لم تتوقّع "شادية"، في أيّ يوم من أيّام حياتها قبل عشيّة الأحد، بأنّ محنتها الذاتية مع خلل هرموناتها الجنسية ستتضاعف بإقبال مئات الشباب على تعنيفها وسط الشّارع العامّ.. إلاّ أنّ هذا تحقّق على حين غرّة، ليجعل "شادية" تُحسّ بتمادي المجتمع في احتقاره لها، وتعلن قرارها الفوري ب "الاعتصام في بيتها إلى حين وفاتها". الواقعة غريبة إلى أقصى الحدود وأقساها.. وقد شهدت أطوارها ساحة الشبيبة والرياضة بالنّاظور على هامش مهرجان خطابيّ نظّمه أحد وكلاء اللوائح الانتخابية المحليّة المترشّحة لموعد ال25 من نونبر.. إذ انتقلت "شادية"، بمعيّة ابنة اختها القاصر، لحضور "مداخلة المرشّح الشّاب ذائع الصيت في مساعدة المحتاجين"، لكنّ حاضرين لم يستسيغوا إقدام "شادية" على تغطية وجهها بمنديل، وهي تعانق قريبتها القاصر بيسراها لتجرّها خارج حشد المتجمهرين الكُثر، فتمّ التدخل العنيف الذي طال "رجلا يعمد على اختطاف قاصر من أسرتها حتّى يختلي بها" حسب إفادات مئات الهاوين بضرباتهم على جسد "شادية". رجال الشرطة، وعلى الرغم من كثرتهم وتلاوينهم، أقدموا على تفعيل محاولات عدّة لإنقاذ الطفلة وخالتها "شادية" من سيل الركلات واللكمات الذي هوت به مئات الأرجل والقبضات ب "فنون ضرب"، بل إنّ الأمنيّين المتدخلين نالوا حظّهم من التعنيف أكثر من مرّة قبل الفلاح في مسعاهم.. ولم تفلح صرخات الأنثى المعنّفة: "أنَا مْرَا وْهَادِي بنت أختي"، ولا صرخات الطفلة: "هَادِي خَالْتِي وهَاكْدَاكْ دَار لِيهَا الله"، في إثناء "فاعلي الخير" عن خطوتهم. بوليس النّاظور نقل "شادية" وابنة اختها إلى مقر المداومة بمقر المنطقة الإقليميّة لأمن النّاظور، باعتبار البالغة "ذكرا متنكّرا بغرض التمويه عن فعله الإجراميّ"، والقاصر "ضحيّة اختُطفت من لدن وحش كاسر متربّص ببراءتها".. إلاّ أنّ إصرار "شادية" دفع صوب تفعيل الشرطة لكشف بدني أفضى إلى الحسم في توفر الموقوفة على "معالم أنوثة ضامرة" وبالتالي تصديقها.. ومن ثمّ روفقت "الضحيّتان" إلى مسكنها بهدف التيقّن التّام من روايتهما. شادية تعيش الآن صدمة مهولة، فهي اعتادت نظرات الآخرين من غير المتقبّلين لهيئتها، كما ألفت قطع القماش التي تعمد على وضعها بين ملامحها الذكورية وأعين الفضوليّين.. إلاّ أنّها لا زالت غير متقبّلة لفعل أصحاب الأصابع والألسن التي أشارت إليها تحريضا، كما نفت عزمها الصفح عن المعتدين عليها من "إقامتها الجبريّة الاختياريّة" التي غادرتها، مؤقتا الاثنين، لاستصدار شهادة طبّية من عجز يبلغ 20 يوما.