بعد الضجة التي أحدثتها صراصير مكة، واختلاف القوم أهي حشرات كافرة زنديقة فاسقة مارقة.. أم أنها جند من جنود الله القوي العزيز المنتقم الجبار القهار.. بدأت البحث في الشبكة العنكبوتية عساي أعرف حقيقة الواقعة.. لاحظت أن الشبكة العنكبوتية بدءا من محرك البحث غوغل، ضمت الكثير من المواد المرتبطة بكلمة البحث صرصور.. فوجدت الكثير من أسماء ومرادفات وعائلات الصراصير والخنافس والجنادب.. بمختلف اللهجات واللغات العالمية. أضحكني حُزنا نَسْبُ بعض التفسيرات لكلمة صرصور "cafard" الفرنسية إلى الأصل العربي "كافِر"... وربما هذا ما جعل شرذمة من "خنافس الفتاوى" يصفون تلك الأسراب من الصراصير بالحشرات الكافرة.. ردا على الذين اعتبروها لعنة وإنذارا أشبه بالريح الصرصر العاتية.. بعض المواقع الإلكترونية والفضائيات العربية تحولت إلى ساحات للحروب الافتراضية، هذه برامج تتحدث عن "تهافت الصراصير" وترد عيها برامج مضادة ب "تهافت التهافت".. تمت الاستعانة بتفسير الأحلام لابن سيرين مع تأويله وفق الموقف من "الصراصير" فالقنوات السعودية وحلفائها يستدلون بقول ابن سيرين أن الصراصير هي غيرة وحسد، أما الإعلام القطري وأنصاره فيحاججون بقول ابن سيرين أن الصراصير الطائرة هي مشاكل لا حل لها إلا بالتوبة من الخطايا.. بينما أنا منهمك في البحث على حاسوبي داخل المقهى، وقف شاب بجانبي، يبيع بعض اللعب البلاستيكية على شكل صراصير عملاقة، خاطبني اشتري صرصورا وسأحكي لك حقيقة صراصير مكة؟؟ - سألته: من أنت؟ - أجابني: كافكا.. فرانز كافكا.. Franz Kafka - من تكون يا كافكا؟ -أنا أمين سر الصراصير.. الصراصير هي "صدى".. ألم تجد وأنت تبحث عن أسمائها، أن الصدى هو أحد مسمياتها الكثيرة؟؟ - ماذا تقصد بالصدى؟؟ -الصدى.. تحكي أسطورة يونانية أن الصدى Écho هي "ربة الجبال" حُكِمَ عليها أن تعيد وتكرر "الصوت" دون ملل حتى يسمع الجميع.. الصراصير هي صدى للألم.. وصرصرتها هي صوت حقيقة الألم.. ألم أخبرك بقصة صديقي جريجور سامسا؟ - كلا.. ما حكايته؟ - باختصار كان جريجور يعش حياة الفقر والبؤس والاغتراب.. داخل مجتمع لا يلتفت إلى الفقراء، حتى وإن كانوا عظماء.. مثلا أنت يا صديقي نورالدين تضيع وقتك في الكتابة.. أنت نكرة.. وستظل نكرة.. إنها قصة جريجور تتكرر بطريقة سيزيفية.. داحل مجتمع ينظر إلى أمثالك وأمثال جريجور كحشرة حقيرة.. حين بدأ جريجور يفكر في الانتحار، نام ذات يوم، وحين استيقظ صباحا، وجد نفسه أصبح صرصورا.. - سيدي كافكا أنا لا أصدق هذه الترهات.. لكني سأشتري منك هذا الصرصور كم ثمنه؟ - هذا الصرصور هو جريجور.. حين يصبح الإنسان مجرد "منتج للاستهلاك" produit jetable، وحين تصبح "روؤس الأموال" أهم من "رؤوس البشر" .. حينما يقطع رأس خاشقجي.. حين تقطع رؤوس الأبرياء في حروب بليدة .. صدقني.. أن جحافل الصراصير في مكة هي صدى الأبرياء..