تتوقع السيناريوهات الأكثر تشاؤما بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق، والتي تستند دائما إلى رؤى وتصورات غير محددة، توقفا لرحلات نقل الركاب، وطوابير هائلة عند نقاط الجمارك، ومواجهة الشركات لعراقيل بسبب الفوضى البيروقراطية. ويصر النواب المؤيدون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، من أعضاء حزب المحافظين الذي تنتمي إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي، والذين يفضل الكثير منهم عدم التوصل لاتفاق، على أنه لا داعي للقلق. وربما تكمن الحقيقة في مكان ما بين هذين النقيضين. وإذا لم يقبل النواب البريطانيون اتفاق ماي بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبى ولم يصدقوا عليه قبل 29 مارس، فإن بريطانيا ستكون على مسار خروج غير منظم من الاتحاد. ويمكن أن تسعى بريطانيا إلى تمديد عملية التفاوض بشأن الخروج التي تستمر عامين والتي أطلقتها ماي في مارس 2017. وبخلاف ذلك، فإن قواعد الاتحاد الأوروبي لن تكون بعد ذلك قابلة للتطبيق في بريطانيا، التي سوف تنسحب من ترتيبات مشتركة مثل قواعد الملاحة الجوية المشتركة أو الصفقات التجارية مع دول ثالثة. وتمثل الحدود البرية بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا مشكلة خاصة. وكانت الجهود الرامية إلى إبقاء تلك الحدود مفتوحة في محور مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.د ويمكن أن يواجه المواطنون البريطانيون الذين يعيشون في الاتحاد الأوروبي ومواطنو الاتحاد في بريطانيا حالة من عدم اليقين بشأن أوضاعهم. وحذر اتحاد الصناعات البريطاني، مؤخرا، من أن التداعيات الاقتصادية للخروج بدون اتفاق "ستكون عميقة وواسعة النطاق ودائمة". وقالت كارولين فيربيرن، المديرة العامة للاتحاد، في كلمة لها: "ستواجه الشركات تكاليف ورسوما جديدة.. ستتعطل موانئنا، مما يفصل شركاتنا عن المناطق التي تحتاج إليها في إمداد عملائها". ويقول متشككون في الاتحاد الأوروبي إن هذه التنبؤات جزء من سياسة لنشر الخوف والتشاؤم لإقناع الشعب بقبول اتفاق ماي. ويشيرون إلى أن الجانبين سيكونان قادرين على تنفيذ سلسلة من الاتفاقات المحدودة والسريعة على مستوى القطاعات للحد من الاضطراب قبل التفاوض على اتفاق بديل، ربما على غرار نهج اتفاق كندا، بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وذكرت اثنتان من كبريات شركات الطيران الاقتصادية العاملة في بريطانيا (ريان إير وإيزي جيت) - في الأسابيع الأخيرة أنهما تتوقعان تعطلا محدودا نسبيا من وراء خروج بريطانيا بدون اتفاق. وقال جان مارك بويسيسو، رئيس موانئ بولون-كاليه الفرنسية، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، هذا الأسبوع، إنه كان يستعد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منذ عام، و"سيكون جاهزا" في حال تركت بريطانيا الاتحاد بدون اتفاق. وأضاف: "لن نقوم بعمليات تفتيش للشاحنات بأكثر مما نفعل اليوم مع المهاجرين"، في إشارة إلى إجراءات التفتيش والبحث عن المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الوصول إلى بريطانيا من فرنسا. وقال مايكل جوف، وزير البيئة، وهو عضو بارز في حكومة ماي، في البرلمان مؤخرا، إنه كانت هناك "بعض المزاعم المبالغ فيها حول تأثير خروج بريطانيا بدون اتفاق، وإن الاقتصاد البريطاني يتمتع بالمرونة". وردا على سؤال حول التأثير المحتمل لخروج بريطانيا بدون اتفاق على قطاع الزراعة، أشار جوف إلى أن "المزارعين في بعض القطاعات الأكثر عرضة للخطر (في بريطانيا)... سيتأثرون بشكل كبير على المدى القصير". ويقول مؤيدو خروج بريطانيا من الاتحاد إن أي ضرر قصير الأجل سوف تعوضه صفقات التجارة الليبرالية طويلة الأجل التي تخطط بريطانيا لإبرامها مع اقتصادات كبرى غير تابعة للاتحاد الأوروبي مثل الولاياتالمتحدة والصين والهند. وأعلنت ماي عن خطط الشهر الماضي لجعل التخطيط للخروج بدون اتفاق "أولوية عملياتية " للحكومة. وأبلغت رئيسة الوزراء البرلمان بأن الخروج بدون اتفاق سينطوي على مخاطر على "الوظائف والخدمات وأمن الأشخاص الذين نقوم بخدمتهم بإدارة ظهورنا لاتفاق (مع الاتحاد الأوروبي)". وسلطت ماي الضوء على الاستعدادات للمشكلات المحتملة لما بعد الخروج من الاتحاد "مثل تدفق حركة المرور إلى موانئ مختلفة هنا في المملكة المتحدة"؛ لكنها لم تصل إلى حد التوقعات التي ظهرت في وقت سابق والمتعلقة بالنظرة القاتمة التي أصدرتها حكومتها والمصرف المركزي. وبموجب اتفاق ماى للانسحاب، سيتقلص الاقتصاد البريطاني بنسبة 3.9% خلال 15 عاما، مقارنة بما سيكون عليه إذا بقيت البلاد في الاتحاد الأوروبي، وفقا لتوقعات الحكومة في أواخر نوفمبر. وأضافت أن الخروج بدون اتفاق سيؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.3% خلال الفترة ذاتها. وتوقع بنك إنجلترا (المركزي البريطانى ) في اليوم نفسه أن يفقد الجنيه الإسترليني 25% من قيمته مقابل الدولار الأمريكي في ظل سيناريو "يتسم بالاضطراب". في هذه الحالة، فإنه يمكن للتضخم أن يقفز إلى معدل كبير للغاية بنسبة 6.5%، والبطالة إلى 7.5%، في حين أن الناتج المحلي الإجمالي قد ينخفض بنسبة 8%، حسب تقديرات البنك المركزي. ويرفض أنصار الخروج من الاتحاد الأوروبي الغاضبون كلا التقريرين، في حين قال الاقتصادي المؤيد للاتحاد الأوروبي أندرو سينتينس، وهو مستشار سابق في البنك المركزي البريطاني، في تغريدة عبر تويتر إنه يبدو أن كلا التوقعين "يؤيدان أهدافا سياسية".