هي ظاهرة أضحت تغزو عددا من جماعات اشتوكة آيت باها، لاسيما السهلية منها، إنها الأسواق العشوائية، أو غير المنظمة، التي انضافت إلى انتشار الباعة الجائلين بمختلف المراكز القروية والحضرية وبالشوارع والأزقة بالإقليم، محولين تلك الأماكن إلى فضاءات لعمليات البيع والشراء التي تُخلّف وراءها عديدا من الظواهر تؤرق بال الساكنة القريبة من هذه التجمعات التجارية غير المنظمة، وترخي بظلالها على المجال البيئي والسير والجولان، كما تُثقل كاهل الجماعات الترابية، إن على مستوى قطاع النظافة أو التحصيل الضريبي. الظاهرة، في جانبها الإيجابي، تفتح فرص عمل كثيرة، وتساهم في تقريب الخدمات التجارية من الساكنة، وإن كانت مراقبة أثمان وجودة المنتجات المعروضة تغيب عن هذه الفضاءات؛ لكن كثيرا من إفادات الساكنة التي استقتها هسبريس تسير في اتجاه استحسان تواجد مثل هذه الأسواق بالقرب من مقرات سكناها، وذلك لدواع تعتبرها منطقية، ضمنها وفرة العرض واشتداد المنافسة التي تُتيح إمكانية انخفاض الأثمان. جولة لهسبريس في مختلف الأسواق العشوائية في إقليم اشتوكة آيت باها كشفت تنوع المعروضات؛ ففي الجماعة الترابية سيدي بيبي حول بائعو مختلف الأجهزة وقطاع الغيار المستعملة إحدى التجزئات السكنية إلى فضاء للتسوق كل يوم إثنين. وبجماعة واد الصفا، الأمر ذاته في دوار إدوكاكمار، مع اختلاف نوع المعروضات، التي تغلب عليها الأدوات والملابس والأجهزة المنزلية المستوردة، والتي يبرز أنها ذات جودة رديئة. أما في جماعة إنشادن فيتحول دوار "آيت علي" يوم الأربعاء من كل أسبوع إلى قبلة للقاطنين بالمدشر والتجار، والأمر نفسه يتكرر في خميس آيت اعميرة. في دوار "العرب"، بالجماعة الترابية أيت اعميرة، يؤثث سوق عشوائي المشهد العام للمنطقة، ويُعد نموذجا حيّا لمثله من الأسواق المنتشرة على صعيد إقليم اشتوكة آيت باها، مع فارق في المكان فقط، وبصدده قال سعد الدين بنسيهمو، عن المركز المغربي لحقوق الإنسان باشتوكة آيت باها، وعضو مجلسه الوطني، في تصريح لهسبريس، إن "السوق العشوائي بدوار العرب، جماعة آيت عميرة، يشهد ارتفعا مهولا وملحوظا لأسعار الخضر والفواكه، وذلك بسبب غياب مراقبة المصالح المختصة، التي أثبتت محدودية عملها". ورصد المتحدّث ما وصفه ب"التناقض الصارخ الذي يتجلّى في ارتفاع الأسعار مقابل غياب تأدية التجار لأي ضرائب لفائدة الجماعة المحلية"، واصفا تلك الممارسات ب"اللاأخلاقية"، وزاد موضحا: "يستغل بعض المضاربين الإقبال الكبير على السوق لفرض أثمان من نسج خيالهم، وهي عملية نصب خطيرة، ضحاياها مواطنون بسطاء، يعيشون التهميش والعوز وظروفا اجتماعية واقتصادية غاية في التعقيد؛ هذا بالإضافة إلى تهديد صحة المواطنين عبر عرض لحوم من مختلف الأصناف دون أدنى شروط السلامة"، متسائلا عن دور الجهات المختصة في هذا الصدد. وأوضح الفاعل الحقوقي ذاته أن نموذج سوق دوار العرب العشوائي ينتشر في عدد من مناطق اشتوكة آيت باها، والمغرب عموما، "لكن انعكاسات ممارسات التجار والمتبضعين تفرض التدخل الحازم من أجل احترام البيئة وسلامة الساكنة"، وأورد في هذا الجانب أن "أكواما من مخلفات الخضر والفواكه وغيرها تؤثث هذه الأمكنة، محولة إياها إلى مطارح، كما أن انعقادها وسط الطرقات يُهدّد سلامة المارة". التجار المهنيون، وأصحاب المحلات التجارية في آيت اعميرة، يشتكون من هذا الانتشار الملفت للأسواق العشوائية بمنطقتهم، إذ عبّروا في شكايات عديدة إلى السلطات الإقليمية باشتوكة آيت باها عن تذمرهم إزاء هذا الوضع، معتبرين أن هؤلاء التجار العشوائيين "لا يؤدّون ولو درهما واحدا عن استغلال السوق لترويج بضاعتهم، ما يفسح المجال لسؤال عريض، يتجلى في تغاضي السلطات المختصة عن هذه الوضعية الشاذة، في حين باتت تلك الأسواق محطات أسبوعية للعشوائية والفوضى". وأوردت شكاية اطلعت عليها هسبريس: "تلك الفوضى والعشوائية تؤثر على نشاطنا التجاري بكساد السلع وضعف المداخيل وغياب المنافسة الحقيقية والشريفة. ويزداد الأمر سوءا بفعل الوضعية التي آل إليه السوق الأسبوعي لخميس آيت اعميرة، من سوء التنظيم وتدني شروط النظافة وغياب المراقبة". وطالب المهنيون ب"التدخل لوقف نشاط الأسواق العشوائية، وحماية التجار المهنيين الذين يؤدون الضرائب، فضلا عن إعادة تنظيم السوق الأسبوعي". وقال عبد العالي المودن، أحد الباعة الجائلين بالسوق العشوائي في آيت اعميرة، ضمن تصريح لهسبريس: "إننا على اقتناع تام بخطورة وضعهم، نشغل الطريق، ونلوث المجال البيئي"؛ ولكنه مع هذا يؤكد أنه "لا يمتلك البديل"، مطالبًا ب"توفير حل مناسب أو الاستفادة من محل لكسب قوت يومه"، إذ إن هذا النشاط هو "مورد رزقه، ومنه تعيش أسرته"، ليبقى هذا المبرر في تواجد الباعة الجائلين، سواء في الأسواق العشوائية أو الشوارع والطرقات والأزقة، القاسم المشترك بين كل الذين التقتهم هسبريس، فضلا عن إصرارهم على دورهم في "تقريب الخدمات التجارية من المواطنين وبأسعار منخفضة، ولا أدل على ذلك الإقبال الكبير على معروضاتهم". علي البرهيشي، رئيس الجماعة الترابية لآيت اعميرة، قال في تصريح لهسبريس إن انتشار الأسواق العشوائية ظاهرة قائمة وواقع، وزاد: "حتى السوق الأسبوعي يمكن اعتباره عشوائيا..ورغم تواجد كل هذه الأسواق، فإنها غير كافية، بالنظر إلى الكثافة السكانية، وغياب الفضاءات التجارية. لكن الخاسر الأكبر في كل ذلك هو الجماعة، لا سيما في جانب المداخيل من كل هذه الأسواق، باستثناء السوق الأسبوعي". المسؤول الجماعي ذاته أوضح أن "آيت اعميرة اليوم تحتاج إلى أزيد من 15 هكتارا من أجل بناء سوق أسبوعي بالمواصفات المطلوبة". أما في الجانب المتعلق بالنظافة فقال علي البرهيشي إن "جماعته قروية، ومداخيلها ضعيفة، ما تواجه معه صعوبات جمّة في التكفل بقطاع النظافة في المركز والدواوير وتلك الأسواق"، مطالبا مصالح الدولة المختصة ب"المساهمة في إخراج هذه الجماعة من بوثقة "الحكرة" والتهميش، ومواجهة التحديات الكبرى على كافة الأصعدة"، وزاد: "كما أن القطاع الخاص بالمجال الفلاحي لا يتحمل معنا أي مسؤولية، بل يزيد من تعقيد وضعية قطاع النظافة بمخلفات فلاحية بالأطنان".