كان ولازال الكسكس من أشهر الأطباق التي تجسد الارتباط بالهوية والخصوصية السوسيو-ثقافية للمنطقة المغاربية، باعتباره طبقا شعبيا دائم الحضور في المناسبات الدينية والرسمية على حد سواء، كما يشكل رمزا للكرم والاحتفاء بالضيوف وتقليدا لازال يحظى بمكانة خاصة تتوارثه الأجيال أبا عن جد. يقدم الكسكس يوم الجمعة مأدبة، وفي العرس وليمة، وفي المأتم وضيمة، وحوله تنعقد حلقات الذكر...هو ليس طعاما، بل الطعام، ويحظى بمكانة خاصة، حتى إن الشاعر سعد سرحان خصص لهذا الطبق حيزا ضمن ديوان "المائدة"، واصفا إياه بشيخ الأطعمة وأيقونة المطبخ المغربي؛ فهو جمع بصيغة المفرد، وأنواع متعددة: الكسكس باللحم والخضر، والكسكس المدفون، والكسكس بالقرْع الأحمر، والكسكس بالحمّص والزبيب، والكسكس بالقرفة والحليب...والكسكس "بالتفاية"؛ وكلما ابتعدنا عن المراكز والحواضر استفحلت لذته. في وزان يتميز الكسكس المحلي عن نظرائه بباقي جهات المملكة بمكوناته الطبيعية الفريدة، وتنوعها، ك"الزياتة" التي يقبل عليها أهل "دار الضمانة" خلال فصل الشتاء بحكم تضمنها سعرات حرارية وقيمة غذائية غنية. لا يمكن الحديث عن الكسكس الوزاني دون الحديث عن نبتة "الزياتة" بحكم وجودها بوفرة بالمنطقة، إلى جانب نبتة منسمة أخرى هي "فليو"، تضفي مذاقا خاصا ولمسة سحرية على الطبق. ويقبل سكان المنطقة الشمالية من المغرب أكثر من أي منطقة أخرى من البلاد على تناول أكلة "الطعام بالربيع"، وفق المنطوق المحلي، ويتم إعداده بالمنازل، حيث تعمد نساء وزان الأصيلات إلى طهي مكوناته في طقوس لازالت جارية إلى اليوم. يتكون الكسكس الوزاني من موادّ جميعها من الإنتاج الزراعي المحلي، ومكوّناته هي الدقيق الصلب، وباقة من نبتة "الزياتة" و"عرش فليو"، بالإضافة إلى الثوم و"الخليع" ونصف لتر من زيت الزيتون؛ وتبدأ أولى مراحل إعداده بتقطيع الأعشاب ووضعها في "طنجرة"، مع الماء والزيت، مع إضافة البصل والثوم وباقي التوابل، ويترك لمدة 15 دقيقة حتى يطهى. عند نضج المكونات سالفة الذكر يضاف إليها القرع و"الخليع" والفلفل الحار. وبالموازاة مع ذلك تعمل أنامل "الحادكات" على وضع الدقيق الصلب في قصعة (آنية من فخار) ورشه بالماء وخلطه بالزيت قبل وضعه ب"الكسكاس" لطهوه بالبخار؛ وتعاد العملية حتى ينضج. وخلال التقديم يوضع "الطعام" وسط طبق كبير يزين بالخليع والثوم والأعشاب، مع توفير مرق حسب الرغبة. وإذا كان أهل دار الضمانة مازالوا حريصين على الحفاظ على "أصالة" هذا الطبق، فقد بدأت تدخل عليه تغييرات لمواكبة العصر، إذ أضحت تدخل ضمن مكوناته مقادير أخرى، كالخضر، خاصة القرع الأحمر، كما يحاط تَناوُله بطقوس خاصة، في مقدمتها مجمع الأحباب وأكواب "اللبن البلدي" التي تؤثث المائدة.