بوانو ينتقد إقدام وزارة الصحة على إلغاء صفقات مالية ضخمة عبر رسالة نصية    المديرية العامة للضرائب تدعو الملزمين إلى تقديم التصريح برسم 2024    حقوقيون يطالبون بإنزال أقسى العقوبات بحق المتورطين في الاعتداء الجنسي على عشرات القاصرات ببلدة "كيكو"    ليس بينها المغرب.. 3 دول عربية الأكثر تضررا من الرسوم الجمركية الأمريكية    الاتحاد السعودي يستهدف عبد الصمد الزلزولي    350 ألف مغربي في "الضمان الإسباني"    التوتر الأسري في رمضان: بين الضغوط المادية والإجهاد النفسي…أخصائية تقترح عبر "رسالة 24 "حلولا للتخفيف منه    مصرع شخص وإصابة 6 آخرين في حادثة سير ضواحي طنجة    مطار محمد الخامس .. استبدال التفتيش المزدوج بالبوابات الأوتوماتيكية    الرياضة في كورنيش مرقالة خلال رمضان: بين النشاط البدني واللقاءات الاجتماعية    التحقيقات متواصلة لتحديد امتداد نفق المخدرات بين سبتة المحتلة والمغرب    رجة قوية بوزارة التربية الوطنية!    الترجمة في المغرب و''عُقْدة'' الفرنسية    مربو النحل يحذرون من "العسل المهيّج الجنسي" في الأسواق المغربية    منخفض جوي جديد يرافقه أمطار ورياح قوية في عدة مناطق بالمغرب    قرعة متكافئة للهلال والنصر في ربع نهائي أبطال آسيا    ‬دينامية ‬الدبلوماسية ‬ترفع ‬أسهم ‬المغرب ‬في ‬البورصة ‬الأفريقية    رواندا تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع بلجيكا    حموشي يؤشر على تعيينات جديدة في مناصب المسؤولية بمصالح الأمن الوطني    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    المغرب يتصدر قائمة الدول عالميا في إنتاج الهيدروجين الأخضر من الطاقة الريحية    وزارة التجارة: استبعاد 5.583 طن من المنتجات المستوردة الُمخِلة بالشروط ومراقبة أكثر من 300.000 نقطة بيع وتسجيل 15.200 مخالفة    إسرائيل تجعل دخول المساعدات الإنسانية للفلسطينيين "شبه مستحيل"    الطائرات الصينية تعيد تشكيل ملامح صناعة الطيران: منافسة قوية تنتظر إيرباص وبوينغ    ليبيا.. "الكتب المدرسية" تتسبب في سجن وزير التربية والتعليم    الدبلوماسية الناعمة للفنون والحرف التقليدية المغربية.. بقلم // عبده حقي    تنسيقية أساتذة الزنزانة 10 ترفض التراجعات وتعلن اعتصاما مركزيا بالرباط    البطولة الاحترافية "إنوي" للقسم الأول (الدورة ال 25).. شباب المحمدية ينهزم أمام ضيفه حسنية أكادير (4-0)    دراسة جديدة تربط بين الطقس الحار وأمراض القلب في أستراليا    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الاثنين    المغرب يعزز مكانة جواز سفره بإضافة وجهات جديدة دون تأشيرة    إلغاء مباراة مونبلييه وسانت إيتيان في الدوري الفرنسي بسبب الأعمال النارية    شهر رمضان في أجواء البادية المغربية.. على إيقاع شروق الشمس وغروبها    رسالة محمد بن عيسى ومسؤلية "الأصالة والمعاصرة" أمام الله والتاريخ بشأن مستقبل مدينة أصيلة    ترامب يطرح فكرة "التقسيم" مع بوتين    نتانياهو يعتزم إقالة رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي    محاولة للإساءة للمغاربة: كشف مجرم جزائري ادعى الجنسية المغربية بعد اعتقاله في فرنسا    البطلة برطال: أهدي الميدالية الذهبية للملك محمد السادس والشعب المغربي    تقرير بريطاني: ثلث الهواتف المسروقة في المملكة المتحدة تُهرب إلى الجزائر    "طنجة تتألق في ليلة روحانية: ملحمة الأذكار والأسرار في مديح المختار"    حادثة سير خطيرة قرب طنجة تسفر عن وفاة وإصابات خطيرة    هاليفي يٌثني على "حماس".. ونتنياهو يٌقيل رئيس جهاز أمن "الشاباك"    واقع الأطفال في ألمانيا.. جيل الأزمات يعيش ضغوطات فوق التكيفات    فوز الحسنية و"الجديدي" في البطولة    وفد برلماني نسائي يروج للمناصفة    نشرة جوية إنذارية بالمغرب    إسبانيا تمنح المغرب مليون يورو لاقتناء 10 سيارات إسعاف    مدرب الوداد موكوينا يتحدث عن إمكانية الرحيل بعد التعادل مع اتحاد طنجة    لا أيمان لمن لا أمانة له ...    الأدوية الأكثر طلبا خلال رمضان المضادة للحموضة و قرحة المعدة!    ارتباك النوم في رمضان يطلق تحذيرات أطباء مغاربة من "مخاطر جمّة"    نسيم عباسي يتيح أفلامه السينمائي للجمهور عبر "يوتيوب"    "آتو مان" أول بطل خارق أمازيغي في السينما: فيلم مغربي-فرنسي مستوحى من الأسطورة    ملكة الأندلس تتربع على عرش الجماهيرية دون منازع    تتويج "عصابات" بجائزة "فرانكوفيلم"    أبرز المعارك الإسلامية.. غزوة "بني قينقاع" حين انتصر النبي لشرف سيدة مسلمة    ظاهرة فلكية نادرة مرتقبة فجر يوم غدٍ الجمعة    أداء الشعائر الدينيّة فرض.. لكن بأية نيّة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنسعيد آيت يدر.. السوسي الذي حمل لواء معارضة الملوك الثلاثة
انخرط في جيش التحرير وصدر في حقه حكم بالإعدام ودخل القصر موشحا
نشر في المساء يوم 09 - 08 - 2015

صنعت خطوة محمد السادس بتوشيح صدر محمد بن سعيد آيت يدر، في احتفالات عيد العرش الأخير، الحدث السياسي الذي كاد يغطي على عدد من الأحداث الأخرى، والتوشيحات التي استفاد منها آخرون.
وبدا أن المؤسسة الملكية وصلت درجة وضع مسافة بين المواقف السياسية، حتى وإن كانت في أقصى حدودها، وبين الأهلية والاعتراف في زمن مغربي ظل جاحدا لا يعترف للآخرين بما قاموا به من أدوار، كما هو حال هذا السوسي الذي جرب المقاومة وجيش التحرير، والعمل السياسي منذ الأربعينيات، ثم السرّي الذي قاده إلى المنافي. وظل يصنف من أشد معارضي نظام الحكم من محمد الخامس إلى الحسن الثاني ثم محمد السادس.
20 فبراير والدستور الجديد
خرج بن سيعد، وهو في سن متقدمة، إلى جانب شباب العشرين من فبراير في خضم الربيع العربي الذي جاء بدستور جديد. واعتبر أن ما حدث في شوارع المدن المغربية، كما كان في بعض العواصم العربية، كان ضروريا لكي تتحرك عجلة الإصلاح السياسي والدستوري الذي جاءنا بدستور 2011.
وقبل ذلك ظل بنسعيد معارضا شرسا لنظام الحسن الثانين الذي لم يستفد من قرار العفو على عهده، إلا في بداية الثمانينيات.
وأسس تنظيما حزبيا جديدا، وهو الذي كان عضوا كامل العضوية في حزب الاستقلال ثم في الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أسماه منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، والذي دخل بلونه السياسي مجلس النواب في تجربة سنة 1984 عن منطقة شتوكة ايت باها، قبل أن يغادره في 2007. وهي التجربة السياسية التي ضمت العائدين من تجربة 23 مارس ومنظمة إلى الأمام، والتي كان أيت إيدر من المتحمسين لتشارك عبد الرحمان اليوسفي تجربة التناوب في 1998. ليواصل رحلته السياسية اليوم مع رفاقه في الاشتراكي الموحد.
ظل بن سعيد يحمل دوما مواقف خاصة تجعله راديكاليا أحيانا، ورجل توافق أحيانا أخرى. لقد حمل السلاح ضد نظام الحكم حينما تقرر حل جيش التحرير على عهد السلطان محمد الخامس. وقال لا للحسن الثاني في أعقد الملفات السياسية التي باشرها الملك الراحل. لكنه كان مع مناقشة مسودة دستور 2011 حينما عرضته اللجنة الخاصة التي عينها الملك، في الوقت الذي قال فيه رفاقه إنهم ضد الدستور الممنوح، ومع انتخاب لجنة للدستور بدلا من تعيينها.
قال بنسعيد إننا يجب ألا نترك مقعدنا فارغا. وكان لا بد أن ننخرط في النقاش حول دستور محمد السادس لإسماع صوتنا. غير أنه اضطر في نهاية المطاف إلى الالتزام بما أقرته الأغلبية الحزبية. وهو نفس الموقف الذي سبق أن اتخذه بشأن مشاركة حزبه في تجربة التناوب التي كان متحمسا لها، لكنه التزم أخيرا بما أقرته الأغلبية، على الرغم من أنه ظل يرى أن المغاربة ضيعوا الكثير من الفرص لبناء مجتمع ديمقراطي حقيقي.
تعلم السياسة في المدارس العتيقة
لم يكن محمد بنسيعد أيت إيدر غير ذلك الطفل السوسي البسيط الذي جاء للعمل المسلح والسياسة من المدارس العتيقة في تنمنصور بالجنوب المغربي. ومنها سينتقل إلى مراكش ليصبح طالبا من طلبة بن يوسف في أواسط الأربعينيات. وهناك سيقدر لبنسعيد أن يلتقي عبد الله ابراهيم، الرجل الذي سيقود بعد الاستقلال واحدة من الحكومات التي يذكرها المغاربة إلى اليوم بألف خير. مع عبد الله ابراهيم وبعض مناضلي حزب الاستقلال في عاصمة النخيل، سيخوض بنسعيد نضالاته الأولى ضد المستعمر، وضد بعض أتباعه، وفي مقدمتهم الباشا الكلاوي، الذي كاد يصفي طلبة حزب الاستقلال بعد أن قرروا خوض إضراب عن الدراسة تضامنا مع إخوتهم في جامعة القرويين بفاس، وهو يوجه لهم رشاشه. قال الباشا الكلاوي، كما حكى ذلك محمد بنسعيد أيت إيدر في أكثر من استجواب صحافي حينما قال له الفقيه البصري إننا نخوض هذا الإضراب تضامنا مع طلبة فاس، إن «فاس يحكمها الفاطني بنسليمان. أما هنا فأنا الذي أحكم».
حدث هذا في 1951، واعتقل الكلاوي عددا من رفاق أيت إيدر، الذي سيكون مصيره في السنة الموالية، الإقامة الجبرية داخل حدود قرية تمنصورت في شتوكة أيت باها.
سيؤهله هذا الحكم لتولي مهام أكبر سياسيا خصوصا في الجنوب المغربي، الذي سيشرف فيه على الاحتفال بذكرى عيد العرش مع ما كلفه ذلك من مضايقات واعتقال بتهمة تنظيم الاحتفالات، رفقة عدد من مناضلي حزب الاستقلال.
وحينما قررت الحماية الفرنسية نفي السلطان محمد بن يوسف، سيدرك بنسعيد أن العمل السياسي السلمي لم يعد وسيلة ناجعة لاسترجاع الحق. لذلك سيباشر أولى خطوات المقاومة المسلحة ضمن منظمات سرية، بعد أن انخرط في الفكرة كل من الفقيه البصري وعبد السلام الجبلي. وفي أولى الخطوات في العمل السري، سينفذ بنسيعد أولى العمليات ليصبح مطاردا ومطلوبا من قبل الإقامة العامة الفرنسية. وهو ما سيضطره للهروب إلى مدينة سيدي إفني التي أسس بها مركزا تابعا للمنظمة السرية التي كانت تنشط في الدار البيضاء تحديدا، والتي ظل رجالها يقومون بين الفينة والأخرى بعمليات ضد المستمعر الفرنسي.
بنسعيد وجيش التحرير
سيضطلع محمد بنسعيد أيت إيدر بدور كبير في تأسيس جيش التحرير. وظل يعتبر أن حله كان خطأ قاتلا بالنظر إلى أن العديد من المناطق في الجنوب المغربي تحديدا، ظلت تحت الاستعمار ولم تلتحق بالوطن الأم. غير أن الحسن الثاني، وهو لا يزال وقتها وليا للعهد، سيسارع للتخلص من جيش التحرير بعد أن اتهم حزب الاستقلال بجعله تنظيما موازيا له.
ظل بنسعيد يتحمل مسؤولية هذا الجيش في سيدي إفني، قبل أن ينتقل إلى مدينة تطوان التي كلف فيها بمهمة توحيد صفوف جيش التحرير الذي بدأ يعرف التصدع. غير أنه لم يقو على جمع الشتات حيث انطلق الصراع السياسي ليتحول إلى تصفيات جسدية ذهب ضحيتها الكثيرون. ويذكر بنسعيد في بعض حواراته كيف فقدت المقاومة المغربية أسماء من حجم ابراهيم الروداني، وعباس المسعدي، وعبد الواحد العراقي، وعبد الله الحداوي، وثريا الشاوي.
لم تكن خطوة القضاء على جيش التحرير لتنتهي دون اعتقالات. ومنها تلك التي طالت محمد بنسعيد سنة 1960 بتهمة التآمر ضد العرش. نفس التهمة التي اعتقل بموجبها عبد الرحمان اليوسفي سنة قبله. وفي نفس السنة التي ستعرف خروج الاتحاد الوطني للقوات الشعبية من صلب حزب الاستقلال.
سيكون مصير بنسعيد الاعتقال، مرة أخرى، بعد وفاة محمد الخامس وتولي الحسن الثاني العرش في ما عرف بمؤامرة سنة 1963، والتي كان بطلها هو الفقيه البصري الذي طلب من المذبوح مده بخريطة للقصر الملكي. بالإضافة إلى ما قام به بنسعيد لفائدة شيخ العرب، الذي أسس خلايا ضد نظام الحكم في مغرب الاستقلال.
ومن المعتقل سيجد بنسعيد نفسه شبه منفي بالجزائر التي كانت تحتضن بعض الخلايا المسلحة التي ظل يشرف عليها الفقيه البصري. ومنها إلى فرنسا حيث سيقدر لأيت إيدر أن يدخل مغامرة أخرى بجامعة فانسون التي حصل منها على شهادة الإجازة في التاريخ. ومن هناك اختار العودة للحياة السياسية السرية، عن طريق تأسيس منظمة 23 مارس ثم إلى الأمام، رفقة عدد من مناضلي الحركة الماركسية من أمثال أحمد حرزني، الذين راهنوا على الثورة للإطاحة بنظام الحسن الثاني. وهي التجربة التي امتدت إلى بداية سنوات الثمانينيات حيث سيستفيد هذا السوسي العنيد من العفو الملكي ويعود ليؤسس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي سنة 1983، بدلا من الانخراط مجددا في الاتحاد الاشتراكي، الذي كان قد طلق العمل المسلح في 1975.
معارضة الملوك الثلاثة
لم يفرط بنسعيد في قبعته الصوفية حتى وهو يتجاوز السبعين من العمر. وظل بلكنته السوسية لا يتوانى في طرح القضايا السياسية التي حمل من أجلها السلاح ضد المستعمر في خمسينيات القرن الماضي. لذلك يحسب له أنه كان صاحب أول سؤال بداخل قبة البرلمان حول معتقل زازممارت، حينما كان ممثلا عن دائرة شتوكة أيت باها من 1984 إلى 2007 باسم المنظمة.
وكما كان من أشد معارضي سياسة محمد الخامس حينما قبل بقرار حل جيش التحرير بإيعاز من ولي عهده الأمير مولاي الحسن، لم يترك مواقف المعارضة على عهد الحسن الثاني الذي اعتقله في بداية حكمه ما اضطره للهروب إلى الجزائر ثم فرنسا. وبنفس القوة، عارض بعض اختيارات محمد السادس، إذ قال عن دستور 2011 إنه ممنوح، لكن كان لا بد من الانخراط في النقاش حوله لإسماع الصوت. ولذلك لا تزال صورته إلى اليوم وهو محمول على أكتاف شباب العشرين من فبراير تثير الانتباه، تماما كما هي صورته وقد وقف أمام الملك ليوشحه بوسام العرش من درجة ضابط، بمناسبة احتفالات عيد العرش بعد مرور 16 سنة على توليه العرش. التوشيح الذي قالت عنه الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد، الذي يعتبر بنسيعد واحدا من رموزه ورجالاته «إن توشيح الملك للمناضل محمد بن سعيد أيت إيدر، هو تتويج لمساره النضالي، إذ ناضل من أجل مناهضة الاستعمار ومن أجل بناء دولة الديمقراطية والقانون.. إنه يستحق أكثر من التكريم .. وهو من الصنف الوازن، ولذلك أظن أن تكريمه مسألة بروتوكولية، ويستحق أكثر من توشيح لأنه مناضل شريف وعانى من الإعدام والنفي ولم يبدل تبديلا، لأنه مناضل شريف وما زال».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.