يشكل الاهتمام بالأسواق الأسبوعية مدخلا للتنمية الترابية والسياسات العمومية في العالم القروي، ولا يمكن أن يتم تطوير الإنتاج والإنتاجية والتنوع الاقتصادي لدى الفلاح المغربي دون تأهيل وعقلنة وتحديث هذه الأسواق، كما تعتبر الطرق شريانا مهما لربط الدواوير والجماعات بهذه المراكز التجارية التقليدية، التي تعتمد عليها المجالس الجماعية بالمجال القروي في الترويج الاقتصادي، باعتبارها موردا ماليا يساهم في الرفع من ميزانيتها عن طريق كرائها للخواص. ونظرا لكون مجموعة من الأسواق الأسبوعية تعرف اختلالات عديدة وطريقة تدبيرها باتت متجاوزة، فإن وزارة الداخلية شرعت في الحث على الانتقال إلى آليات معقلنة للتدبير، سواء من خلال التعاون بين الجماعات أو مع القطاع الخاص، من أجل خلق فرص الشغل وتوفير فضاءات الأسواق الأسبوعية الهامشية للمدن الكبرى لاستيعاب وتنظيم الباعة المتجولين. ومن أجل كل ذلك، فالمديرية العامة للجماعات المحلية مدت يدها لمواكبة الجماعات في مشاريعها المرتبطة بهيكلة الأسواق، سواء بشكل مباشر أو عن طريق صندوق التجهيز الجماعي. مدينة مراكش، مثلها مثل الحواضر المغربية الكبرى، تحيط بها جماعات قروية عدة لكل منها سوقها أسبوعي. من هذه الأسواق ما تم تجديده لتوفير الخضار والفواكه واللحوم والمواد الاستهلاكية المتنوعة من أجل خلق فرص عمل جديدة من خلال مرافقه المتعددة، وتشجيع المنافسة بين التجار؛ ما سيعود بالنفع على المواطن. ومنها ما أنجزت بخصوصه دراسات تقنية وشرع في إصلاحه لنقله من الطابع القروي إلى طابع عصري يتميز بجودة الخدمات وقوة حركيتها وترابط ديناميتها الاقتصادية، لكن بقي يراوح مكانه إلى غاية اليوم، وما يزال ورشة بناء أو مغلقا بعدما صرفت عليه ميزانية من المال العام. مشروع إصلاح السوق الأسبوعي بجماعة سعادة، 14 كلم ضواحي مراكش، استحسنه سكان المنطقة الفلاحية وتجارها، لكونه سيشكل رافعة اقتصادية لمجال ينفرد بموقع استراتيجي لأنه يحاذي كلا من الطريق الوطنية والطريق السيار، اللتين تربطان بين الدارالبيضاء والصويرة وأكادير، لكن تأخر الانتهاء من أشغال إنجازه زاد من غضب حقوقيين وسياسيين ومنتخبين. هسبريس زارت المنطقة ووقفت على وضعية الطرقات وعاينت السوق الأسبوعي، والتقت سكانا وفاعلين جمعويين للاستماع إلى آرائهم حول توقف هذا المرفق العمومي والحالة المزرية للمقاطع الطرقية التي تشكل شرايين الجماعة القروية التي تتشكل من مجموعة من الدواوير، فكان هذا الربورتاج. مطالب جمعوية وحقوقية محمد الهروالي، رئيس فرع المرصد الوطني لمحاربة الرشوة وحماية المال العام بجهة مراكش أسفي، قال في تصريح لهسبريس: "تلقينا شكايات عدة من بعض ساكنة جماعة سعادة ومختلف الفاعلين بها، بخصوص الاختلالات التي يعرفها تسيير جماعة سعادة بمراكش، خاصة فيما يتعلق ببعض المشاريع التي انتظرتها الساكنة، من قبيل السوق الأسبوعي سعادة والطرق والبنية التحتية عموما". وأضاف أن "السوق الأسبوعي المغلق تم إقراره منذ سنة 2005، وخصصت له ميزانية تتعدى المليار سنتيم، وتقرر تشييده على أرض تابعة للأملاك المخزنية مساحتها 13 هكتارا تم كراؤها لهذا الغرض سنة 2012 بسومة تبلغ 60.000 درهم سنويا ما زالت تدفع لفائدة الإدارة المذكورة إلى يومنا هذا"، مبرزا أن "الجماعة تسلمت مقرر انتهاء الأشغال سنة 2015 من طرف الشركة المكلفة بالبناء دون أن يتم استغلال السوق وفتحه للعموم إلى غاية الآن". وتابع الهروالي قائلا: "لا حاجة للمنطقة بهذا السوق الذي أهدر عليه غلاف مالي ضخم"، مؤكدا أنه لن يجذب الفلاحين والتجار لوجود سوق "الأربعاء"، ذي الشهرة وطنيا وإقليميا وجهويا، وأوضح أن "سوقي كل من العزوزية ودوار سيد الظاهر أغلقا ولم يعودا يؤديان دورهما"، متسائلا: "لماذا إذن إحداث سوق جديد في لحظة تموت فيها الأسواق الأسبوعية بالجماعة؟"، وطالب "كتنظيم حقوقي، والي جهة مراكش أسفي بفتح تحقيق إداري في أسباب تعثر هذا المشروع، الذي سيستنزف سنويا من ميزانية الجماعة سومة كرائية قدرها 6 ملايين سنتيم". طرق ومسالك مزرية "مشروع توسيع مجموعة من الطرق وتقويتها بالجماعة هو الآخر يعاني من التعثر، ويشكل تعبيرا صارخا عن هدر المال العام، كالطريق الرابطة بين السنسلة ووادي البهجة مرورا بدوار عبو خرباس (2405360.04 درهم)، والطريق الرابطة بين طريق "RP2006" والمحول الكهربائي عبر أولاد با (2374163.76 درهم)، وطريق أخرى تربط بين "RP2006" ودوار كيو (802 182.01)"، يقول المستشار المعارض عبد الرحيم لعميم لهسبريس، مستدلا على ذلك ب"رفض وزارة التجهيز للمقترح المقدم لها؛ ما دفع المكتب المسير إلى إجراء دراسة ثانية بمبلغ مالي قدره أربعة ملايين سنتيم"، معتبرا ذلك "مؤشرا قويا على غياب أي رؤية عقلانية لدى المسيرين للجماعة". المسالك القروية هي الأخرى ليست أفضل حالا من الطرق التي تعج بالحفر، فسكان دوار بن عزوز، على سبيل المثال لا الحصر، يشتكون، كما الأطر الإدارية والتربوية العاملة بإعدادية السعديين، من الحالة المزرية التي يعرفها مسلك طرقي ممتد على أربعة كيلومترات، يربط الدوار بالمؤسسة التعليمية، معبرين عن امتعاضهم مما وصفوه ب"التماطل والإقصاء الذي تعرفه المنطقة والسكان القاطنون بالمدشر". رشيد مزال، فاعل جمعوي بدوار بن عزوز، قال لهسبريس إن "المجتمع المدني يرافع منذ أكثر منذ سنتين من أجل إصلاح هذا المسلك الذي يوجد في حالة يرثى لها، خاصة بعد التساقطات المطرية؛ إذ يتحول إلى مستنقع من الأوحال يحول دون وصول التلاميذ والأطر التربوية والإدارية إلى الإعدادية"، مضيفا أن "الوضع المزري نفسه تعاني منه مسالك دواوير أخرى، كدوار أحمر وعبدة السراغنة، ولدينا معلومات تفيد بأن الغلاف المالي لمشروع إصلاح المقطع الطرقي تم توفيره منذ شهر أبريل 2016، دون أن نرى أي مؤشر على ذلك". جواب الرئيس ولتوضيح وجهة نظر المكتب المسير لجماعة سعادة، ربطت هسبريس الاتصال بأحمد الطالبي، رئيس المجلس الجماعي، الذي قال إن "التصور الذي بني عليه مشروع السوق هو الجمع بين ما هو تقليدي، كإحداث حنطة الخضر والحبوب والمواشي، وبين ما هو حداثي، كمعصرة للزيتون، ومحطة للألعاب، وأخرى للمحروقات، وفندق لاستقبال المسافرين بسبب تواجده على مستوى الطريق الوطنية الدارالبيضاءأكادير والطريق السيار". وأضاف أن "هذا المشروع سينجز على شطرين؛ الأول تم الانتهاء منه، وخصص له غلاف مالي قدره 700 مليون سنتم، وفي القريب العاجل ستطلق عملية فتح عروض صفقة طرق السوق وتبليطه وحفر بئر والمقاهي الخارجية"، مؤكدا أن فتحه أمام التجار والفلاحين والمسافرين سيكون خلال الموسم الحالي، وأرجع رفض وزارة التجهيز مشروع توسيع وتقوية الطرق إلى أن "الدراسة الأولى كانت عامة لأنها تناولت الأرصفة والكهرباء؛ ما جعل الغلاف المالي مرتفعا وفوق طاقة ميزانية الجماعة"، مشيرا إلى أن "دراسة أخرى أنجزت تراعي ملاحظات الوزارة المذكورة، وتمت الموافقة عليها منذ ثلاثة أشهر"، بتعبيره. أما مشكلة المسالك القروية، فقد أرجع الطالبي تأخر إصلاحها إلى اتفاق أعضاء المكتب المسير على تعبيدها بالإسفلت، فيما يعود تعثر إصلاح المقطع الطرقي بدوار بن عزوز، الذي خصص له غلاف مالي يقدر ب257 مليون سنتم، إلى انتقال المهمة من المجلس الإقليمي إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وإدراجه مؤخرا ضمن برنامج التنمية القروية، مؤكدا أن جماعة سعادة ساهمت فيه ب 70 مليون سنتم، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ب 30 مليون سنتم، ومجلس عمالة مراكش ب80 مليون سنتم.