برؤية جمالية وتمثيلية مدروسة بعناية تمسكت ببساطة الديكور وتخلت عن التعقيد السينوغرافي، قدّم المخرج المسرحي المغربي عبد الجبار خمران أشكالا جمالية وإبداعية جديدة في مسرحيته "صباح ومسا"، ليطرح أسئلة وجودية حول أزمة الإنسان المعاصر، والتمرد على مجتمع "القيم المتخلفة". لحظة أمل وحب مفتقدة لشخصيتين قادتهما أحزان الماضي إلى اللقاء على جسر مسرح السلام بالقاهرة، في العرض المسرحي المغربي الذي يشارك في فعاليات الدورة الحادية عشرة لمهرجان المسرح العربي، حيث تدور بينهما حوارات عديدة وسرد لقصص حياتهما الخاصة في تقلبات كثيرة بين الحقيقة والكذب. وترصد المسرحية، حسب خمران، قصة شخصية تبحث عن الحياة وأخرى تبحث عن الموت، وبهذا الالتقاء "تتفاعل الحياة مع الموت من أجل خلق قصة حب بسيطة تحت جسر ربما يرمز إلى تلك المسافة بين زمانيين، مكانين، فضاءين، مدينتين، فصباح (البطلة) هي بداية النهار ومساء (البطل) هو نهاية النهار، وبالتالي القصة لها بداية ونهاية في خط درامي يبدأ بلقاء غير مرتقب فلولا الشخصية الراغبة في الانتحار لما كانت المسرحية لأن البطلة (صباح) جاءت لتتذكر أحداثا معينة في حياتها فإذا بها تلتقي بشخص يريد الانتحار وهنا تشتعل جذوة الحدث". وعلى الرغم من توظيف المخرج لتيمات الجسد والموسيقى على الركح الذي برع في تقديمه بانسيابية مطلقة الممثلان رجاء خرماز (صباح) وتوفيق أزديو (مسا)، لكشف الجوانب الإنسانية العميقة في النفس البشرية، إلا أنه ظل وفيا للنص المسرحي الذي ألفه الكاتب المسرحي غنام غنام. وعلق المخرج المغربي على ذلك بالقول: "بطبيعة الحال، يجب أن تكون وفيا للنص، وتتفق مع مقولاته، وإلا فلتكتب نصا آخر"، مشيرا إلى أن "النص هو دعوة إلى التحرر والانعتاق من القيود والضغوطات المجتمعية، والبحث عن فسحة أمل وعن الذات من خلال الآخر، إنه بحث عن أفق للأمل وتجاوز كل الضغوط المجتمعية التي تقيد حرية الفرد داخل المجتمع وبلوغ لحظة إنسانية جميلة". من جهته، أكد مؤلف مسرحية "صباح ومسا" غنام غنام، وهو كاتب ومخرج وممثل مسرحي فلسطيني- أردني، أن نصه كتبه ليعلن موقفه تجاه كثير من الثوابت الاجتماعية، ورفض التبعية للمستقر والراسخ من الأفكار، مضيفا أن صرخته كانت في وجه مجتمع يحمل الكثير من القيم المختلفة، الرثة، لذلك قرر الكتابة عن لقاء صدفوي بين شخصين كل منهما قادم من عالم مختلف". وعن الرؤية الجمالية التي قدمها خمران، علق غنام: "فرحت بالمقترحات الجمالية التي قدمها عبد الجبار، وليس لدي ملاحظات أو اعتراضات، ولا يمكن أن أضع ملاحظات على مبدع قطع من قلبه قطعا ليضعها في هذا العرض". من جهته ثانية، اعتبر غنام أن المسرح المغربي بصم على حضور لافت وقوي في المشهد المسرحي العربي، وهو ما تجلى من خلال تتويجه بعدة جوائز، مضيفا أن ذلك "ليس وليد الصدفة" وإنما راجع إلى تراكم التشريعات والقوانين والآليات التي يعمل عليها المسرح المغربي، سواء رسميا أو نقابيا؛ وهو ما أفرز حالة من تقدم المسرح المغربي في السنوات الأخيرة.