم من الداخل أو لعله مدعوم من الخارج لتنمية الداخل. بعد لحظات، انطلقت الكلمات الافتتاحية للنشاط لتؤكد كلها على أهمية الحكامة الرشيدة في تحقيق الأهداف المرجوة لتقدم البلاد، فقام صديقي من مكانه متأثرا بحرارة الكلمات والمعاني المعبر عنها والمتفق حولها من الجميع حسب ما حكى لي وطرح سؤالا في القاعة بحضور جميع المسؤولين، حيث قال: لقد تحدثتم عن الأهداف المرجوة لتحقيق التنمية دون ذكرها فهل يمكنكم أن توضحوا لنا تلك الأهداف؟ إذ ذاك أجابه محافظ المدينة على الفور: لا تقلق نفسك، يا ولدي. سوف نأخذ فسحة قهوة ثم نفتح النقاش في الجلسة الثانية وحينها ستكون الإجابة عن كل استفساراتكم. هكذا خرج الحضور إلى البهو وأكلوا ما لذ وطاب من الحلوى وشربوا العصائر والمشروبات، ثم غادر معظمهم القاعة إلى حال سبيله؛ بمن فيهم محافظ المدينة والمسؤولون والأعيان. وأما صديقي فقد حكى لي أنه ظل مصرا على إكمال اللقاء لما يحمله من أهمية بالغة في فهم الواقع.. لذلك، عاد إلى قاعة الندوات وقبع في كرسيه وهو ينظر إلى ثلة من الطبالين والغياطين الذين صعدوا فوق المنصة وراحوا يعزفون بآلاتهم الموسيقية بصوت عال ومزعج أحيانا. في البداية، استغرب صديقي المسكين للأمر؛ لكنه ظل جالسا في صبر مدة ربع ساعة تقريبا إلى أن مل من الانتظار، ثم قام للبحث عن أحد المسؤولين عن التنظيم لاستفساره في ما يقع قبل أن يجد رجلا أنيقا واقفا في الباب فسأله: أين ذهب المحاضرون ومتى ستستأنفون النقاش حول موضوع الندوة؟ ضحك الرجل طويلا قبل أن يجيبه: أي نقاش وأية ندوة يا صاحبي. نحن هنا في حفل ختان هذا كل شيء..