تقدمت "عائلات سياسية" معروفة بالمغرب، مكونة من الأب والابن أو الابنة والزوجة، إلى الترشيح في الانتخابات البرلمانية المُزمع تنظيمها في البلاد 25 نوفمبر/ تشرين الثاني، من أجل تقوية حظوظها للفوز بمقاعد تحت قبة مجلس النواب الجديد. وحذر مراقبون ومحللون من تأثير ظاهرة العائلات السياسية أو أحزاب العائلات على المشهد السياسي والانتخابي بالبلاد، باعتبار أن ترقي النخبة السياسية في المغرب يجب أن يعتمد على الكفاءة والمنافسة الشريفة، عوض النسب والجاه والولاءات الشخصية. وترشحت عائلة "آل الشعبي" الثرية، المكونة من الأب الملياردير والابن والابنة، في مدينتي الرباطوالقنيطرة، وتقوم من جهتها عائلة "آل الفاسي" النافذة في أوساط السياسة والسلطة بمجهودات كبيرة لفائدة حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة الحالية، بينما ترشحت عائلة حميد شباط، عمدة مدينة فاس، مكونة من الأب والأم والابن، في المدينة ذاتها وفي مدينة تازة أيضا. آباء وأبناء وزوجات وقدم الملياردير الشهير ميلود الشعبي ترشيحه الانتخابي في مدينة القنيطرة غرب البلاد، بجانب ابنته أسماء الشعبي العمدة السابقة لمدينة الصويرة، كوصيفة له، فيما ترشح ابنه فوزي الشعبي في العاصمة الرباط، وكلهم باسم حزب البيئة والتنمية المستدامة، بعد أن ترشحوا في انتخابات 2007 باسم حزب التقدم والاشتراكية. وتشير معطيات كثيرة إلى احتمال فوز واضح لرجل الأعمال ميلود الشعبي، نظرا لشعبية الرجل وأفراد عائلته في المدينة التي ترشحت فيها، باعتبار العديد من الخدمات الاجتماعية والثقافية التي أسداها لأهالي المنطقة، ومن ثم يوجد احتمال كبير في أن يجلس الأب وابنه وابنته جميعا تحت قبة البرلمان الجديد، للتداول في قوانين تشريعية يبت فيها مجلس النواب. واختارت عائلة الفاسي الفهري، المعروفة بتبوئها لمناصب سياسية عليا ووظائف سامية في البلاد، أن تبذل قصارى جهودها وخبرتها لدعم حزب الاستقلال، الذي يشغل منصب أمينه العام عباس الفاسي، وهو أيضا رئيس الحكومة الحالية، وذلك خلال الانتخابات البرلمانية التي ستجري الجمعة المقبل. ورغم عدم ترشح عباس الفاسي في هذه الانتخابات التشريعية، لتفرغه لكتابة مذكراته السياسية، وأيضا لمد شباب حزبه بالخبرة التي اكتسبها من مساره الوزاري الطويل، فإن قريبته ياسمينة بادو، وزيرة الصحة الحالية، ترشحت في إحدى دوائر مدينة الدارالبيضاء. ومن جهتها، دخلت عائلة عمدة العاصمة العلمية فاس، إلى نادي العائلات السياسية بالبلاد، حيث رشح العمدة المثير للجدل حميد شباط نفسه وزوجته الناشطة الجمعوية فاطمة طارق في المدينة ذاتها، بينما دعما ابنهما نوفل شباط للفوز بأحد مقاعد مدينة تازة. الكفاءة أم الوجاهة ويعزو الدكتور إدريس لكريني، أستاذ الحياة السياسية بجامعة مراكش، في تصريحات ل "العربية.نت"، سبب تفشي ظاهرة عائلات سياسية بعينها ضمن ترشيحات الانتخابات المقبلة، إلى الأحزاب نفسها بقسط وافر من المسؤولية، باعتبار أن الأساس الذي ينبغي الاعتماد عليه في منح التزكيات الانتخابية هو الكفاءة. وأوضح المحلل السياسي أنه قد يكون أمرا طبيعيا أن توجد أسماء من عائلة واحدة في بعض البلدان، مثل آل بوش الأب والابن، وآل كلينتون، الزوج والزوجة، وآل كينيدي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، لكن في المغرب، يضيف لكريني، اتخذت الظاهرة طابعا سلبيا، حينما نجد أفرادا من عائلة واحدة في ترشيحات لمسؤوليات هامة مثل البرلمان، ويكون ذلك أحيانا كثيرة على حساب الديمقراطية الداخلية للأحزاب. وبحسب لكريني، تطرح ظاهرة العائلات السياسية إشكالية ولوج النخبة السياسية للمغرب، هل يعتمد على النزاهة والكفاءة، وعلى المنافسة الشريفة، أم أن الأمر يرتبط بالنسب والجاه والولاءات الشخصية، أو الارتباط العائلي لبعض القيادات السياسية والحزبية؟ وأبرز المتحدث أن هذه الظاهرة تسيء بشكل صارخ إلى المرحلة الراهنة التي يعيشها المغرب، بحكم الحراك الاجتماعي الذي ينتقد أداء الأحزاب، فضلا عن مطالب فتح المجال أمام الكفاءات لدى الشباب والنساء، والقضاء على مظاهر الفساد ومواجهة الاستبداد. ظاهرة مشينة وتابع لكريني أن هيمنة عائلات سياسية معينة على المشهد السياسي والمسؤوليات الكبيرة داخل الدولة، يعطي انطباعا بأن شيئا لم يتغير، وأن الفاعلين السياسيين لم يستوعبوا طبيعة هذه المرحلة من تاريخ البلاد. وحول تداعيات مثل هذه الظاهرة، أفاد لكريني مردفا أن هيمنة عائلات سياسية بعينها من شأنه أن يكرس الخصام أو القطيعة بين المواطن وبين الشأن السياسي والانتخابي، ويساهم في العزوف الذي قد تكون تكلفته غالية على الوضع السياسي وعلى المجتمع والدولة على السواء. ومن جهته، صرح الناشط الحقوقي إلياس العماري بأن ظاهرة العائلات السياسية، أو ما سماه "أحزاب العائلات"، يعد ظاهرة مشينة، ولا تواكب طموح المغاربة في أن يصبح بلدهم ديمقراطيا، ويسود فيه التكافؤ بين الفرص بين جميع الناس، سواسية دون تمييز. وحذر العماري من مغبة استفحال العائلات السياسية وهيمنتها على المشهد السياسي في البلاد، وعلى أوساط السلطة والمناصب العليا في القطاعات الحساسة والهامة، لأن ذلك ينافي روح الديمقراطية، ويُضعف في الشباب روحَ المبادرة والاجتهاد، مادام يرى أمامه عائلات وأحزابا عائلية تتحكم في كل شيء.