تَعتبر المركزيات النقابية 2018 "سنة سوداء"، بسبب جمود المفاوضات بينها وبين الحكومة الحالية، بعدما فشل الطرفان في التوصل إلى اتفاق مشترك بخصوص الزيادة في الأجور وتحسين وضعية الشغيلة المغربية، في ظل المؤشرات الاجتماعية "المُقْلقة" التي تؤكدها تقارير بعض المؤسسات الدستورية. ويسود غليان شديد في صفوف المركزيات العمالية، نتيجة عدم تخصيص الحكومة لأي اعتمادات مالية تهم الحوار الاجتماعي في مشروع قانون مالية 2019، معتبرة أنه "تهديد واضح للقدرة الشرائية للمواطنين"؛ وهو ما دفع مختلف النقابات إلى استهلال العام الجديد بالمسيرات الاحتجاجية، طلبا للزيادة في الأجور وإحياء الحوار الاجتماعي. الشباب والتشغيل علي لطفي، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل، قال إن "التعليمات الملكية كانت واضحة بخصوص مأسسة الحوار الاجتماعي، من خلال الخطاب الملكي الأخير الذي طالب فيه رئيس الحكومة بدعوة الفرقاء إلى الحوار، من أجل تبديد الخلافات بين الطرفين؛ لكن مع كامل الأسف مر على الخطاب أزيد من شهرين دون إجراء أي جلسة حقيقية للحوار الاجتماعي". وأضاف لطفي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، "مرت سنة 2018 فارغة على مستوى الحوار الاجتماعي المؤسساتي، خاصة في ما يتعلق حتى بتقنين تنظيم هذا الحوار؛ لأن المغرب يعتبر ربما البلد الوحيد الذي نتحدث فيه عن حوار اجتماعي بدون وضع قانون يُنظم جلساته. إذا أخذنا فرنسا التي نستمد منها القوانين الوطنية، فقد تعدّل قانون الحوار الاجتماعي والتشغيل سنة 2015". وأوضح الفاعل النقابي أن "الحوار الاجتماعي تحكمه مجموعة من الأولويات؛ فإذا كنّا سنطالب بالزيادة في الأجور، فلا يجب إغفال قضايا تشغيل الشباب والعاطلين وخريجي الجامعات وغيرها من الفئات المجتمعية، باعتبار أن غياب قانون تنظيم النقابات يناقض الفصل الثامن من الدستور الذي ينص على ضرورة إخراج هذه الآلية القانونية إلى الوجود، لكن رئيس الحكومة بنفسه قال إنه يجهل هذه المادة الدستورية حينما سئل ذات مرة". قانون النقابات أكد لطفي أن "المركزيات العمالية ما زالت تشتغل بنظام 1957، في الوقت الذي يجب فيه التعجيل بإخراج القانون حتى تتمكن من تنظيم ميزانية النقابات، وكذلك تواريخ انعقاد مؤتمراتها الوطنية؛ وهو ما يستدعي تجاوز هذا القانون القديم، حتى نعرف الفروق بين النقابة والجمعية، بينما تتوفر الأحزاب السياسية على قانون تنظيمي يؤطر المهام والأدوار التي تقوم بها في علاقة برئاسة الحكومة". وشدد الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للشغل على أن "مأسسة الحوار الاجتماعي، عبر إصدار القانون التنظيمي، سيمكّن من تحديد رؤية شمولية وأهداف واضحة مُحكمة بأجندة معينة؛ لكن من المعلوم أن الحوار يأتي نتيجة لضغط الشارع واحتجاجات بعض القطاعات. ومن ثمَّ، بات مجرد وسيلة لامتصاص غضب المواطنين، سواء تعلق الأمر باحتجاجات الريف وجرادة وغيرها من المناطق". الرقابة على القطاع الخاص "لا توجد أي إرادة سياسية من أجل مأسسة الحوار الاجتماعي الذي تحولت جلساته إلى مجرد عادة تُلتقط فيها الصور فقط؛ لأن الزيادة التي يقترحها رئيس الحكومة (100 درهم عن كل طفل خلال ثلاث سنوات) تظل غير كافية، لا سيما أن أسعار المواد الغذائية تضاعفت نحو ثلاث مرات، إلى جانب الارتفاع المهول في الخدمات، من قبيل الصحة على سبيل المثال التي صارت متاحة لمن له القدرة على الدفع، وكذلك القانون الإطار للتعليم الذي يوجد حاليا في قبة البرلمان، لأن من شأنه القضاء على مجانية خدمة التعليم، بدءا من التعليم العالي، مرورا بالتعليم الثانوي، ثم التعليم الابتدائي"، يؤكد لطفي. وأبرز القيادي النقابي، في تصريحه لهسبريس، أن "الحوار الاجتماعي هدفه إسكات الطبقة العمالية؛ لأنه لا يحمل أي خلفية سياسية، كما أنه غير مبني على أسس واضحة ومقننة.. لذلك يجب الالتزام بالجولات الثلاث التي تُعقد في كل سنة. أما النقابات الأكثر تمثيلية، فلِزام عليها أن تتفق على حد أدنى من المطالب التي ستناقش في جلسة الحوار بغرض مواجهة الباطرونا، باعتبار أن المطالب تقتصر على القطاع العام فقط، في حين يتم إغفال القطاع الخاص الذي يُشغل 3.8 ملايين شخص". وأشار المتحدث إلى أنه "لا يمكن إغفال وجود شريحة عريضة غير مسجلة أصلا في الضمان الاجتماعي، ما يجعلها تشتغل في مهن هشة، وبالتالي تُحرم من حقوقها دون وجه حق؛ لأن الحوار الاجتماعي يعد من اللبنات الأساسية للديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ما يستدعي مأسسة وتنظيم الحوار في المستقبل، حتى يتسنى الرفع من القدرة الشرائية للمواطنين، عوض تضليل الرأي العام الوطني والمؤسسات التي تعطي القروض للحكومة، بدعوى أنها تلتزم بمحاورة النقابات، حتى تستفيد من الخط الثالث والرابع من القروض"". زيادة الفوارق وبخصوص مدى مساهمة قانون مالية سنة 2019 في التخفيف من الضغط الاجتماعي، أكد لطفي أن "التوجهات الملكية تهم ضرورة الاعتناء بفئة الشباب والحرص على تشغيلها؛ لأنها تعتبر القاعدة العريضة للمجتمع المغربي، ومن ثمّ تشكل قنبلة موقوتة يجب على الحكومة أن تولي لها الأولوية في صياغة برامجها، إذ نلاحظ عودة قوارب الموت وانتشار ظواهر المخدرات والجريمة المنظمة والفراغ القاتل، ما يتطلب خلق فرص الشغل ومضاعفة المناصب في قانون المالية، سواء تعلق الأمر بالجماعات الترابية أم الجهات أم الوظيفة العمومية، حتى تصل إلى نحو خمسين ألف موظف على الأقل". وختم الفاعل النقابي تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية بالقول إن "فرص الشغل لا يقصد بها التشغيل بالعقدة، وإنما الإدماج داخل الوظيفة بشكل رسمي، وكذلك احترام معدل الأجور وتوفير الحماية الاجتماعية، حتى لا تتسع الفوارق الطبقية التي وصلت إلى حدود غير مقبولة بين الأثرياء والفقراء، بعدما دُمرّت الطبقة المتوسطة.. ومن ثَمَّ، على الحكومة إعادة النظر في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والعدالة المجالية، بغية القضاء على الفساد والفقر، لكن قانون مالية 2019 يشبه باقي القوانين لأنه لم يغير أي شيء في التوجهات العامة، بل إنه يكرس سياسة الترقيع التي تهدد استقرار البلاد".