في هذه المحاورة يتحدث الأستاذ علاء الدين بنهادي مقدما نفسه ومساره الدراسي والمهني بنظرته التحليلية المتميزة من خِلال الدبلوماسية المغربية وعيوبها ورِكَّة السياسة الخارجية وضعفها ، وعن قضية ترشيح فؤاد عالي الهمة لمنصب سفير المغرب بالسعودية ، كما يتناول بروية الظرفية التغييرية التي بدأت مع حركة 20 فبراير والتداعيات السياسية المتعلقة بها وما يدور حولها من نقاش وعن دور الأحزاب السياسية والعلماء. وثمن الدبلوماسي السابق الحركة من أجل نشر ثقافة الكتاب ورفض الثقافة الأحادية المدمرة التي يفرضها منير الماجدي بمهرجان موازين ، وندد بتفجير أركانة وقال بأن عدم خضوع جهات أمنية واستخباراتية ببلادنا لسلطة القانون وسلطة مؤسسة الوزير الأول ورقابة البرلمان ووجود سوابق وتجاوزات في حق مواطنين أدانتها منظمات حقوقية وطنية ودولية، تجعل الوثوق بروايات هذه الجهات أمرا صعبا. وبخصوص دعوة المغرب للإنضمام لمجلس التعاون الخليجي أفاد بنهادي أن المصالح لا تخضع لمعايير الجغرافيا والتاريخ أنبأنا عن ملكيات تحاول مواجهة المد الثوري بإنشاء تكتلات إقليمية قائلا بأنه ينبغي التروي والإنتظار لحين ظهور ملامح هذا التطور السياسي وانكشاف دور المغرب في هذا المجلس . في البداية أشكرك أستاذ بنهادي باسم أسرة هسبريس وأشكرك على قبول هذه المحاورة.. أشكرك على مبادرتك الطيبة ويسعدني أن نتواصل ونبقي على هذا التعاون الإعلامي والفكري الثري. أولا لنبدأ بتقديم شخصك الكريم إلى القارئ المغربي، فمن هو علا الدين بنهادي ؟ ولدت بمدينة الرباط في العاشر من دجنبر 1962، وترعرعت ودرست بمدينة الخميسات، إحدى مدن منطقة زمور الأمازيغية التي أنحدر منها، حتى مرحلة الثانوية، ثم قصدت مدينة فاس لدراسة الأدب الفرنسي عام 1984، لأتوجه، بعد سنة فقط، إلى مدينة كرونوبل بفرنسا لأتمم دراستي، إلا أن مشواري الجامعي لم يكتمل لظروف خاصة، فغادرت فرنسا خلال سنة الإجازة عام 1987، ثم هاجرت إلى الولاياتالمتحدة رفقة زوجتي وابنتي البكر عام 1988، لتقودني الأقدار مرة أخرى إلى أرض الوطن عام 1990، كأنها المشيئة الإلهية لأبد مسارا جامعيا ومهنيا مختلفا، فولجت المدرسة الوطنية للإدارة العمومية وتخرجت عام 1994 شعبة الدبلوماسية والتحقت بوزارة الخارجية مطلع شهر يوليو من نفس السنة، لأعود إلى مدرجات الجامعة بعد إذن الوزارة بالتفرغ والتحقت بالمعهد العالي للإعلام والاتصال عام 1995 حتى تخرجي عام 1997 ومناقشة البحث عام 1999. وخلال هذه الفترة حصلت أيضا على دبلوم الدراسات المعمقة في القانون الدولي العام، شعبة العلاقات الدولية من جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق، وعلى شهادة المتابعة من معهد الدراسات الاستراتيجية بالرباط عام 1996. عينت مستشارا إعلاميا بسفارتنا بالقاهرة عام 1999، وبعد ثلاث سنوات وقبل، أن أنهي مدة عملي بمصر تمت ترقيتي إلى منصب نائب سفير بالبحرين عام 2002، لأعود إلى الوزارة عام 2004، وأعين رئيس مصلحة الولاياتالمتحدة وكندا بمديرية الشؤون الأمريكية. وفي عام 2007، عينت مستشارا مكلفا بالشؤون القنصلية بالرياض بالسعودية، إلى أن غادرت وزارة الخارجية لأسباب مهنية ومبدئية، كانت شرارتها الأولى خلافي المهني مع السفير الراحل عبد الكريم السمار وتدخل زوجته في أداء مهمتي وعدم إنصاف الوزارة لي رغم ما ردده المسؤولون بالوزارة ومحاولة إرضائي بتعيينات "سياحية" وليست دبلوماسية ورفضي لها وإحساسي بالظلم. وأمام الصمت الرهيب التي التزمت به كل الجهات التي عرضت عليها قضيتي، ونظرا لما كان سيلحق بأولادي من ضرر في مسارهم الدراسي بنقلي من السعودية، اخترت مغادرة وزراة الشؤون الخارجية في صمت وإحساس بالضيم. أقيم اليوم بمدينة الرياض بالسعودية، وأعمل أستاذا جامعيا، وأساهم، بالكتابة، من موقعي الجديد في الحراك السياسي والاجتماعي والنضالي الذي تخوضه شرائح المجتمع المغربي الحية، وهي نهضة لها امتدادات في تاريخ النضال المغربي ضد القهر والاستبداد والظلم والاستكبار منذ حركة البيعة المشروطة عام 1908 حتى حركة 20 فبراير عام 2011، ذرية بعضها من بعض. انتمائيا، لست عضوا في مؤسسة حزبية أو حركة من أي توجه سياسي وفكري، ولكنني أنتمي إلى نبض الشعب المغربي وشبابه الحيوي، وأتقاطع موضوعيا مع كل موقف وطني وإسلامي يتمثل فيه الحق والعدل والديمقراطية والرشد والمسؤولية، أتقاطع وأتعاطف وأشد على يد هذا الشباب الذي أنقذ ماء وجهنا والذي لولاه لبقينا خارج سياق تاريخ مستقبل يصنع اليوم، شباب شرفنا بالانتماء لهذه الحركة التصحيحية والتغييرية على طول الساحة العربية، حتى أصبحنا نقول، مثل كل الشعوب الحرة والديمقراطية في العالم، إننا نحن أيضا عرب ومسلمون ديمقراطيون وأحرارا مثلكم، من حقنا أن يحكمنا أشخاص نسائلهم ونحاسبهم ونعاقبهم. كثيرون سمعوا بشخص علاء الدين بنهادي في ظروف الخلاف الناشب بينك وبين سفير المغرب بالسعودية عبد الكريم السمار الذي انتقل إلى عفو الله ، حدثنا عن حيثيات هذا الخلاف. قد يبدو للبعض أن ما حصل بيني وبين السفير الراحل عبد الكريم السمار وزوجته مسألة شخصية أو بيني وبين وزارة الخارجية أمر شخصي، ولكن المسألة أكبر وأبعد من ذلك. لقد كنا ننتمي لجيلين مختلفين وعقليتين مختلفتين وأسلوبين في معالجة قضايا الجالية وطريقة التعامل مع سلطات الاختصاص بالرياض بشأن أفراد جاليتنا. لقد كنا نختلف عن بعضنا البعض منهجا ومقاربة، بل حتى إنسانيا واجتماعيا. أقف عند هذا الحد وأقول إن الرجل قد أفضى إلى ربه، ورغم مرارة المعاناة التي تجرعتها رفقة زوجتي وأبنائي، فقد تربينا ألا نذكر موتانا إلا بالخير أو نصمت، وأفضل الصمت. رفضت في قضيتك هذه أن تلجأ للإعلام وقلت بأنك تفضل اللجوء للمسؤولين عنك في الوزارة ، لماذا وإجراء ترحيلك من السعودية كقنصل كان تعسفيا وقد وجه مغاربة السعودية المنتظمين في جمعية آنذاك رسالة إلى وزير الخارجية الطيب الفاسي منددين بهذا الترحيل ، واليوم أنت توجه انتقادا لاذعا لوزارة الطيب الفاسي الفهري وللمنهجية الدبلوماسية لهذا الأخير ؟ لقد آزرتني الجالية في محنتي وصراعي مع رمز من رموز الممانعة ضد التغيير، خلال العهد الجديد، عهد شعارات التحديث ودولة القانون والمفهوم الجديد للسلطة والتشبيب، وضد مفهوم الدبلوماسية المواطنة والمناضلة، وراسلت الجالية كل الجهات المسؤولة لإنصافي وإلغاء قرار نقلي لقنصليتنا بطرابلس. لقد راسلت الجالية وزير الخارجية ووزير الجالية والمجلس الأعلى للجالية المغربية واجتمعت بأعضاء فريق حزب العدالة والتنمية بالرباط، الذي طرح سؤالا كتابيا على وزير الخارجية في البرلمان بشأن الحيف الذي طالني، وصرحت للعديد من الصحف بشأن قضيتي لتحسيس الرأي العام الوطني وإثارة انتباه المسؤولين على مستويات عليا، إلا أنه لا حياة لمن تنادي. إن من ثوابت ثقافة سوء التدبير لدى النظام السياسي ببلادنا هو عدم التجاوب مع المواطن المظلوم حتى يتحول الموضوع إلى قضية رأي عام وطني أو دولي. إنهم لا يستيجبون إلا للضغوط الخارجية أو ضغوط الشارع، كما حصل مع الانفصالية السيدة أمينتو حيدر أو مع السيدة نادية ياسين ومطالب حركة 20 فبراير في الإصلاح الدستوري وملف المعتقلين السياسيين المظلومين على خلفية قضية "بلعيرج" و16 ماي. لقد رفضت اللجوء إلى سلطة الإعلام مباشرة لأنني كنت وقتها إطارا بالوزارة وملتزما بالأنظمة المعمول بها، خاصة قاعدة التحفظ، وقدرت، حسب ما قيل لي بأن الطيب الفاسي الفهري يعمل على معالجة قضيتي بالشكل الذي يحفظ لي حقي واعتباري، إلا أن شيئا من هذا لم يكن، وأبقيت على هذه المنهجية في التعاطي مع قضيتي إلى حين عودتي للوزارة في 16 فبراير 2010، لأفاجأ بدعوة الوزارة لي للمثول أمام مجلس تأديبي بتاريخ 30 أبريل 2010، بسبب اتهامات السفير الراحل المغرضة والباطلة، ثم أفاجأ مرة ثانية، ثلاثة أيام قبل انعقاد المجلس التأديبي، باتصال من مسؤول بالوزارة، مديرية الموظفين، السيد العاصمي ليخبرني بأن الوزير الطيب الفاسي الفهري أعطى تعليماته بإسقاط كل اتهامات السفير، بعد وفاته، ومحاسبتي فقط على عدم امتثالي لأمر الوزارة بالالتحاق بالإدارة المركزية بتاريخ فاتح نونبر 2010، علما بأن الوزارة سبق أن عينتني، بعد خلافي مع السفير الراحل، بقنصليتنا بليبيا، ثم ألغت هذا التعيين بعد شهر نزولا عند طلبه وابتزازه، وأخبرني مدير الموظفين، تاريخ 24 سبتمبر 2010، بأن قرار تعييني بسفارتنا بالكويت سيتخذ فور عودة الوزير والكاتب العام من مهمة في نيويورك، لأفاجأ بصدور قرار آخر يقضي بإلحاقي بالوزارة. لقد كانت إدارتها لهذا الملف، بسبب ضغوطات السفير، مرتبكة وغير مهنية وغير قانونية. إنني لا أستهدف الطيب الفاسي الفهري على خلفية ظلمه لي ومشاركته في هذه الجريمة المهنية، وهذا ملف طويته بما له وما عليه حتى يفصل الله بيني وبينه، وإنما بصفته مسؤولا عن البيت الدبلوماسي، سياسيا ووظيفيا، وعن دوره في إدارة سياستنا الخارجية وملفات حيوية. ليس من قناعاتي أن أهاجم الأشخاص لذواتهم وشخوصهم، أتناول الطيب الفاسي الفهري لما يمثله من أخطاء وسوء تدبيره للأزمات وقلة حرفيته وضعف ثقافته السياسية وجهله بالمصالح الاستراتيجية وبالحقائق التاريخية والسياسة المغربية وسوء تقديره للشؤون الدولية الدولية، خاصة العربية والإسلامية والإفريقية والأمريكية-اللاتينية، وغياب القرار السياسي المستقل لديه واستفراده بالقرار دون مشورة أهل الخبرة من أطر الوزارة وتضخم الذات والتعامل مع من يعمل معه على أساس الولاء المطلق له وليس على أساس القيمة المضافة التي يقدمونها له حول الملفات التي أنيطت بهم. إنه ليس رجل حوار، ولا يختلف عن سلفه محمد بن عيسى في هذه الصفة، والسبب في ذلك لأنه لم ينل هذا المنصب بإرادة الشعب وصناديق الاقتراع وروح الديمقراطية التي أصبح يتشدق بها ليل نهار في المنتديات والقنوات الفضائية والمحافل، وإنما فرض ضدا على إرادة الشعب. قلت بأن دبلوماسية الطيب الفاسي تعاني من شلل واضح في عدم الإنخراط في اقتراح حلول للأزمات العربية أو النجاح في ملف الصحراء أو المدن المحتلة أو وضعية الجالية المغربية ،هذه مؤشرات ولكن ما معايير النجاح والإخفاق في هذه القضايا هل هذه القضايا تكفي فيها كفاءة وزير خارجية؟ معايير النجاح ترتبط بالنتائج التي تحققها الدبلوماسية وبالشخص الذي يقود هذه الدبلوماسية ويساهم في صناعة سياستنا الخارجية أو على الأقل تدبيرها. فحينما يكون وزير الخارجية يفقتر للإلمام بالشؤون والقضايا العربية والإسلامية وبالواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العربي والإسلامي وبتاريخ هذه الأمة، كيف له أن يتبين مصالح المغرب من عدمه في الأزمات والتغيرات التي تشهدها المنطقة العربية. لقد كانت مشاركة الطيب الفاسي الفهري في اجتماع باريس والدوحة وروما حول ليبيا كشهاد زور أو كومبارس وليس كفاعل سياسي يحمل مبادرة دولة وتصورها للأزمة الليبية وأبعادها الاستراتيجية وموقفها ومصالحها. إن الوضع الليبي يعني المغرب أكثر من فرنسا نفسها، فضلا عن دول أوروبا الشرقية الأعضاء بالاتحاد الأوروبي أو الحلف الأطلسي. لقد راح يسوق لسياسة خارجية تشكك في هذا الحراك الاجتماعي والسياسي وتخوف العواصم الغربية، من خلال تصريحات صحفية نشاز، مما سماه ب"الشتاء المظلم للربيع العربي". تؤكد مواقف خارجيتنا من ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية غياب الرؤية السياسية والاستراتيجية وضعف القرار والاصطفاف وراء سياسات وأجندات خارجية. إن دور وزير الخارجية هو طرح بدائل وسيناريوهات وقراءات أمام رئيس الدولة، الملك، وليس انتهاج سياسة الكرسي الشاغر التي لا تعكس تاريخنا الدبلومسي العريق. للأسف، وزير الخارجية يحرص على منصبه بترضية الملك أكثر مما يحرص على تقديم الاستشارة الدقيقة والجريئة والصادقة للملك لفائدة مصالح الدولة المغربية العليا. وقد ظهرت حالة الارتباك مثلا في إدارة ملف ليبيا وكيفية التعامل مع طرفي الصراع، بل تحيزت دبلوماسيتنا لكتائب القذافي الإجرامية وأعطت ظهرها لوفد ثوار بنغازي، الحكومة الشرعية باعتراف دول غربية وعربية والأمم المتحدة بموجب القرار 1973. ونتساءل، لماذا اعترف قادة المؤتمر الإفريقي الوطني الجنوب إفريقي بالبوليساريو وكذلك دول إفريقية أخرى، وربما غدا جنوب السودان وليبيا الجديدة؟ الجواب ببساطة، لأننا ليس فقط لم نقف معهم، ولكن لأننا اخترنا الصمت على الجرائم التي ارتكبت وترتكب في حقهم ودعمنا الأنظمة الظالمة بصمتنا وحيادنا السلبي. تبدأ مسؤولية وزير الخارجية بإعداد الأطر واختيارهم وفق معايير ومواصفات مهنية ومهارات تحددها المهام التي ستناط بهم، تبدأ أيضا بكيفية وظروف إعداد قائمة تعيينات السفراء والقناصلة والأطر في بعثاتنا الدبلوماسية والقنصلية على أسس وصف وظيفي يقوم على تحديد المهام، يضع الرجل المناسب في المكان المناسب وعلى أساس الكفاءة وليس المكافئة والمحسوبية. مهنة الدبلوماسية مهنة شاقة ودقيقة، يجب أن توكل لأهلها وليس أن تصبح، كما هو الشأن اليوم مع الطيب الفاسي وسلفه بن عيسى، فرصة للاستجمام والدبلوماسية السياحية أو مجالا لتعويض بعض الشخصيات عن الضرر الذي لحق بهم في أحزابهم وإداراتهم وجامعاتهم ومسارهم المهني، أشخاص أقحموا هذا المجال لا علاقة لهم بهذه المهمة الخاصة السياسية الوطنية الحيوية. يحصل هذا في الوقت الذي ألقي بأبناء وزارة الخارجية ودبلوماسييها تدرجوا في أسلاكها إلى الإهمال والإهانة لفائدة أبناء الذوات وأبناء وإخوة العديد من مسؤولي الخارجية الذين توافدوا على الدبلوماسية كأنها تركة ورثوها. أين إصلاح وزارة الخارجية ووضعية الدبلوماسي المغربي مهنيا وماديا واجتماعيا من خطاب طنجة الملكي حول تحديث الحقل الدبلوماسي بتاريخ 20 غشت 2002؟ لقد أصبح الوضع كارثي ومقلق بعد هذا التاريخ. تجدر الإشارة إلى هناك واقعا مرا وتذمرا في أوساط أطر وأعوان وزارة الخارجية، حيث يعانون من غياب أي إطار نقابي يحفظ مصالحهم ويحميهم من تظلمات مسؤولين في الإدارة المركزية وفي البعثات الدبلوماسية، إطار للتواصل مع الإدارة وهو حق طبيعي يوجد في جميع وزارات الخارجية في العالم، كما أننا سجلنا، خلال السنوات الماضية، تصرفات تميزت بالإهانة للسفراء والأطر الذي أحيلوا على التقاعد، بعد عقود من التضحية والعطاء ولم ينظم لهم أي احتفال بمناسبة مغادرتهم السلك الدبلوماسي، غادروا الوزارة في صمت وحسرة وألم ولم يكلف الوزير الطيب الفاسي الفهري نفسه، وسلفه بن عيسى، عناء الاعتناء والتعبير عن التقدير والامتنان لما قدموه لهذا الوطن. بل منهم من غادر وزارة الخارجية إلى التقاعد عند تمام الستين من عمره، دون إيجاد أي إطار مؤسساتي، اللهم "ناد دبلوماسي" هو أقرب إلى ضريح منه إلى مؤسسة استشارية في الشؤون الدبلوماسية، للاستفادة من سنوات خبرتهم، كما هو الشأن في دول العالم، في حين لازال آخرون في مناصب عليا في الإدارة المركزية وفي بعثاتنا الدبلوماسية وقد أشرفوا على العقد السابع والثامن. لقد أثرت عنصر الكفاءة كمشكل فيما يتعلق بالدبلوماسية المغربية وأشرت إلى أن الطيب الفاسي الفهري يفتقر للحرفية والدراية بالشؤون الدولية والإقليمية ، ها هي الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية ترى النور من مهامها " تكون متميز للمستفيدين يمكنهم من مواجهة التحديات الجديدة في عالم يعرف تغيرات دائمة " ؟ أرحب بأي مبادرة في هذا الاتجاه وإن جاءت جد متأخرة وتفتقر للأصالة. كيف لوزارة أسست عام 1956 وبقيت بدون معهد أو مركز دبلوماسي حتى عام 2011؟ إنها غير أصيلة لأن النموذج الذي اقتبسوه، كما هو الشأن في كل شيء، هو أكاديمية فيينا، رغم أن مشروع إنشاء معهد دبلوماسي بقي حبيس مكتب الوزراء المتعاقبين على الخارجية، منذ ثمانينيات القرن الماضي، منذ الراحل عبد اللطيف الفيلالي حتى الطيب الفاسي. لقد سبقتنا دول عربية مثل مصر والسعودية في هذا المجال، لهما معهد لأزيد من أربعة عقود فيما اكتفينا لسنوات بإخضاع الأطر الجديدة المنخرطة في السلك الدبلوماسي، من جميع الاختصاصات، لتكوين مدته أربعة أشهر تحت إشراف أساتذة جامعيين، تكوين لا يخضع لأي رؤية أو تخطيط أو برنامج مهني وأكاديمي، كان فرصة لتبذير المال وضياع الوقت. هناك وجه آخر من وجوه إهمال وتقصير من تعاقبوا على الدبلوماسية المغربية، كيف يعقل ألا يكون للدبلوماسي المغربي، منذ تأسيس وزارة الخارجية حتى اليوم، أي خطة مهنية Plan de carrière ودليل السلوك المهني Guide de conduit professionnelle، كما هو الشأن في جل دول العالم، بحيث يقضي حياته المهنية ويتدرج في أسلاك الخارجية ولا يعلم أي شيء عن المهام التي ستوكل إليه ولا المنطقة التي سيعمل بها ولا مستقبله المهني، مسار وتعيينات هي أقرب للعقوبة، في كثير من الحالات، منها لأداء مهام سياسية ودبلوماسية وخدمة مصالح وطن وجالية ودولة، تعيينات لا يأخذ فيها بعين الاعتبار لا مؤهلات الدبلوماسي ولا لغاته ولا ثقافته ولا خبرته ولا المسؤوليات التي تحملها من قبل ولا عطاءه ولا أقدميته، بحيث يعين من لا يتحدث أي كلمة بالإسبانية في دولة ناطقة بالإسبانية ومن لا يتقن الإنجليزية كلغة عمل سياسي في لندن أو واشنطن أو من حظه من اللغة الفرنسية فقير في باريس، أما اللغة العربية فلا بأس إذا عين في عاصمة عربية من يتحدث من زملائه الدبلوماسيين العرب باللهجة المغربية ويبعث تقاريره للوزارة بالفرنسية، لغة "أجدادنا الجوليين" Nos Ancêtres les Gaulois. تشمل هذه الآفة ليس فقط أطر عليا ومتوسطة، وإنما سفراء وقناصلة ومدراء. من جانب آخر، يجب على وزارة الخارجية أن تقيم علاقات تعاون وتواصل أكاديمي وبحثي مع الفضاء الجامعي ومراكز الدراسات والبحوث، كما هو الشأن في جل دول العالم، لا أن تتحجج بسيادتها وكبريائها غير المبرر. على كل، ننتظر حتى نرى كيف ستكون هذه الأكاديمية وبرامجها وسياستها ومقرراتها وأساتذتها وانتاجها الدبلوماسي والأكاديمي. ذكرت في مقال لك أن فؤاد عالي الهمة الذي تطلب 20 فبراير محاسبته اختير سفيرا للمغرب بالعربية السعودية ، لو أخذ الرجل دوره كسفير كيف ستؤثر دعوات المحاسبة في مهمته الجديدة ؟ إن ترشيح السيد فؤاد عالي الهمة في منصب سفير بالرياض بالمملكة العربية السعودية هو من المآخذ على سياسة التعيين في المناصب الدبلوماسية على أساس المكافئة أو الإبعاد. ليس من الحكمة السياسية ولا اللباقة الدبلوماسية أن نرسل إلى السعودية شخصا أصبح إسقاطه ومحاكمته وإبعاده عن دائرة الملك وعن الشأن العام مطلبا سياسيا شعبيا. تستحق الرياض أكبر من ذلك وأقوى منه حنكة دبلوماسية وتمرسا ومعرفة بالمنطقة وببلد الاعتماد. ما رأيك في مقترحات الأحزاب المغربية لتعديل الدستور ؟ مقترحات الأحزاب المغربية بشأن تعديل الدستور جاءت للأسف متأخرة، وكما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة، "لا هجرة بعد اليوم"، أقول للأحزاب، لا تعديل دستوري بعد 20فبراير، وإنما وضع دستور جديد من قبل هيئة منتخبة، يؤسس لمفهوم جديد لنظامنا السياسي تبقى الكلمة الفصل فيه لإرادة الشعب فقط، مباشرة عبر استفتاء حر ونزيه، وغير مباشرة عبر انتخابات محلية وبرلمانية حرة ونزيهة تقطع مع كل الممارسات اللاديمقراطية السابقة باعتراف الجميع، بما فيه الملك. يحتاج الحقل السياسي إلى افتحاص سياسي وتنظيمي وإعادة بناء المؤسسات الحزبية بعيدا عن أجندة النظام السياسي التي اخترقت جل الأحزاب، خاصة الكبيرة منها، ويتسلم قيادتها جيل جديد يستمد شرعيته من قاعدته الناخبة ومناضليه وليس من الإشارات التي تبثها أقمار المخزن الإصطناعية عشية كل استحقاق وخلال الأحداث الكبرى التي تعيشها أمتنا المغربية والعربية مثل اليوم. ليس للأحزاب مقترحات حينما أعلن جلها بأن خطاب 9 مارس تجاوز سقف طموحاتها، لأنه بكل بساطة ليس من مصلحتها أن يعرف المغرب اليوم تغييرا حقيقيا وإصلاحا جوهريا بشأن المؤسسات الدستورية ووظائف واختصاصات كل مؤسسة والعلاقة بينها. لم تعد هذه الأحزاب تقوى على العيش بعيد عن "كفيلها" وهو المخزن، ولن تقدر أيضا على مجاراة سرعة التحولات وسقف مطالب الشعب المغربي الذي قال كلمته لهذه الأحزاب، بلا رجعة، في انتخابات 2007 وأنزلها على أرض الواقع تنزيلا لا مرية فيه في 20 فبراير. هذه الأحزاب تقول أن مطالب الإصلاح الدستوري قديمة لم تولد مع 20 فبراير كيف يعود الفضل والحالة هذه إلى 20 فبراير ؟ من ناحية يقال بأن 20 فبراير أيقظت الأحزاب ولكن الأحزاب لم تدع إلى إصلاح جوهري يمس صلاحيات الملك – وهذا من مطالب هذه الحركة التصحيحية - إنما دعت إلى تعزيز اختصاصات الوزير الأول ، فباستثناء الإشتراكي الموحد وحزب الطليعة الذين دعيا لمحو الفصل 19 من الدستور نجد الأحزاب المغربية تحيد عن مناقشة هذا الفصل الذي اعتبر دستورا داخل الدستور، بل أكثر من هذا فالأحزاب المغربية باستثناء الحزبين المومأ إليهما لا ترى أية إصلاحات خارج التوافق مع الملك ، مارأيك ؟ يجب أن نقف عند بعض الملاحظات التي ستساعدنا في فك شفرة خطاب الأحزاب، التي أصبحت حقيقة محافظة ومتجاوزة خطابا وبرنامجا وعقلية وطموحا وزمنا. إن المغرب الذي ينشده المغاربة اليوم، عبر صوت حركة 20 فبراير وغيرها من حركات الاحتجاج التصحيحية وقوى مناضلة تؤيدها، كما هو الشأن في العالم العربي، لا مكان فيه لأنصاف الحلول أو الحلول الترقيعية التي أتعبت المواطن المغربي وأحبطت المناضل المغربي. لا يمكن لتاريخ النضال والتضحيات، سجون واغتيالات ومنافي وأحكام جائرة ويتم، أن تكلل بتعديل دستوري بئيس وبمطالب لم تطالب بها حتى حركة المقاومة إبان الاستعمار وقهره. لقد كان سقف المطالب الدستورية ومشاريع دساتير العقد الأول من القرن الماضي عاليا وعميقا وجريئا، ويأتي اليوم من يبخس المغاربة حقهم في دستور يعبر عن إرادتهم وتطلعاتهم. انتهت اللعبة السياسية بقواعدها المخزنية ودقت ساعة الإرادة الشعبية، وعلى الجميع أن ينصت إليها وألا يضيع الموعد مع التاريخ مرة أخرى. إنه آخر قطار. ماذا يمكنك القول بخصوص بيان المجلس العلمي الأعلى وموقف العلماء؟ قالوا بأن الملكية البرلمانية غريبة عن خصوصية المغرب ، لعل هذا يذكر بما حدث أثناء ما عرف بثورة فاس التي تزعمها محمد بن عبد الكبير الكتاني الذي نادى ببيعة مشروطة في حين رد عليه البعض بأن الملوك لا يشترط عليهم؟ جواب: لقد تفرق العلماء بعد فترة الخلافة الراشدة وبداية الملك العاض مع بني أمية بين أهل السنة والجماعة وعلماء صنفوا بالخارجين عن السنة والجماعة. قال الفضيل بن عياض:" في جهنم أرحية تطحن العلماء طحنا، فقيل من هؤلاء، قال: قوم علموا فلم يعملوا". لم يقرن شيء في الإسلام بشيء مثلما اقترن العلم بالعمل والإيمان بالعمل. أما القول بأن الملكية البرلمانية غريبة عن خصوصية المغرب، فإن الغريب الحقيقي هو صمت جل العلماء، صمت الحملان، عن قول الحق وتفريطهم في واجب التبليغ والبيان كما أمرهم الله وأخبرنا بذلك الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنهم ورثة الأنبياء ما بلغوا. من ناحية أخرى، كيف لهم أن يقروا ويفتوا بأن الملكية البرلمانية غريبة عن المغرب وحظهم في السياسة وشؤون الدولة والمذاهب السياسية والنظم ضعيف، إن لم نقل معدوم. لكن لا ضير في ذلك لأنهم مجرد موظفين لدى الدولة ويقولون ما أمروا به، فليعلموا، وهم أهل علم بلا عمل، أن الله سبحانه توعدهم إذا بدلوا وغيروا وسكتوا عن قول الحق وإظهاره للناس. لقد انقلبت الآية اليوم، على ذكر العلامة المجاهد الشهيد محمد بن عبد الكبير الكتاني، إذ أصبح الشرط على أهل العلم، ممارسة العلم بشرط الصمت، وليس على السلطان. أما القول بأن الملوك لا يشترط عليهم، فهذا ليس له أصل أو أثر في الإسلام، بل لقد اشترط خليفة رسول الله أبي بكر الصديق على نفسه في خطبته الأولى، إذ قال (أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم). هذا من ناحية التعاقد السياسي بين الحاكم والمحكوم في السياسة الشرعية، أما في النظام السياسي المعاصر، وليس بينهما اختلاف أصلي، فليس لرئيس دولة في الأنظمة الديمقراطية حق مطلق أو حكم مطلق وإنما انتخاب على أساس دستور وقانون وتشريعات تنظم مهام الرئيس وصلاحياته، لأن السلطة المطلقة، كما يقال، مفسدة مطلقة، ولم يقل بعكس ذلك أي عالم لا في الأولين ولا في الآخرين، باستثناء علماء السلطة. بمناسبة الحديث عن البيعة بما أنها عقد بين الحاكم والمحكوم بمقتضاه تجب الطاعة على المحكوم في مقابل التزام الحاكم بخدمة الشعب ورعاية مصالحه وحفظ الوطن، البعض يراها في المغرب وفي إطار التوريث تعاقدا، هل هذا يتفق مع قواعد الديمقراطية، حتى البيعة في إطار التاريخ السياسي الإسلامي شهدت تغيرا، فالبيعة في إطار الخلافة ليست هي البيعة في إطار الملك العضوض، والبيعة المشروطة ليست هي البيعة غير المشروطة التي لا ترتب على الحاكم أي التزامات في حين تفرض الإذعان على الشعب، البيعة المشروطة بالتسمية الحديثة هي الإنتخاب وفي النظام الوراثي ليس هناك انتخاب ؟ إن ما يهمنا اليوم في تدبير شؤون الدولة هو تحديد الآلية التي ستنظم تدوال الحكم وتعريف المرجعية التي سنحتكم إليها في تنظيم العلاقة بين مختلف مؤسسات الدولة. إن الأهم هو مضمون هذه الآلية، بيعة أو انتخاب أو تعاقد أو تفويض، لأن التاريخ، القديم والحديث، يؤكد أن هناك ملوكا حكموا بالعدل ورؤساء كانوا من أشد الأنظمة السياسية ظلما واستبدادا، والعكس بالعكس. القاعدة الأساس في الأمر كله هي أنه من أراد أن يتحمل مسؤولية القرار السياسي في إدارة الشأن العام أن يساءل ويحاسب سياسيا وجنائيا. يجب تفعيل واحترام إرادة الشعب المغربي لأنها هي مصدر الشرعية والسلطة. وتجاوزا لأي حساسية تاريخية أو تفسير أمني حينما نستحضر هذه المحطة العلمية والشرعية (نسبة إلى العلماء)، أقصد البيعة المشروطة، على صاحبها الرضا والرحمة من الله، يمكن أن نقول أنه لا مجال اليوم للحديث عن نظام سياسي لا يخضع للمساءلة والمحاسبة، وإلا فالملكية البرلمانية، حيث المُلك للمَلك والحُكم للشعب، مُلك سيادي لرئيس الدولة وحُكم تنفيذي لرئيس حكومة منتخب بإرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع، حكومة يعين أعضائها ومسؤولة أمامه تحصل على موافقة وثقة البرلمان وتزكية المَلك. إنني أؤيد النظام الرئاسي، حيث الرئيس، أي رئيس الحكومة في نظامنا، يتمتع بسلطات قوية وبرلمان يتمتع بسلطات رقابة وتشريع واعتمادات قوية أيضا. أدعو إلى نظام سياسي يمزج بين النظام البريطاني أو الإسباني بالنسبة لدور الملكية وبين النظام الرئاسي الأمريكي بالنسبة لدور رئيس الحكومة والبرلمان. ما رأيك في الطقوس أثناء البيعة ؟ البعض يراها ضد الديمقراطية والآخر يرى أن تقتصر على الجانب الثقافي ؟ أولا، أريد أن أسمع رأي علماء المجلس العلمي بشأن هذه الطقوس، وأن يقدموا لنا أصلها في الدين عامة وفي السيرة النبوية الشريفة خاصة، وحتى عند الخلفاء الراشدين. أما رأيي فيها، فإنها إهانة لكرامة الإنسان عموما وللمسلم خصوصا. لقد ذكر جيل بيرو في كتابه، "صديقنا الملك"، الذي أثار جدلا كبيرا في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، أن شيوخ قبائل الصحراء وغيرهم كانوا يشعرون بالإهانة والمذلة حينما كان الحسن الثاني يمد يده لهم لتقبيلها خلال زياراته لأقاليمنا الجنوبية. أعتقد أن حراس الطقوس المخزنية القديمة يتمسكون بهذه الممارسات القديمة اعتقادا منهم بأن الملك لا يكون ملكا إلا بهذه الطقوس، لخلق أجواء الرهبة والخوف وإضفاء نوع من القداسة على شخص الملك. هذا ما كانت عليه الملكيات الإغريقية والرومانية القديمة والملكيات في العصر الوسيط الأوروبي والعربي الإسلامي في العهد الأموي والعباسي والعثماني. لقد ظن العديد من المغاربة، مثقفين وسياسيين، أن هذه الطقوس ستنتهي مع الملك محمد السادس، إلا أن الواقع خلاف ذلك. لقي حزب البام انتقادا لاذعا من حركة 20 فبراير ومن أحزاب وفاعلين، البام ينعت على أنه حزب إداري، البعض يرى أنه ليس من العلمية جعل تاريخ حزب ما معيارا لنجاحه بل المعيار هو الإنجاز هذا من جهة، ومن جهة أخرى ما الفرق بين حزب "البام" وبقية الأحزاب؟ كلها لم تنشأ في مناخ ديمقراطي، كلها تزعم تمثيليتها للشعب وتقصي الخصوم السياسيين كلها بعيدة عن الشعب المغربي وعن هموم الناس ، بل إن بعضها كان ينعت بالأحزاب الإدارية وصارت اليوم تنعت "البام" بذلك ، ثم ألم تحصل هذه الأحزاب على رخص إدارية فهي إدارية كلها، فما الفرق إذن أليس من حق أحد أن ينشئ حزبا جديدا يحصل على رخصة إدارية ؟ لقد وجهت الانتقادات لحزب الأصالة والمعاصرة ليس لأن وراءه السيد فؤاد عالي الهمة، ولكن لأن ولادته كانت غير طبيعية ومساره كان غير طبيعي ووتيرة نموه لم تكن أيضا طبيعية ومنتسبيه ليسوا أشخاصا طبيعيين، ولأن الهمة لم يأخذ المسافة الكافية من الملك لبناء حزبه عبر مشروع سياسي من أجل المجتمع المغربي وليس من أجل الملكية. لقد كان هذا التماهي مع الملك إحدى رصاصات الرحمة التي ضربت الحزب في مقتل وجعلته فاقدا للشرعية الشعبية، وإحدى معوقات الحزب في تحقيق تعامل طبيعي مع الشعب. إنك تشعر بأن كل شيء فيه غير طبيعي. لا يوجد في تاريخ العمل السياسي في العالم ولا في تاريخ الفكر السياسي أن حزبا حصل على أغلبية برلمانية بدون المشاركة في انتخابات تشريعية. أظن هذا ما يقصد بالخصوصية المغربية كما يروج لها البعض، كيف تصبح زعيما سياسيا وتحصل على أغلبية برلمانية في تسعين يوما؟ لقد ارتكب القائمون على صناعة حزب "البام" خطأ قاتلا يصطلح عليه في الدراسات الاستراتيجية ب"خطأ التسديد"، وأخطر شيء على أي كيان اجتماعي أو سياسي أو مؤسساتي هو سوء التقدير وتضخم الذات. بل، لقد كانت قراءتهم أيضا للمشهد السياسي قاصرة غدرت بهم وأصبحوا ضحية تحليلهم لأنهم لم يؤمنوا بعوامل الاجتماع والتاريخ وتفاعل الوضع الوطني بالوضع الإقليمي والعالمي. اعتقدوا، بناء على إحصائيات وتقارير أجهزة أمنية واستخباراتية، أن الأحزاب في المغرب ماتت وأن ساعة الحصاد قد حانت، وإلا ستكون استحقاقات 2012 موسما إسلاميا. لقد استعجلوا صناعة حزب "البام" دون توفر الشروط الموضوعية قبل انتخابات 2007 و2009 التشريعية والبلدية، لأن التقارير الغربية كانت تؤكد فوزا ساحقا للعدالة والتنمية، مما شكل لدى النظام السياسي مزيجا من الخوف والتحفيز في نفس الوقت للقيام بإجراء جراحي موضعي واستنبات حزب بشهية لا حدود لها وطموح لا يقوم على الوقائع والمقومات، وإنما على الاعتقاد بأن القرب الملكي والسلطة قادرة على كل شيء، شراء الذمم وتخويف الناس بالملفات والسجون، فأحدثوا في الساحة السياسية نوعا من الهلع وأشاعوا ثقافة غير مسبوقة، حتى أصبحنا لا نعرف من اليساري من اليميني ومن الإسلامي من الليبرالي، إنها فوضى الانتماء الفكري والبرامج السياسية والسياحة البرلمانية. لقد خرج الحزب من عقاله وتجاوز وظيفته وأصبح يرى كل الأحزاب عبارة عن مجال حيوي يجب أن تخضع له ويبلع بدون هضم الكثير منها استعدادا، في اعتقاده، لمواجهة غريمه السياسي في أفق 2012، العدالة والتنمية. لقد أصبح مثل شخصية "فرانكشتاين"، ظاهرة سياسية خارج السيطرة. والخطأ الثاني للقائمين على حزب "البام"، هو أنهم لم يتعاملوا بإيجابية مع ثورات الشباب العربي "وما ينبغي لهم وما يستطيعون"، لأن ثقافتهم السياسية، رغم وجود يساريين ذوي الأحلام الثورية سابقا، لم تصطف مع التغيير والإصلاح الحقيقي، ولو من باب النفاق السياسي، كما فعلت العديد من الأحزاب، وبالتالي لم يتعاملوا بجدية وبعد نظر مع شباب حركة 20 فبراير وحركات التصحيح الأخرى، واعتقدوا أن الأمر مجرد اندفاع وحماس سرعان من سيخمد وينتهي وتعود حليمة إلى عادتها القديمة. لقد خاب ظنهم وخابت حساباتهم. تساءلت في مقال لك عن غياب ما وصفتهم بالعلماء المستقلين الغائبين عن اللجنة الإستشارية لتعديل الدستور ، هل ترى فائدة من هذه اللجنة الدستورية غير المنتخبة والتي وصفتها بالإهانة للمغاربة حتى يشاركوا ، ثم هل لك أن تسمي لنا بعض هؤلاء العلماء الذين تساءلت عن غيابهم ؟ تساؤلي عن غياب العلماء كان منهجيا فقط وليس مبدئيا، بمعنى أنه إذا كانت لجنة المنوني المعينة بتركيبتها فاقدة للاختصاص والتوازن وغير شرعية، فلا فائدة من وجود العلماء أصلا في عضويتها، ولكن عدم توجيه الدعوة إليهم، بل عدم الاكتراث بدورهم هو مربط الفرص، إلا أن يقولوا مرة أخرى بأن الخصوصية المغربية تقتضي شرعا عدم خوض العلماء في هذه المسائل السياسية الخلافية وأن الأمر متروك لأهل الاختصاص والأمر. إن ما قصدته هم العلماء بعلم السياسة الشرعية وأصحاب الاجتهاد في فقه المقاصد والأحكام وليس في فقه الوضوء ومراقبة هلال رمضان، وهم كثر في بلادنا رغم صمت الكثير منهم خوفا من المضايقة وحملات علماء السلطة والتنكيل والإبعاد، إلا أن هناك أصواتا من العلماء الصادقين الذين قاموا وقالوا كلمتهم الحقة. في هذا السياق تذكرت المشروع الدستوري ل"جمعية الإتحاد والترقي" عام 1908 والذي تضمن 93 مادة ، والمادة 93 أشارت إلى أنه ليس من حق أحد بما فيه السلطان نفسه أن يغير من هذا الدستور أو يزيد أو ينقص ما عدا ما سمي آنذاك ب"منتدى الشورى" ، يعني ليس من حق السلطان أن يعدل من الدستور، في حين في ظل الدستور الحالي يمكن للملك اللجوء بمقتضى المادة 103 لتعديل الدستور مثلا الحد من سلطات البرلمان ونحن في 2011 هل دخلنا طور الحداثة أم أننا تخلفنا عن زمن 1908 ؟ لقد كان مشروع دستور 1908 وكل المشاريع الأخرى التي شهدتها تلك المرحلة متقدما بالمقارنة مع زمانها وبيئتها وظروفها. يجب الإشارة إلى أن العلماء لعبوا دورا كبيرا في صياغة دستور 1908 وفي السياق الذي رافقه، خاصة وثيقة البيعة المشروطة التي ألحقت به، من إعداد العلامة الشهيد محمد بن عبد الكبير الكتاني. لقد أكد التاريخ أن الأنظمة السياسية، ملكية أو غيرها، لا تقدم تنازلات من اختصاصاتها وسلطاتها للطبقة السياسية على طبق من ذهب، وإنما "تأخذ الدنيا غلابا"، أي إذا عزفت الأحزاب اليوم عن الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية التي هبت على العالم العربي واستقبلها العالم بإيجابية، لإعادة ترتيب العلاقة بين مؤسسات الدولة، بين المؤسسة الملكية وقوى المجتمع، وتوزيع السلطات بشكل متواز يحفظه الدستور والأنظمة القانونية والتشريعية، فلا يمكن تصور وتوقع تنازلات حقيقية من قبل الملك لفائدة أي سلطة أخرى، وإنما سنشهد نوعا من إعادة الانتشار لاختصاصات المؤسسة الملكية وفق خريطة وهندسة جديدة، تمنح لباقي المؤسسات، الحكومية والبرلمانية والقضائية، سلطات شكلية، وتحتفظ لها بالسلطة التنفيذية عبر مؤسسات موازية وقنوات غير حكومية تتعامل مباشرة مع المواطن. قلت بأن حركة 20 فبراير لا تدعو لمراجعة ما لا تتناوله المراجعة ، أي النظام الملكي والإسلام ، ولكن هذه الحركة يشارك فيها من هم ضد النظام الملكي كفعاليات العدل والإحسان ومن هم ضده وضد الإسلام من علمانيي اليسار الجذري، وشباب يدعو لحرية يراها البعض مستفزة، خذ مثلا لا حصرا أحد أهم الشباب الفاعلين في الحركة نجيب شوقي ، أنت تعلم أنه كان فاعلا مهما أيضا في "حركة مالي" الداعية للإفطار علنا نهار رمضان ؟ ليست لدي علاقة شخصية مع كل هذه الأطر والأشخاص الذين ذكرت، كما ليست لدي أحكام قيمة بشأن حياتهم الخاصة والبيوت أسرار كما يقال، بمعنى أنه إذا فتحنا هذا الباب، فستدور المعركة حول حياة الناس وليس حول مصالح الناس. المجتمع المغربي كان ولازال فيه، قبل ميلاد حركة 20 فبراير، المجاهرون في رمضان الفضيل والعلمانيون والمعارضون لسياسات النظام والمؤيدون، فلماذا التركيز اليوم على هذا الأمر؟ كل طرف الآن فيه شيء من هذه السلوكيات والمواقف، ونحن لسنا بصدد إقامة محاكم تفتيش لنبحث في نوايا الناس وتصرفاتهم، نحن أمام لحظة تاريخية اجتمع فيها المغاربة، لأول مرة في التاريخ المعاصر، على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم ومنظومتهم القيمية ومرجعياتهم، على أرضية واحدة ومشتركة وهدف واحد: التغيير نحو الأفضل لكل مناحي الحياة المغربية. انظر كيف تصرف المغاربة تجاه الجريمة النكراء التي استهدفت مواطنين وسياح أبرياء في مقهى "أركانة" بمراكش. لقد أدانوها بالإجماع ووقفوا وقفة مواطن واحد، ثم عادوا إلى مطالبهم الأساسية. هذا تطور اجتماعي وحضاري وثقافي لم يشهده المجتمع المغربي منذ فترة طويلة، يجب على النظام السياسي أن يأخذه في الاعتبار. تساءلت عن أسباب تأخر قرارات الملك بشأن الإفراج عن المعتقلين وقلت بأن جهات نافذة هي التي وضعت الملك في حرج مع شعبه، ولكن قضية هؤلاء معروفة لدى القاصي والداني، هناك من يعتبر قرار العفو وتوقيته استجابة لضغط 20 فبراير لا تأخرا بمعنى أن المعتقلين لولا 20 فبراير ما رأوا النور ، ثم هذا عفو ملكي أي إجراء قانوني وسياسي أيضا نضعه في السياق الراهن وليس إفراجا مصحوبا باعتذار وفتح التحقيق في الملفات المفبركة والتي راح ضحيتها هؤلاء، لماذا لم يصدر العفو حين دعا الملك لإصلاح القضاء مباشرة في خطب العرش عام 2007 ، دعوة الإصلاح تعني أن هناك فسادا والفساد القضائي معناه أحكام جائرة ؟ ولماذا لم يتم تعويض هؤلاء خصوصا وأن منهم من استغرق مدة الحكم أو كاد ؟ لا يمكن لعاقل سياسي ألا ينظر للجانب الإيجابي في العفو الملكي عن المعتقلين السياسيين، من كل ألوان الطيف، ولكن أرى أن التوقيت أثر على الدور الذي يقوم به الملك، بحيث سبق أن صرح الملك عام 2005 بأن ملف 16 ماي شابته تجاوزات، فانتظرنا حتى 2011 ليصدر قرار العفو في سياق أحداث ومطالب 20 فبراير، بعد مرور ثماني سنوات على اعتقال مواطنين ظلما، ثم جاء ملف اعتقال قيادات إسلامية شهدت لها كل القوى السياسية الحية والحقوقية والفكرية الوطنية والدولية بالرشد السياسي والرجاحة الفكرية وطالبت بتبرئتها خلال سنوات الاعتقال دون جدوى، وأيضا ملف مجموعة التامك من أقاليمنا الصحراوية. لا يمكن أن يصدر الملك كل مرة عفوا لتصحيح مسار وأحكام قضاء ينطق بأحكام باسم الملك، هناك إشكال يجب حله في إطار مشروع إصلاح القضاء، كما لا يجب إقحام الملك في أخطاء وتجاوزات يرتكبها مرة القضاء أو وزارة الخارجية أو جهات أخرى. لقد فهم الرأي العام الوطني والدولي بأن قرار العفو الملكي جاء تحت ضغط الشارع، وأعتقد أن القرار الملكي يندرج أيضا في سياق تطورات ملف الصحراء وأجواء التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة، خاصة محاولات بوليساريو والجزائر جعل ملف حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية ضمن مهام "المينورسو". هل تخشى من تكرر سيناريو 1962 والإصلاحات الشكلية ؟ ليس لدي من الضمانات لأكون متفائلا بشأن ما ستسفر عنه لجنة المنوني، خاصة مواقف الأحزاب التقليدية الماسكة بتلابيب المخزن أو التي رأت في خطاب 9 مارس إشارة لإبرام صفقة سياسية مع السلطة للحد أو الالتفاف أو إفراغ مطالب عامة الشعب المغربي في إنجاح حركة الإصلاح الدستوري والسياسي، لكن السياق العربي والدولي وديناميكية الشعب المغربي تفتح آفاقا واسعة على مستقبل أفضل، وستبقى الكلمة الفصل للشعب المغربي يوم الاستفتاء على الدستور المعدل لهذ اللجنة غير الشرعية. هل أنت مع دسترة اللغة الأمازيغية ، البعض يرى أن ذلك سيكلف ميزانية ضخمة وكرر ما قالته كاتبة جزائرية بخصوص دسرتها من تعدد اللهجات الأمازيغية ، ثم هل ترى أن الأمر سيؤثر على ثقل عنصر هام وهو انتساب الملك إلى العرب المسلمين من آل البيت ؟ من الخطأ النظر للمسألة الأمازيغية بمقاربة محاسباتية، لأن القضية تهم الشعب المغربي برمته، عربا وأمازيغا، ثم لا أعتقد أن دسترتها ستكون لها التداعيات التي ذكرت. إن المشكلة الأساس ليست بهذا المعنى، وإنما في التوظيف السياسي لقضية تهم هوية وتاريخ وثقافة جزء معتبر من المغاربة، ولا تختلف قضية الأمازيغية عن قضية الصحراء المغربية من ناحية كيفية تعامل النظام معهما فهما وإدارة وتوظيفا . يجب كسب ثقة الناس قبل الحديث عن أي شيء وجعلهم يؤمنون بالعيش المشترك، وبأن المغرب بيت المغاربة جميعهم، وليس أن تحكم الأقلية الأغلبية، وهو ما نسمعه اليوم في شعارات الشباب والشعب، آل الفاسي يحكمون باقي فئات الشعب المغربي من مختلف المناطق والأقاليم. والشاهد عندنا هو عدد آل الفاسي في جميع مناحي الحياة السياسية والإعلامية والرياضية والاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية. احتجت حركة ممكن يوم 23 أبريل لإعادة الإعتبار للكتاب وضد سياسة " كلخ تسد" ومهرجان موازين الذي تبذر فيه ميزانية خيالية ، هل تفاعلت مع الحركة ؟ جواب: لا يمكن إلا أن أتفاعل مع كل دعوة وطنية تعمل على تصحيح الأوضاع واحترام رأي المواطن. لا يقبل لا شرعا ولا عقلا أن يفرض شخص مثل محمد منير الماجدي، رئيس مهرجان موازين وصديق الملك، نمطا فنيا وثقافيا معينا على ملايين المغاربة لا يعكس قيم المجتمع ويبذر المال العام. كيف يسكت مواطن يسكن في مرحاض أو بيت من صفيح أو في الخلاء بغابة معمورة ولا يضمن قوت يومه وهو يسمع أن مغنية مثل "شاكيرا" ستتقاضى، من دافعلي الضرائب، 120 مليون درهما؟ ليس فقط يجب أن يرفع صوته عاليا ضد هذا الفساد المالي والأخلاقي، ولكن سيكون آثما وفاقدا لمواطنته ووطنيته إن لم يعترض على تنظيم هذا المهرجان المنافي للقيم الإسلامية وللذوق الفني الرفيع. هل شاركت في احتجاجات 24 أبريل ؟ للأسف لم أشارك، لأنني لا أقيم في المغرب، وكنت ولا زلت أعتصر كمدا وحرقة على ما يلحق بوطني وبالمواطنين خاصة من سياسات لا تحترم إرادتهم واختياراتهم. استيقظ الناس في مراكش على هول تفجير أركانة في جو المطالبات بالإصلاح وتوجيه الأصابع نحو شخصيات نافذة يريد الشعب محاسبتها، وهذا يؤشر على الظرفية التاريخية التي يعيشها الشعب المغربي والتي شرع فيها بالدخول في طور الحرية والوعي بما يجري، ماذا يمكنك أن تقول بخصوص هذه التفجيرات المدانة من قبل الجميع ؟ تفجيرات مقهى "أركانة" بمدينة مراكش جريمة ضد الإنسانية، مغاربة وأجانب ضيوف على بلادنا، ومن حق الشعب المغربي أن يعرف الجناة الفعليين وأن يحاكموا وتنزل بهم أشد العقوبات وأقساها. من جهة أخرى، إن عدم خضوع جهات أمنية واستخباراتية ببلادنا لسلطة القانون وسلطة مؤسسة الوزير الأول ورقابة البرلمان ووجود سوابق وتجاوزات في حق مواطنين أدانتها منظمات حقوقية وطنية ودولية، تجعل الوثوق بروايات هذه الجهات أمرا صعبا، خاصة وأنها، ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001، وانخراطها في الأجندة الاستراتيجية الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب، وما تلاها من جرائم عامي 2003 و2007، وتصريحات الملك بأن تجاوزات طالت المحاكمات ذات الصلة، ثم العفو الملكي يوم 14 أبريل عن الذين حوكموا من تيار السلفية الجهادية وقادة التيار السياسي الإسلامي الذين حوكموا على خلفية أحداث 16 ماي وملف "بلعيرج"، كل هذا يجعل المرء لا يدري من يملك حقيقة ما حصل في كل هذه المحطات الأليمة، هل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية أم القضاء أم المتهمين أم العفو الملكي؟ ما رأيك في دعوة مجلس التعاون الخليجي لانضمام المغرب له؟ لقد أجاب التاريخ على هذا السؤال، إذ غداة الثورات الفرنسية والبولشفية والإيرانية، وكلها ثورات على الملكية، هرعت الملكيات لإعادة ترتيب صفوفها وأوضاعها الداخلية وتركت خلافاتها جانبا والبحث في سبل تعزيز وضعها في إطار تكتلات إقليمية وأحلاف مقدسة لمواجهة المد الثوري. علينا أن ننتظر حتى تظهر ملامح هذا التطور السياسي والاستراتيجي المهم، لنعرف أي دور للمغرب في هذا المجلس الخليجي وفي هذه المنطقة الذي تبعدنا عنها آلاف الكيلومترات والتي تشهد غليانا اجتماعيا وحراكا سياسيا مرشح لتطورات جوهرية، ولكن المصالح السياسية لا تخضع لمعايير الجغرافيا. كلمة أخيرة.. أرجو أن يكون الاستثناء المغربي، كما يزعم البعض، نموذجا حضاريا في التعاطي مع حركات التغيير ومطالب الشعب المغربي وحقه في الكرامة والرفاه والديمقراطية والعدالة ومساءلة من ينتخبهم ويفوضهم لإدارة شؤون الدولة وخدمة مصالحه. ما أومن به وأتمنى تحقيقه واقعا هو الاحتكام إلى صوت الشعب في كل شيء.