يبدو إميل سيوران، الفيلسوف الروماني الرهيب، حاسما في مسألة الدنوّ من عرش السلطة، فهو يقول في كتابه "المياه كلها بلون الغرق" وبالتحديد في فصل بعنوان دوار التاريخ :(حين يشبع الطغاة شراستهم يتحولون إلى رجال طيبين، وكان يمكن أن تعود الأمور إلى نصابها لولا غيرة العبيد، و رغبتهم في إشباع شراستهم هم أيضا). يواصل سيوران الذي كان يرى أن الإنسان يسيل خرابا :( إن طموح الخروف إلى أن يتقمص دور الذئب هو باعث أغلب الأحداث، كل من ليس له ناب يحلم به، و يريد أن يفترس هو أيضا، و ينجح في ذلك بواسطة حيوانية الكثرة). تشكل هذه القولة بالنسبة لي منظارا كبيرا يمكن من خلاله النظر إلى الغبار الذي تثيره هذه الأيام الثيران التي تركض في حلبة السباق الانتخابي، فكل من ليس له ناب يحلم به، ويريد أن يفترس هو أيضا، هكذا ترى الكثرة الكاثرة في بلدنا مفهوم العضوية في مجلس جماعة من جماعات المغرب. تحيل كلمة الناب في معظم التأويلات على اثنين لا ثالث لهما : الذئب أو الكلب، و معظم الكائنات الانتخابية لا تذهب أبعد من حدود هذه الضيعة، إنها تقف بين فكرة الحراسة – حراسة القطيع- التي تدور في جمجمة الكلب و فكرة الافتراس التي تراود الذئب. امتلاك الناب هو حلم الكثيرين من مرضى السياسة، الرغبة في الحصول على موقع سلطة، مهما كان حجم هذه السلطة، الحلم بالتحكم في مصير الآخرين، حتى لو كان هذا الحلم وهما، الجشع و الطمع في الحصول على نصيب من ثروة الفقراء، المرض المزمن بالتسلط و الجلوس على كرسي من أجل تسيير و تدبير الشأن العام، الذي يتحول بالتدريج إلى شأن شخصي. يفكر المترشحون للانتخابات في النجاح و الفوز بمقعد داخل المجلس، الحلم الوحيد للمترشح المغربي هو النجاح فقط، معظم المترشحين عميان، و لا يرون أبعد من النجاح، لا يفكرون في هذه السنوات الضوئية و المائية التي قضيناها في التخلف، لا يحلمون بتغيير التاريخ، و تحويل القمامة إلى حديقة. يؤكد المفكر المغربي عبد الله العروي في كتابه "مفهوم الإيديولوجيا أن كل حزب سياسي لا يملك إيديولوجيا هو حزب انتهازي، و عليه فمعظم أحزاب المغرب اليوم انتهازية و تدافع عن انتهازيتها عبر تزكيتها لعدد هائل من المجرمين و المعتوهين و المحتالين لتولي أمر هذا الشعب، لم تعد الصراعات بين الأحزاب صراعات أفكار و توجهات و انتماءات بقدر ما صارت صراع أموال و مصالح و نفوذ. لا يذهب الكثير من المغاربة إلى صناديق الاقتراع للتصويت على هذه الكائنات، لأن هؤلاء الكثيرين من المغاربة صاروا اليوم ينتمون بشكل أقوى إلى المغرب، و لم يعودوا من سكان المريخ بحيث كان أي مهرج وقح يلعب بمصائرهم طيلة نصف عقد من السنوات، و أحيانا طيلة نصف قرن. أيام فقط و ستوضع الصناديق على الطاولات، و ها نحن نرى الهستريا، لن يكون الحدث عيدا أو حفلا كما هو الأمر في الدول التي تحترم أفكارها و تحترم وعدها بالقدر ذاته الذي تحترم موعوديها، هذه الأيام في المدن تقع الغرائب و العجائب، و في القرى و البوادي تقع الكوارث، لن تتقدم هذه البلاد ما دامت أيام الانتخابات مقرونة بالرشاوى و الحفلات السرية و إطعام المصوتين و إغرائهم بالوعود الكاذبة و شراء الذمم و الافتراء على الناس و تلفيق التهم للخصوم، لن تخطو هذه البلاد نحو أحلامها مادامت الأيام التي تأتي بعد الانتخابات أيام زرود و شيخات و خزاين و تبوريدة، و نصف عقد آخر من النهب و الاحتيال و إنهاك مالنا، المال الذي يتحول في مغرب القرن الواحد و العشرين في رمشة عين من مال عامّ إلى مال خاص. أما إميل سيوران - شجرة الرومان التي تفرعت أغصانها في فرنسا- فقد انشغل عن هؤلاء بأمور أخرى غير أنه و غير بعيد عن السياسة و أمراض السياسيين يقول في جملة تبدو عزاء جيدا لأولئك الذين سيفشلون و سيخرجون خاويي الأيادي و الصناديق من هذه الانتخابات: (لو عرف العنّينون كم أن الطبيعة كانت أمّا حنونا معهم لباركوا سبات الأيور و تباهوا به في الشوارع). * كاتب وشاعر مغربي [email protected]