تظاهرة فنية فريدة من نوعها نجحت في استيعاب حجم الاختلاف بين الثقافات والديانات السماوية في العالم، تلك التي احتضنها مطعم يدعى "سقالة" بمدينة الدارالبيضاء، من تنظيم جمعية "ماروكان بلورييل"، بعدما جسدت التعايش المشترك والتسامح المنشود في مختلف بؤر الصراع والحروب. وأجمع المتدخلون في الندوة، على أن "العالم في حاجة اليوم إلى التبادل الديني وحوار الثقافات، نظرا لما يعرفه من شتات كبير بسبب تنامي موجات العنصرية والتجارة في الدين"، داعين إلى "إشاعة قيم السلام والأمن بين مختلف المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم أو أجناسهم أو أعراقهم أو دياناتهم". وحذّر الباحثون في الديانات السماوية الثلاث، خلال مجمل مداخلاتهم، من "وقوع عشرات الشباب ضحايا للتطرف الديني بفعل غياب التأطير، ما يدفعهم إلى الارتماء في أحضان مواقع التواصل الاجتماعي، التي تغرس في دواخلهم قيم التشدد واللاتسامح في غالب الأحيان". وفي هذا السياق، قال الحاخام ليفي بانون، رئيس جمعية شباب الطائفة اليهودية "لوبافيتش" بالمغرب، إن هذا الحدث يعتبر "أول مرة أتحدث فيها عن الموضوع بحضور ممثلي باقي الديانات السماوية الأخرى، وذلك بهدف إشاعة قيم السلام التي تحث عليها الديانات". وأضاف الحاخام ليفي بانون، أنه "يجب الرجوع إلى الماضي، من أجل معرفة السبب الذي يقف وراء انتشار الديانات السماوية بالعالم كله، نظرا إلى أهميتها في إشعاع قيم الحب والتسامح بين الآخرين". كريستوبال لوبيز روميرو، رئيس أساقفة مدينة الرباط، أوضح أن "البشر إخوة جميعا في الإنسانية، لأن الخالق موحد بين الديانات، وبالتالي فإن الإنسان يجسد صنيعة الإله"، مشددا على أن "تبني هذه المقاربة من شأنه تغيير الكثير من الأحداث المأساوية التي تقع بالعالم". وفي رده على سؤال هسبريس بخصوص معضلة المهاجرين بالمغرب، أشار لوبيز روميرو إلى أن "الهجرة عامل تنوع في مختلف دول العالم أجمعين، ولا يمكن التعامل معهم بأي شكل من أشكال العنصرية"، مستغربا رغبة الشباب المغاربة في مغادرة البلاد، مؤكدا أن المملكة تتوفر على إمكانيات مهمة جدا يجب استثمارها. من جهته، نبّه عبد الله الشريف الوزاني، الباحث في الدراسات الإسلامية في جامعة محمد الخامس بالرباط، إلى أن "الكثير من الحروب التي تُفتعل في بعض المناطق لا تمت إلى الإسلام بصلة، باعتباره دين التسامح والأخوة منذ القدم"، مشيرا إلى "انتشار تجارة الدين التي تستعمل لأغراض أخرى، لذلك يجب ألا نترك الساحة فارغة لهؤلاء التجار". وانتهت الندوة الثقافية ذات الطابع التنويري، الهادفة إلى مد جسور التواصل بين الديانات السماوية، بتبادل التّحايا بين الحضور الذين فاق عددهم سبعين شخصا، في إشارة إلى ضرورة غرس جذور المحبّة والتعاون بين المواطنين، ثم تجفيف منابع التطرف الديني الذي يغرف من الممارسات الدينية المغلوطة، لتختتم الأمسية الفنية بعروض موسيقية تنهل من الإرث الحضاري للديانات الثلاث.