تميزت الأيام المسرحية المغربية الثانية في الإمارات العربية المتحدة، التي نظمت ما بين 7 و12 دجنبر الجاري، بعرض مجموعة من الأعمال المسرحية؛ من ضمنها "سيدي عبد الرحمان المجدوب " للراحل الطيب الصديقي. وهكذا، وعلى مدى ثلاثة أيام متتالية، كان عشاق أبي الفنون، من أفراد الجالية المغربية المقيمة بالإمارات ومواطنين إماراتيين، على موعد لعرض هذا العمل المسرحي المتميز والرائع ل"فرقة مسرح الناس" التابعة لمؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع، في حلة جديدة، بكل من بمركزي "دبا الحصن "و"خورفكان" الثقافيين ومعهد الفنون المسرحية بإمارة الشارقة. وقد ارتأى الفنان محمد مفتاح إحياء المسرحة بإخراج جديد وبرؤية فنية حديثة بعد أزيد من نصف قرن، حيث تتمحور حول الشيخ عبد الرحمان المجدوب برباعياته المتداولة في التراث الشعبي الشفاهي المغربي، المليئة بالعبر والحكم. ويدون هذا العمل المسرحي، الذي ألفه الراحل الطيب الصديقي سنة 1966، مقولات الشيخ سيدي عبد الرحمان المجدوب، في سفره عبر مغرب العهد السعدي، حيث عمل على استنباط وسبر أغوار شخصية هذا الشيخ. وقد جعلت مخلية المؤلف شابا من العصر الحديث، يعبر أجيالا وقرونا لتعلم فن الحلقة، فإذا به يصادف رواة جامع الفنا، في استحضارهم لسيرة سيدي عبد الرحمان المجدوب. وأصر الطيب الصديقي على أن يستلهم هذه اللوحة الفنية بأساليب فرجوية مغربية، مبرهنا على أن "الحلقة" هي نوع مسرحي عريق. ووصف الفنان محمد مفتاح هذه المسرحية ب"التاريخية" لأنها تحكي حياة وسيرة ذاتية لشخصية وطنية مغربية، هي سيدي عبد الرحمان المجدوب، الذي ازداد في نهاية القرن ال16 وعايش فترة الأطماع الخارجية التي كانت تتربص بالمغرب من لدن البرتغاليين والإسبان كرد فعل على انهزام البرتغال في معركة وادي المخازن، مشيرا إلى أن هذا العمل المسرحي يتطرق لجزء من ديوان سيدي عبد الرحمان المجدوب. وأضاف مفتاح، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن المسرحية تتوزع على عدة لوحات "شيقة برؤية حديثة تم خلالها المحافظة على التراث والقيم اللغوية وتم اختزال المشاهد لتفادي إحساس المتفرج بالملل، حيث يتم الانتقال به بين هذه اللوحات بشكل تدريجي من الهزل إلى الجد إلى الدراما "، معربا عن أمله في أن يسهم العمل المسرحي الخالد في إعادة تقريب التراث المغربي العريق إلى الجمهور منهم أفراد الجالية المغربية بالإمارات الذين استمتعوا بمشاهدة المسرحية. من جانبها، عبرت الفنانة آمال الثمار عن سعادتها بالمشاركة في هذا العمل القيم، مبرزة أهمية تعريف الشباب والأجيال الصاعدة بالتراث المغربي العريق؛ ومنها "سيرة سيدي عبد الرحمان المجدوب" بالنظر إلى ما يتضمنه من حكم ومواقف تسري على الوقت الراهن. وأضافت أن الراحل الطيب الصديقي، الذي أعد وقدم المسرحية منذ ستينيات القرن الماضي، كان متشبثا بالتراث وبكل ما هو أصيل من حيث الملابس والكلام المنمق، مبرزة أن الأستاذ مفتاح نجح في إخراجها في قالب جديد يتكيف مع الواقع. واعتبرت أن هذه الحلة الجديدة للمسرحية أفرزت "حسا جديدا من خلال الارتكاز على ممثلين من مختلف الأعمار والتجارب المسرحية "، مشيدة بمبادرة عرض المسرحية خارج الوطن لأنها تتيح للمسرح المغربي الانفتاح على آفاق وعوالم أخرى وبالتالي تعزيز التبادل الثقافي مع البلدان الشقيقة والصديقة. بدوره، أكد محمد بكر الصديقي، رئيس مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع، أن عرض هذه المسرحية يندرج في إطار الأنشطة والأهداف البارزة للمؤسسة والمتمثلة أساسا في إحياء الذاكرة المسرحية والفنية للراحل الصديقي وتعريف الأجيال الصاعدة برصيده الثقافي الزاخر، مشيرا إلى أن هذا العمل المسرحي أخرجه مجددا الفنان المقتدر محمد مفتاح الذي تتلمذ ضمن فرقة "مسرح الناس" للطيب الصديقي. كما أعرب رئيس مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع عن سعادته بعرض المسرحية في الإمارات العربية المتحدة بفضل الشراكة مع الوزارة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة من أجل صلة الوصل بين الثقافة والموروث الثقافيين المغربيين والمغاربة المقيمين بالخارج وكذا الجمهور الإماراتي الشقيق. من جانبه، قال الزياني كثير، ممثل وعضو مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع، إن مسرحية "سيدي عبد الرحمان المجدوب"، التي تعد جزءا من التراث المغربي الذي يتعين الحفاظ عليه، تتضمن دروسا وعبرا وحكما صالحة لهذا العصر وربما للعصور المقبلة. وشدد على أن الفنان محمدا مفتاح أضفى على المسرحية شكلا جديدا ومعاصرا، لا سيما من خلال اللوحات الغنائية التي تشد المتلقي وكذا تناسق الألوان والملابس والإنارة والموسيقى المغربية. وخلص الممثل وعضو مؤسسة الطيب الصديقي للثقافة والإبداع إلى القول: "ما أحوجنا إلى مثل هذه الأعمال المسرحية الجادة الهادفة، من أجل مسرح مغربي حقيقي". *و.م.ع