يتابع المغاربة بترقب شديد موضوع تداول صور البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية كأنشط التنظيمات التابعة للإسلام السياسي الوهابي. تلك الصور التي كانت فيها البرلمانية بدون غطاء الرأس "الرسمي" أو "شارة العفة والورع والتقوى"، مما أثار مجموعة من التعليقات والتصريحات، نالت اهتمام المغاربة، خاصة منها تلك التي تدخل في إطار "تغطية الشمس بالغربال" والتي حاول أصحابها تبرير سلوك البرلمانية ولو بأتفه الحجج، مما جعل تصريحاتهم تلك مثل "أخبار الفضائح" لطبيعتها التي لا تمت للواقع بصلة. وفي هذا المقال، وعلى ضوء الحقائق والمآسي التي عاشها المغاربة والمغربيات منذ أن اشتد نشاط تهريب الممنوعات المقدسة بما فيها "الدرة-الهروينْ" إلى المغرب، سنناقش أحد النماذج عن تلك التصريحات- الفضيحة. يقول صاحب التصريح: "لنفرض أن هذه الصور للسيدة، إوا إيه أش وقع في ملك الله؟ أش دارت هذه السيدة بش توقع عليها هاد الحملة كلها؟ أش دارت؟ قتلات روح؟ أش دارت؟ حيدات الدرة اللي كانت فوق راسها إوا حريتها. بغات تحيدها اش من دخال للناس يدخلو في شؤونها؟... تهاجم من أجل مواقفها في قضية بوعشرين... في قضية سميتو... تهاجم لمواقفها من القضايا السياسية تهاجم من خلالها يهاجم البيجيدي حسابات سياسية ما شيم مسألة اللباس.... الانحطاط للي وقع في المشهد السياسي ولينا حضي هذا صور هذا".. ومن باب احترام قيم وأخلاقيات التواصل نجيب صاحب النص بداية بالسؤال الأول وهو: "أش وقع في ملك الله" إن ما فعلته السيدة البرلمانية وحزبها في المغرب، كجزء من ملك الله، هو أنها قلبته رأسا على عقب. فاللباس لم يشكل سابقا موضوع خلاف بين المغاربة لأن تحديد نوعيته كان شأنا أرضيا، يخضع للظروف الطبيعية وللعادة والتقاليد والوقار والحشمة كما يتوافق عليها أهل كل جهة من جهات المغرب مما يفسر تنوع الزي المغربي. لكن منذ ثمانينيات القرن الماضي، تقريبا، جعل عملاء الفكر الوهابي بالمغرب من اللباس شأنا سماويا وأمرا مقدسا أطلقوا عليه "اللباس الشرعي". وشكل "اللباس الشرعي" لديهم – كما هو حاضر في خطاباتهم وحملاتهم الانتخابية وشعاراتهم- قيمة مقدسة يجب أن يلتزم بها كل من له علاقة بالحزب مما جعل اللباس الشرعي يصبح أداة تمييز بين المغربيات والمغاربة وسببا في تحقير وتدنيس كل من لم تلتزم به. وذلك في إنكار تام لمبادئ حقوق الإنسان المتعلقة بالمرأة باستثناء ما يخدم مصلحة شيوخ أحزاب وجمعيات الإسلام السياسي الوهابي. أما عن السؤال الثاني فهو: أش دارت؟ قتلات روح؟! صراحة البرلمانية لم تقتل روحا بل قتلت أرواحا. بلى، لقد فعلت هي وحزبها وكل من يدور في فلكه من هيئات وجمعيات وأفراد جرائم إنسانية لا تحصى ولا تعد في حق الفئات المغربية التي تعاني من هشاشة وضعها المالي أو الفكري أو العاطفي. ولأن المجال لا يتسع للوقوف على كل تلك الجرائم والتي هي موثقة على الشبكة العنكبوتية، أستحضر ولو بعجالة، العنف والرعب الذي عاته زعماء التيار الإسلامي الوهابي بالمغرب. وقد وجهوا ذلك العنف ضد كل من لا تضع "الدرة" على رأسها على حد تعبير صاحب النص. تلك المرأة التي تعرضت لكل أشكال العنف، من سب وشتم في الشارع العام والضرب بالسلاسل والسكاكين والسيوف، والترهيب بواسطة الأشرطة التي تملأ أصواتها الشوارع والأزقة والأسواق وأبواب المساجد، وكلها تتكلم عن عذاب المرأة في الآخرة إن لم تلتزم ب"اللباس الشرعي". والكارثة هي أن هناك بعض ضحايا هذا الخطاب المتطرف الذين لم يعنفوا فقط المرأة في الشارع والأسواق والمحلات التجارية وأماكن العمل والمدارس والجامعات، بسبب "الدرة"؛ بل عنفوا أخواتهم وزوجاتهم في البيت وحتى أمهاتهم. وقد سخر لتنفيذ تلك جرائم أولئك الذين قتل فيهم أي حس إنساني مثل أصحاب السوابق والمرضى النفسانيين أو المتظاهرين بذلك والمعطلين والمدمنين... وكان يتم ذلك بشكل فردي كصاحب الدراجة الذي يضرب النساء بالسيف على مؤخرتهم أو أصحاب السلاسل الذين يكسرون أطراف المرأة. أو بشكل منظم مثل عسكر فيلق "اللباس الشرعي" ومافيا المقدس والشرطة الأخلاقية والتي وصلت إلى الاستفراد بأحياء بكاملها كحي بن ذباب بفاس الذي عاش حالات قتل وتشويه. دون أن ننسى بأن هناك العديد من الأزواج الذين انفصلوا عن بعضهم والكثير من الأسر التي شردت بسبب الخلاف والصراع حول "اللباس الشرعي" أو ما اختزله صاحب النص في عبارة " الدَرَّة". وكانت النتيجة هي أن معظم النساء لبسن "الدرة"، فأصبح المشهد العام للشارع المغربي يرمز إلى أن الإسلام السياسي الوهابي حاضر وبقوة –من باب استعراض العضلات السياسية- وبذلك يكون ذلك التيار قد حقق هدفه الحقيقي. أما ما تقدم به من وعود لتوفير ظروف العيش الكريم للمغاربة "فالخبار في راسكم". وإذا انتقلنا للجواب عن سؤال: "حيدات الدرة اللي كانت فوق راسها إوا حريتها. بغات تحيدها اش من دخال للناس يدخلو في شؤونها؟... فإن ما قاله صاحب النص في مسألة الحرية الشخصية يكون صحيحا في حالة الأشخاص العاديين. أما في حالة شخصية مسؤولة وفاعلة في سن القوانين الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية وتشارك في تدبير المال العام وتحصل على أجرها أو أجورها من أموال الشعب، فكلام صاحب النص عن الحرية الشخصية يكون خارج سياقه مما يجعله في حكم حق أريد به باطل. وبمعنى آخر، فإن التطرق لتداول صور البرلمانية إذا أخذ في سياقه الصحيح لا يصح أن يفسر من مدخل مبدأ الحريات الشخصية وإنما من مدخل أن صور البرلمانية بدون "لباس شرعي" خارج المغرب هو شهادة حية على أن البرلمانية ضبطت متلبسة في قضية نفاق وتضليل للمغاربة واستغلال الدين في السياسة وعدم احترام قانون الشفافية، وهذا لا يختلف عن حالة داعية الورع والتقوى التي ضبطت متلبسة بممارسة الزنا في الشاطئ. فالبرلمانية في ممارساتها السياسية تجعل من "اللباس الشرعي" فرضا من فرائض الإسلام وتتخذه ركنا أساسيا لحملات حزبها الانتخابية بهدف إغداق العفة والقدسية على ذلك الحزب لربح الأصوات. إضافة إلى أنها تحمل الناس على الالتزام به، سواء من خلال الترغيب أو الترهيب. وتوهمهم بأنها ملتزمة به. إضافة إلى أنها لم يصدر عنها يوما ما يخالف موقف حزبها بهذا الشأن، وإن كنا نتذكر جميعا الحملات الشرسة التي شنها الفصيل النسائي لحزب العدالة والتنمية لتوقيف تعديل المدونة ونفس الشيء تكرر عند موافقة المغرب على مبدأ القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو). إذن، هذا ما نعرفه عن البرلمانية؛ لكن بمجرد أن تغيب عن أعين الناخبين وعلى خطى أمثالها من نفس الحزب أو التيار، تأخذ راحتها في اللباس دون قيد أو شرط، لأنها تعرف مسبقا أن الأمر مجرد تضليل واحتيال وليست له أي مرجعية إسلامية على الرغم من التذرع ببعض النصوص التي حرف تأويلها. أما إذا انتقلنا إلى الجزء الأخير من النص والذي جاء فيه: "تهاجم من أجل مواقفها في قضية بوعشرين...في قضية سميتو... تهاجم لمواقفها من القضايا السياسية تهاجم من خلالها يهاجم البيجيدي حسابات سياسية ما شيم مسألة اللباس...الانحطاط للي وقع في المشهد السياسي ولينا حضي هذا صور هذا".. للإشارة، لن أقف على كون صاحب النص قد أبخس قيمة ما لعبته "الدرة" أو اللباس في الدعوة الوهابية لما سبق توضيحه. أما عن المواقف السياسية للبرلمانية فسأمر عليها لأن القول فيها يمكن أن يطول ويمكن أن... لذلك سأنتقل إلى الفقرة التي ينعت فيها صاحب النص من صوروا وتداولوا صور البرلمانية عن التيار الوهابي بأنهم سياسيون منحطون. وبكلامه هذا، يضيف صاحب التصريح هفوتين جديدتين إلى قائمة الهفوات التي سقط فيها بسبب تصريحه الأخير. فالهفوة الأولى، عدم علمه بحقيقة جوهرية وهي أن البرلمانية هي من صورت نفسها. وقد تسربت تلك الصور بشكل أو بآخر، وهذا أمر حاضر في عالم تكنولوجيا الإعلام والتواصل؛ فتقاسم وتداول الصور والأخبار قد أصبح ممارسة يومية لدى الأغلبية الساحقة من البشر عبر المعمور، ويتم بأكثر من سرعة البرق، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمشاهير والسياسيين. وبالتالي، ليس هناك لا سياسيين ولا بوليس كما جاء في جزء من التصريح. كما أن ظاهرة التدليس والكذب والنفاق لم يعد لها مكان في زمان تكنولوجيا الإعلام والتواصل واللعب أصبح على المكشوف. أما الهفوة الثانية فهي أن ما اعتبره صاحب التصريح هجوما وتجسسا على البرلمانية ومؤامرة ضدها وضد حزبها ... بصراحة، هي مجرد ادعاءات لا أساس لها من الصحة؛ لأن تتبع سلوكات المسؤولين عن الشأن العام واقتفاء أثرهم - للتأكد من مدى وفائهم لما قدموه من قيم وعهود لمنتخبيهم وللمواطنين كافة ومدى نزاهتهم أو الكشف عن تلاعباتهم وفسادهم كحال البرلمانية الأخيرة - حق من حقوق المواطنة وواجب من واجباتها بقوة القانون الذي ينص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، تلك المحاسبة التي لا يمكن أن تتم دون عملية التتبع والمراقبة. وقبل أن أختم هذا الموضوع لا يفوتني أن أعبر عن مدى الأسى وخيبة الأمل على أن تجد الإنسان يعطل ملكاته وإبداعاته ويفني جهده في أمور قد تم الحسم فيها من قبل أهل الخبرة والعلم كحال حقوق الناس وحرياتهم. لكن الأمر لا يكون اختياريا عندما تكون في بلد يتحفظ مسؤولوه على بعض الحقوق بذريعة "الخصوصية". والواقع أن تلك الخصوصية–وعلى ضوء ما أثبتته التجربة المغربية في ظل حكومة الإسلام السياسي- ليست سوى ذلك الركن المظلم الذي تتشكل فيه كل الفظاعات التي ترتكبها السلطة في حق المواطنين كالظلم والحرمان والتفقير والتجهيل والتضليل دون أن يكون لذلك المواطن الحق في متابعة ومحاسبة المسؤولين؛ لأن الظلمة والمخدر المقدس يجعلان الأمور تختلط ببعضها، فيغيب الوطن والمواطن والمواطنة وتعيش الخنافيس. *باحثة في الأديان وقضايا المرأة