تخرج ساكنة الدوار الصفيحي جنان لبيض، التابع لمقاطعة جنان الورد بفاس، باستمرار، ليلا، في وقفات احتجاجية، رافعة الشموع، للمطالبة بتزويد مساكنها بالكهرباء وربطها بالماء الصالح للشرب، صارخة بشعارات تعبر، من خلالها، عن ضيقها ذرعا من التهميش الذي طالها لعقود. ووفق قاطني هذا الدوار، الذي يتكون من حوالي 30 مسكنا؛ ففضلا عن أنهم يرزحون تحت وطأة مساكن تغيب فيها أبسط ظروف الحياة الكريمة، وفي حي يفتقر إلى البنية التحتية اللازمة، فإن تأخر ربط منازلهم بالماء والكهرباء يزيد من قسوة عيشهم، كما أن تواجد مساكنهم وسط شبكة الكهرباء والماء الصالح للشرب يجعلهم يشعرون بالغبن، ويحسون بالإقصاء. المعاناة صيفا وشتاء مع الكهرماء على مرمى حجر من أحياء سيدي بوجيدة والمدينة العتيقة لفاس يوجد دوار جنان لبيض، الذي يعود تاريخ ظهوره بمنطقة الجنانات إلى ما قبل أزيد من 30 سنة، دوار كتبت لقاطنيه الحياة داخل بيوت تفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم؛ فإلى جانب غياب قنوات الصرف الصحي، لم تنعم ساكنة هذا الدوار، أبدا، بنور المصباح وماء الصنبور. "وعودنا بالربط بالكهرباء والماء دون أن يفوا بوعودهم، ونحن نعاني كثيرا من هذا الوضع؛ فأطفالنا يجدون صعوبة في الذهاب إلى المدرسة حيث يخيم الظلام على الطريق، فنضطر إلى مرافقتهم إليها صباحا، وانتظارهم بباب المؤسسة مساء"، يقول خالد لزعر، أحد ساكنة دوار جنان لبيض. وأضاف لزعر، في حسرة، متحدثا إلى هسبريس: "هل يوجد ناس، اليوم، بدون كهرباء وماء؟ هل يعقل أن يحرم أبناؤنا من التفرج على رسوم الأطفال على التلفزيون؟..نحن مواطنون، ونحب مغربنا، لماذا يحرموننا من حقوقنا؟ نتمنى من المسؤولين أن ينظروا إلى حالنا بعين العطف". وقبل أن يكمل متحدث هسبريس كلامه تدخل قريبه إدريس، البالغ 12 سنة، قائلا: "نحن في حاجة إلى الماء والكهرباء؛ فعندما أريد إنجاز واجباتي المدرسية أفعل ذلك على ضوء الشموع"، قبل أن يضيف، ملوحا بشمعة بيده: "هاهي الشمعة، إذ انتهت لن أجد ضوءا أراجع عليه دروسي". ما أوردته عائلة لزعر أكدته أمينة مصلح، واحدة من نساء دوار جنان لبيض، مهمة الأحزاب بالتملص من مسؤولياتها تجاه ساكنة الدوار، وبعدم تدخلها لإيجاد حل لمحنة ساكنته، مضيفة لهسبريس: "نحن نستعمل الشموع وقنينات الغاز للإنارة، ونتزود بالماء من الشاحنة الصهريجية التي تخصص لنا مرتين في الأسبوع". "نضطر إلى استعمال ماء الصهريج رغم ضعف جودته، كما أن كمية الماء التي نتوصل بها لا تلبي حاجياتنا اليومية، فنقتصر على ما هو ضروري، حتى إننا نتجنب غسيل ملابسنا وتنظيف أجسادنا للاقتصاد في استعمال الماء"، توضح مصلح التي ذكرت لهسبريس أن "ساكنة دوار جنان لبيض تعاني من نقص الماء، وتضطر إلى استجداء ساكنة الأحياء المجاورة، صيفا، لطلب قنينة ماء باردة بسبب عدم التوفر على ثلاجات في غياب الكهرباء". من جانبها، تأسفت سامية العلوي الشريفي، عضو جمعية الفكر والعمل، لمعاناة ساكنة دوار جنان لبيض، موجهة انتقادا لاذعا إلى عمدة مدينة فاس في تصريح لهسبريس، قائلة: "يقول العمدة إن فاس بخير، ولكن هذا غير صحيح؛ فهذا دوار وسط المجال الحضري ولا يتوفر على الماء والكهرباء. هذا عيب وعار"، مضيفة: "لسنا بمشوشين، نحن نتكلم بصوت الناس المحرومين من حقوقهم، فما ذنب هؤلاء الأطفال حتى يمنع عنهم الماء والكهرباء؟ يجب النزول عند الناس لمعرفة معاناتهم". ضعف الإحساس بالأمن في غياب الكهرباء "يحاصرنا الظلام في بيوتنا وفي الشارع، فرغم اتصالنا بالمسؤولين لإصلاح الإنارة العمومية لم يستجيبوا لطلبنا؛ وضع جعلنا نعيش في الخارج الخوف المستمر على أنفسنا وعلى أبنائنا؛ فكم من مرة تعرضنا للاعتداء، إذ يستغل الجانحون جنح الظلام لسلبنا أغراضنا"، تقول وداد بيباح لهسبريس، مضيفة: "غياب الإنارة تسبب، أيضا، في وقوع حوادث سقوط خطيرة من قنطرة الدوار، كما وقع لامرأة طاعنة في السن ولطفلة صغيرة". افتقار بيوت جنان لبيض بمقاطعة جنان الورد بفاس إلى الماء والكهرباء يطال كذلك مسجد الدوار، إذ أوضح حميد الزروالي، المسؤول عن المرفق التعبدي، الذي توجد مرافقه الصحية في وضع لا يليق ببيوت الله، أن "المصلين لا يجدون الماء للوضوء، كما أن افتقار المسجد إلى الكهرباء يمنعهم من تلاوة القرآن بعد صلاة المغرب"، مضيفا لهسبريس: "إذا لم يريدوا هذا المسجد، الذي يشكل ركيزة هذا الحي، فليغلقوه أو يهدموه..نحن محرومون من قراءة القرآن، كما أننا عندما نريد أداء صلاة الجمعة نذهب إلى مساجد أخرى". ما أورده الزروالي أكده العربي الصبار، إمام مسجد دوار جنان لبيض، الذي ذكر أن الناس هجروا مسجده بسبب غياب الماء والكهرباء، مضيفا للجريدة: "طلبنا، فقط، ربط المسجد بخيط من الكهرباء من منزل مجاور، فقالوا لنا إن ذلك ممنوع". هذا واتصلت هسبريس بمحمد خيي، رئيس مقاطعة جنان الورد بفاس، لاستقاء توضيحاته حول حرمان ساكنة دوار جنان لبيض، فاقترح أن يكون رده عبر البريد الإلكتروني، بمجرد توصله برسالة إلكترونية من الجريدة في الموضوع، إلا أنه لم يفعل ذلك، ما حدا بالجريدة إلى إعادة ربط الاتصال به، هاتفيا، لمعرفة مآل رده الموعود، غير أن هاتفه ظل يرن بدون مجيب.