في قلب العاصمة اليابانية، طوكيو، تنتصب معلمة سياحية ضخمة لا توحي بساطة مظهرها الخارجي للزائر بما يحتويه باطنها من كنوز وآثار وتحف ثقافية تحكي وتختزن جوانب هامة من تاريخ بلاد مشرق الشمس وحضارتها .. متحف طوكيو الوطني، الأقدم والأكبر في البلاد، من أشهر المعالم السياحية وأبرز المحركات الاقتصادية العديدة التي تزخر بها العاصمة. على مدى ما يناهز قرنا ونصف القرن من الوجود، ظلت هذه المعلمة السياحية شاهدة على عراقة الثقافة اليابانية وتنوعها، تنقلها جيلا بعد جيل عبر سفر تاريخي حافل بجوانب مهمة من الهوية والتفرد وتستقطب بها أفواجا من السياح يحجون إليها من كل حدب وصوب رغبة في استكشاف بعض من خصائص ثقافة بلاد مشرق الشمس، وثقافات بلدان آسيوية أخرى تنطق بها آلاف المعروضات التي تؤثث جنبات المتحف وتعكس فرادة هوية وثقافة هذا الجزء من المعمور. "يستقطب المتحف أعدادا غفيرة بانتظام، خاصة في المناسبات الخاصة التي تتم برمجتها لعرض قطع وآثار وتحف فريدة. وهكذا تجتذب هذه المعلمة ما معدله مليونا زائر من المواطنين والأجانب سنويا"، تقول مسؤولة بالمتحف في تصريح صحافي. ومن مظاهر تفرد المتحف، الذي رأى النور في عام 1872، أنه يضم أكبر تشكيلة من الفنون اليابانية في العالم تتوزع إلى أكثر من 117 ألف قطعة أثرية، ص نف 89 منها كنوزا وطنية، وأكثر من 640 قطعة مصنفة ضمن الممتلكات الثقافية الحيوية. وتنتمي الغالبية العظمى من القطع المعروضة إلى الآثار الآسيوية والفنون، مع التركيز على الهوية اليابانية. وتشمل معروضات المتحف الكثير من التحف القديمة التي تتنوع أشكالها ما بين الكيمونو، وهو الزي القديم للساموراي، والسيوف القديمة، والمصنوعات المعدنية. كما تتحف المعلمة أنظار الزوار والسياح بقصائد ولفائف ورقية ومخطوطات وخزفيات وآثار وغيرها من المعروضات التي تعكس جوانب هامة وفريدة من الثقافة اليابانية. وتشد انتباه الزائر وهو يتنقل بين مختلف مباني المتحف، آثار وقطع أخرى تعكس ثقافات عدد من الدول مثل كمبوديا وفيتنام والهند وإيران وتركيا ومصر يعود بعضها إلى 2000 سنة قبل الميلاد، تشمل تماثيل ومجوهرات ورسومات ونماذج مصنوعة من الجص والسيراميك. وإلى جانب المعروضات، ينظم المتحف أنشطة أكاديمية تروم التعريف بالمعلمة السياحية وبما تكتنزه من تحف ثقافية وتاريخية، وينجز بحوثا وتحقيقات تتعلق بجمعها من بطون الكتب ومن ثنايا النسخ والصور الفوتوغرافية المتعلقة بالفنون الجميلة، ويضعها رهن تصرف الباحثين الساعين إلى سبر أغوار الثقافة والحضارة اليابانية والآسيوية بوجه عام. عبر تاريخها العريق لم تسلم هذه المعلمة السياحية والثقافية من تقلبات الطبيعة والسياسة، فقد تضرر المتحف من جراء زلزال كانتو العنيف الذي ضرب البلاد صبيحة فاتح شتنبر 1923 والذي تسبب في انهيار المبنى الرئيسي من المعلمة، لكنها انتفضت من تحت رمادها وأنقاضها لتواصل مسيرتها الثقافية والتاريخية، ثم أصابتها بعد حوالي عقدين من الزمن شرارة السياسة وتجاذباتها ليضطر المتحف إلى إغلاق أبوابه في مناسبات. *و.م.ع