حل الوزير الأول لجمهورية بلغاريا، بويكو بورسيوف، بالمغرب خلال الأسبوع الجاري، مرفقاً بأعضاء من حكومته وكبار المسؤولين وعدد من رجال الأعمال الذين تباحثوا مع نظرائهم المغاربة، طيلة أيام، حول سبل تعزيز التعاون والتبادل الاقتصادي الضعيف بين البلدين. ورغم أن بلغاريا، التي تضم 7 ملايين نسمة، تُعد أحد أضعف بلدان الاتحاد الأوروبي نمواً، إلا أنها تزخر بمؤهلات وثروات يمكنها أن تحقق تقدماً وتلتحق بركب الدول المتقدمة المجاورة لها، لكن عدداً من العوامل جعلتها لا تحقق إقلاعاً اقتصادياً كبيراً، على رأسها تأثيرات الموقع الجيو-سياسي الذي يجعلها تتأرجح بين الغرب وروسيا، والضغوطات السياسية والأمنية الخارجية التي تخضع لها. وتأثرت بلغاريا كثيراً بالأزمة المالية سنة 2008، ولم تحقق الانتعاش الاقتصادي إلا سنة 2014 بتحقيقها نسبة نمو في حدود 3 في المائة، واستمر هذا المستوى سنة 2016 بتسجيلها لناتج محلي إجمالي ب52.4 مليار دولار، أما توقعات السنة الحالية، فتترقب نموا في حدود 2.7 في المائة فقط، وهو ما يعكس حال الوضعية السياسية في البلد والمؤشرات الماكرو-اقتصادية للاتحاد الأوروبي. بويكو بورسيوف يرأس الحكومة البلغارية منذ سنة 2009، وقد وصل إلى هذا المنصب بعد مسار لافت، فقد كان مدرباً للمنتخب الوطني للكاراتي، ثم حارساً شخصياً لتودور جيفكوف (1911-1998)، الرئيس الأسبق للبلاد زعيم الحزب الشيوعي البلغاري، وفي سنة 1990 أسس شركة للأمن الخاص. دخل بويكو غمار السياسة ونجح سنة 2005 في الوصول إلى منصب عمدة العاصمة صوفيا، ثم أسس السنة الموالية حزب "مواطنون من أجل تنمية أوروبية لبلغاريا"، وانتخب رئيساً للحكومة سنة 2009، لكنه واجه مشاكل سياسية بسبب أقليته الحكومية التي أطاحت به، وعاد من جديد إلى رئاسة الحكومة بفضل تحالف يميني وسطي في انتخابات سابقة لأوانها السنة الماضية. وبمناسبة الزيارة التي قام بها الوفد البلغاري برئاسة بويكو بورسيوف، أصدرت المديرية العامة للتجارة بوزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي بالمغرب مذكرة معلومات تهم التعاون الاقتصادي بين المغرب وبلغاريا، وقفت فيها على وضعية هذا البلد والمؤهلات التي يزخر بها والفرص المتاحة للتعاون بين البلدين. وأشارت الوثيقة إلى أن بلغاريا تعتبر بلداً فلاحياً تقليدياً نجح بشكل ملحوظ في التصنيع، حيث يمثل القطاع الفلاحي 5.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ويشغل حوالي 7 في المائة من الساكنة النشيطة، أما الصناعة فتمثل 28 في المائة، وتشغل 30 في المائة من السكنة النشيطة. وضمن الموارد المعدنية التي تتوفر عليها بلغاريا نجد البوكسيت والنحاس والرصاص والزنك والفحم والحديد والبترول والغاز الطبيعي، وما تزال الصناعة في هذا البلد تعتمد على الصناعات الثقيلة، مثل المعادن وتصنيع الآلات، التي جرى تطويرها خلال الفترة الاشتراكية السابقة. لكن القطاعات الأكثر دينامية حاليا في بلغاريا هي النسيج والمنتجات الصيدلية ومستحضرات التجميل والهاتف النقال والبرمجيات. ويمثل القطاع الثالث، الذي يضم التجارة والنقل والخدمات المالية والسياحة، 67 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويشغل 64 في المائة من الساكنة النشيطة. وتتعامل بلغاريا تجارياً مع دول متنوعة، على رأسها ألمانيا ورومانيا وتركيا واليونان، إضافة إلى روسيا وإيطاليا. تبلغ نسبة البطالة في بلغاريا 7.6 في المائة، حسب إحصائيات 2016، ومعروف أن الساكنة المؤهلة تغادر للعمل في الخارج نظراً لضعف الأجور في بلغاريا، وهو ما يجعل المقاولات المحلية تواجه مشكلة في التوظيف، وذلك جلي من كونها توفر أدنى حد للأجر في الاتحاد الأوروبي بما يقارب 235 يورو. علاقة بالمغرب، تعتبر المبادلات التجارية مع بلغاريا ضعيفة جداً، فهي لا تمثل ضمن المبادلات الخارجية للمغرب إلا 0.37 في المائة، لكن رغم ذلك عرفت الواردات والصادرات تطوراً ملحوظاً منذ سنة 2010، وقد انتقل حجم المبادلات التجارية من 348 مليون درهم سنة 2000، إلى 2.5 مليار درهم سنة 2017. وتفيد الأرقام الرسمية بأن الصادرات المغربية إلى بلغاريا عرفت سنة 2017 ارتفاعاً ب46 في المائة، أما الواردات فقزت ب26 في المائة مقارنة مع سنة 2016، وفي نهاية شهر غشت الماضي، بلغت المبادلات التجارية بين البلدين 1.5 مليار درهم، منها 845 مليون درهم كصادرات و697 مليون درهم كواردات، وقد استمر المغرب في تحقيق فائق تجاري مع هذا البلد منذ سنة 2015. ويصدر المغرب إلى بلغاريا عدداً من المنتجات، من بينها الأسمدة الطبيعية والفوسفاط والسيارات السياحية والنحاس الخام والزنك الخام والسمك بمختلف أنواعه وحمض الفوسفوريك، أما الواردات فتضم القمح وزيت عباد الشمس والمنتجات الكيميائية والأجهزة المنزلية والزجاج. وبين البلدين لجنة بين حكومية شكلت قبل سنوات مضت، إلا أن آخر اجتماع لها كان في أكتوبر من سنة 2012 في العاصمة صوفيا، وقد اتفق البلدان خلال الأسبوع الجاري في الرباط على إحداث اللجنة الاقتصادية المشتركة المغربية-البلغارية، التي ستجتمع في الأشهر القادمة في العاصمة من أجل رفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وتعزيز فرص الاستثمار. وتنظر بلغاريا إلى المغرب كفرصة استثمارية، فهي ترغب في استفادة المقاولات المغربية من المزايا التي تقدمها بلغاريا للأعمال والاستثمار، وقد كان هذا المجال موضوع نقاشات مستفيضة مع الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والجمعية المغربية للمصدرين، إضافة إلى رغبتها في الانفتاح أكثر على العالم والاستفادة من مؤهلات البلدان النامية والسائرة في طريق النمو.