بعد مسيرة سياسية ونضالية حافلة بمواقف شجاعة وجريئة قل نظيرها في المشهد السياسي المغربي، أصدر اليساري المغربي المقاوم محمد بنسعيد آيت إيدر مذكراته تحت عنوان: "هكذا تكلم محمد بنسعيد"، من إعداد وإخراج عبد الرحمن زكري، يرتقب أن يخصص لها حفل كبير بالرباط لتقديمها إلى الرأي العام، بعد الانتهاء من طباعتها في غضون أيام قليلة. جريدة هسبريس الإلكترونية تنشر مقتطفات من مذكرات بنسعيد آيت إيدر بعد موافقة صاحبها، قبل تعميمها قريباً. يتحدث معارض الملوك الثلاثة الرافض لدساتير المغرب باعتبارها "ممنوحة وغير شعبية"، في الجزء الأول من مذكراته التي تقع في 428 صفحة، حول نشأته كيتيم الأم، مرورا بأبرز المحطات السياسية والنضالية، منها انخراطه في جيش التحرير، ومواقفه من قضية الصحراء، ونجاته من محاولة اغتيال، وعلاقته الصدامية والمتوترة بالحكم، خصوصا مع الملك الراحل الحسن الثاني. أحرضان وجيش التحرير في الوقت الذي يؤكد فيه الزعيم التاريخي لحزب الحركة الشعبية، المحجوبي أحرضان، في مذكراته السابقة، أنه كان مسؤولا في جيش التحرير ومقاوما وطنيا، نفى محمد بنسعيد آيت إيدر صحة ذلك، مؤكداً أن الرجل لم يسبق له أن انتمى يوما ما إلى جيش التحرير أو كان واحدا من رجالاته. ويقول آيت إيدر، وهو أحد قيادات جيش التحرير: "للتاريخ فقط، فأحرضان لم يسبق له أن انتمى يوما إلى جيش التحرير، وكل ما هنالك أن اسمه أعْطِيَ في وقت من الأوقات لقيادة الجيش بتطوان على أساس الاتصال به من طرف الفقيه الفكيكي وسعيد المنوزي هنا بالبيضاء بإحدى مقاهي عين الذئاب. وكان الغرض أن يلحق بالجيش باعتباره ضابطا. فطلب معاودة الاتصال به من بعد". صفقة اليوسفي والحسن الثاني من جهة ثانية، تطرقت المذكرات إلى محطة الاستفتاء على دستور 1996، التي اعتبرها "سبب التصدع الذي سيصيب الكتلة الديمقراطية، وستصل تبعاته حتى البيت الداخلي لمنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، بل أذهب أبعد من هذا وأقول إن الموقف من الاستفتاء على الدستور الممنوح أحدث تأثيرا كبيرا على الساحة السياسية، وما زلنا إلى اليوم نعيش على إيقاع تداعياته السلبية". وتحدث آيت إيدر عن تنازلات حزب الاتحاد الاشتراكي في هذه المرحلة قائلاً: "كانت الصفقة التي أعلن عنها النظام على الشكل التالي: يصوت الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لصالح دستور 1996، لأول مرة في تاريخه، وبعدها... أي بعد أن يكون السبع قد أكل ما أكل، سيُقْدِم الحسن الثاني على تنازلات لا شيء فيها محددا ولا مضمونا... يعني مغامرة، ومقامرة، كمن يمضي شيكا على بياض... وتفجر الخلاف... قالوا: نمنح ثقتنا مرة أخرى ونبين حسن نيتنا وننتظر". والنتيجة، يضيف المصدر ذاته، أنهم "قبلوا بقواعد اللعبة التي وضعها الحسن الثاني؛ حكومة تناوب مفصلة على المقاس الذي أراده هو، وتناوب مزيف أطلقوا عليه وصف "توافقي" لأنه بني على أسس غير سليمة. فالأغلبية التي حكم بها عبد الرحمان اليوسفي لم تكن أغلبية منسجمة، نابعة من حزبه ومن الأحزاب الحليفة له وفق برامج وتوجهات مشتركة وتقارب أيديولوجي، كما كان يجب أن يكون عليه الأمر، وإنما هي أغلبية ملقوطة من أحزاب الدولة". ويخلص الزعيم اليساري إلى أنه "بالرغم من أن التناوب لعب دورا إيجابيا في انتقال السلطة بسلاسة من الحسن الثاني إلى محمد السادس، فإنه كان من الأخطاء القاتلة التي ستدفع الأحزاب الوطنية والتقدمية ثمنها غاليا فيما بعد، وستطوّح بها في نفق مظلم لتتقاذفها بالتظافر تيارات الانشقاقات والتآكلات الداخلية ويستبطن عدد من قياداتها قدرا هائلا من بنية وثقافة الأحزاب الإدارية".