يعتبر قصر البديع من المآثر التاريخية الفريدة من نوعها بمدينة مراكش، التي تستقطب يوميا المئات من السياح المغاربة والأجانب بحكم ما تختزنه من تراث معماري وعمراني غني ومتنوع مستمد من الحضارات المتعاقبة على المملكة، لتسهم هذه المعلمة في تعزيز اشعاع الوجهة السياحية الأولى بالمغرب كمدينة ضاربة جذورها في أعماق التاريخ. وتعد هذه المعلمة التاريخية جزءا هاما في المدار السياحي الثقافي بالمدينة الحمراء المصنفة من قبل منظمة اليونيسكو ضمن التراث العالمي منذ 1985، مما يبرز الدور الذي لعبته مراكش في العصور السابقة خاصة وأنها كانت عاصمة للمغرب وملتقى للقوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء. وبالنظر الى أهميتها الكبرى في إبراز التطور والتقدم الحضاري التي عرفه المغرب في الحقب التاريخية الماضية، تعكس المآثر التاريخية الصورة الحقيقية للقدرات التي اكتسبها المغاربة في الإبداع المعماري الذي ميز هذه الفترات من تاريخ المملكة، وكمثال حي قصر الباهية وقبور السعديين وقصر البديع. وفي هذا الصدد، أكدت المحافظة الجهوية للتراث الثقافي لمراكشآسفي السيدة حسناء الحداوي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن قصر البديع يحتل المرتبة الثالثة بعد قصر الباهية (المرتبة الأولى) ثم قبور السعديين، بالنسبة لعدد الزوار الوافدين على المعالم التاريخية التابعة لوزارة الثقافة والاتصال. وأشارت إلى أن قصر البديع أضحى من أهم المواقع الأثرية التي تحتضن أكبر عدد من الأنشطة الثقافية والفنية، والتي تسهم في التعريف بهذه المعلمة التاريخية، من ضمنها مهرجان مراكش للضحك ومهرجان الفنون الشعبية. وبخصوص عمليات الترميم المتعددة التي عرفها هذا الموقع الأثري، أبرزت السيدة حسناء الحداوي ، أن أقدم عملية الترميم ترجع إلى الفترة الاستعمارية، وأخرى في سنتي 1986 و 2002 ، مضيفة أن هذه المعلمة التاريخية خضعت أيضا لسلسلة من أشغال الترميم واستهدفت صيانة هذا الموقع وتأهيله. ويضم قصر البديع مجموعة من المتاحف الفنية والتراثية التي تحتضن التحف المستخرجة من مواقع أثرية أخرى بمدينة مراكش وأحوازها. فالزائر لهذه المعلمة التاريخية يستهل مسار زيارته لها بسراديب تحت أرضية الشمالية يوجد بها معرض يتضمن عدة صور حول حي الملاح بمراكش، المشيد في القرن السادس عشر والمتواجد بجوار قصر البديع، حيث تبرز هذه الصور أنواعا من الحلي واللباس اليهودي التي ترجع في غالبيتها إلى القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، والتي تعكس الحياة اليومية لسكان الملاح في الأربعينيات من القرن الماضي. وإلى جانب هذه المعروضات هناك جناح مخصص للمعالم التاريخية للمدينة الحمراء، لينتقل الزائر بعد ذلك إلى فضاء آخر مؤثت بصور قديمة للحلقة والحلايقية بساحة جامع الفنا التي تعد تراث لاماديا، ثم جناح يبرز تطور النسيج المعماري بالمدينة منذ تأسيسها الى سنة 1956 وذلك من خلال التصاميم القديمة والنصوص التاريخية ومجموعة من الخرائط. وفي السراديب تحت أرضية الشمالية مجموعة من التحف الأثرية التي تم استخراجها من مواقع عديدة بمدينة مراكش وضواحيها في الأربعينيات من القرن الماضي وقبلها (موقع أغمات والكتبية وخزانات سيدي بوعثمان وقصر البديع وغيرها)، والتي تعرض داخل واجهات زجاجية من أجل تثمينها، وذلك حسب التسلسل التاريخي من الفترة المرابطية والموحدية ثم السعدية. وخلال مسار هذه الزيارة يمر السائح الى قاعة أخرى خصصت لعرض شريط وثائقي يبرز الوضعية التي كان عليها قصر البديع حين بنائه، والتي تم الاعتماد في تصورها، حسب السيدة الحداوي، على هندسة ومعمار قبور السعديين ومدرسة بن يوسف بالإضافة الى عدد من المصادر وأيضا مجموعة من الرفوعات الهندسية لموقع قصر البديع، الشيء الذي مكن من بلورة تصور لهذه المعلمة عند بنائها قبل أن تتعرض للتخريب. كما يتضمن قصر البديع قاعة لنماذج من النقائش العربية بمراكش تعود الى الفترة المرابطية والموحدية والسعدية والعلوية، حيث أن كل قطعة معروضة بموازاتها الرسم الذي تحمله بشكل مفصل، وهو ما يسترعي اهتمام الزوار ويثير اعجابهم. وتشمل هذه المتاحف، أيضا، مجموعة من التحف يرجع تاريخها الى الفترة السعدية تم استخراجها من قصر البديع من بينها أعمدة من رخام وأبواب من الخشب المنحوت، وكذلك قطع عبارة عن سلاسل وقيود وصور لسجون قديمة. ويختم الزائر جولته داخل هذه المعلمة الأثرية بزيارة قاعة وضع بها منبر جامع الكتبية الذي يعتبر تحفة نادرة وفريدة من نوعها ترجع الى عهد المرابطين حيث خضع لعملية الترميم والصيانة على يد خبراء مغاربة وأجانب. وقد صمم قصر البديع وفق العمارة الأندلسية ، تقول المتحدثة، حيث توجد ساحة كبرى وحولها تنتصب مجموعة من القباب التي تحمل تسميات مختلفة روعي في تصميمها التماثل، ذلك أن القبة الخمسينية تماثلها قبة الزجاج، وقبة الخيزران تقابلها القبة الخضراء، وأيضا هناك تماثل في الصهاريج الركنية وفي الأحواض المغروسة، مذكرة أنه تمتد على طول قصر البديع سراديب تحت أرضية تستوعب سكنى الخدم والحشم والمطابخ إلى جانب دورها في حماية هذه البنايات والقباب من الرطوبة. كما اعتمد في تصميم هذه المعلمة توزيع متناسق للبنايات حول ساحة مستطيلة الشكل، يتوسطها صهريج كبير وأربعة صهاريج أخرى جانبية تتخللها أربع حدائق مميزة. وتبقى هذه المعلمة التاريخية وغيرها من المآثر التي تزخر بها المدينة الحمراء تشكل جزءا هاما من ذاكرة مراكش على الخصوص والمغرب على وجه العموم، لما لها من دور في التنمية الثقافية وتحريك عجلة الاقتصاد بالمنطقة.